الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعند ابن رشد فصل المقال

بشرى البستاني

2012 / 3 / 14
الادب والفن




وأقولُ علمني من خفاياك
أيها المعنى المخاتلُ ، الكامنُ لي في الزوايا ،
وفي جيوب المعاطف الملونة
علمني ...
من أودية الحكمة المحفورة بمعاول التجارب المُرة
لكن لا تعلمني
من قال لك إني أريد أن أتعلم
إن لديَّ من عذاب العلم ما يكفي
ومن مرارة المعرفة ما ملأ فمي دماً
ففي عصور اللبلاب تتحوّلُ المعارفُ لعلقمْ ..
لستُ أنا من قالت ذلك
فأنا امرأةٌ قاصرةُ عقلٍ لا تصدرُ عنها الحكمة
ولا تطمع أن تقودَ غنمتين
وإن كنتُ قد منحتُ المئاتِ من الرجال شهاداتٍ عليا
وأعطيتُ الآلافَ منهم معارف
وتصدرتُ المئاتِ من مجالس المعرفة
ولمجلسي يتسابق طلابُ العلمْ
والرجالُ ينحنون لي إجلالا ..
لكني بالرغم من ذلك أبقى قاصرةَ عقلْ
قالها لي رجلٌ بكيد ، ابتسمتُ
وحين سألني لمَ لمْ أغضب ؟
أجبتُه بألفة : لأنه لم يكن كاملَ عقل ..
قال : أنت داهية .
ابتسمتُ مرةً أخرى ..
كان يطمع بجدل
لكنه صمتَ كليا إذ نظرت إلى السماء قائلةً ،
لن تمطرَ ، فالغيمةُ عقيمةْ ..
نعم ، الغيمة عقيمة
والوعيُ بعلقمها دمار
و" المعرفة تحرق المحبة " * لم أقلها أنا كذلك
بل قالها رجلٌ يحقُّ له أن يقولَ الحكمة
رجلٌ عاش وحيدا ومغتربا وغريبا ،
وملتاعا بغيابي
أنا الحقيقةُ / السر
الذي لو فتحتَه انكسرَ وضاعت مفاتيحه ..
وهو إذ أدرك ذلك فتح بغربته المغلقَ والمتفرَّد
وبعده قالها رجالٌ آخرون ..
بوجع كذلك ..
لكنه وجعٌ من طراز جديد
" المعرفة فاجعةُ العصرْ "
فبالمعرفة قتلنا الحبْ
بالمعرفة فارقنا وردَ الحياة وأورادَها
بالمعرفة تجنّبنا الذنوب
تلك الذنوبَ الصغيرةَ الزاهية
بالمعرفة حولنا الماضيَ المزهرَ إلى تماثيل
بالمعرفة أقمنا نصبَ الحرية الذي يلهمنا العذابَ
في كل نظرة
ويعلمنا المزيدَ من أسئلة الحرية
وما أدراك ما الحرية ...!!
وماذا سنفعلُ بالحرية ونحنُ معتادون على السياط
وظهورنا غدت جلد شاةٍ مسلوخةٍ جفَّت خلاياه
الحريةُ أن تتنفس
لكن لماذا تتنفسُ وفضاؤك متخمٌ بالتلوث
ومغرورقٌ بالدم وملعونٌ بالصراخ
بالمعرفة رسمنا الجرنيكا التي تأخذنا لهابيلَ وقابيلْ
لماذا قتلَ هابيلُ قابيل ..؟
آه .. أعرفُ لماذا قتله ، أعرف
لكن لا أعرفُ ... كيف ..!
ولماذا أريد أن أعرفَ ..كيف ..؟
ما دامت طرائقُ القتل كثيرة ..
لكنها تؤدي لهدفٍ واحد ...
فواحدٌ قتلني بالحبْ
وآخرُ قتلني بالصمتْ
وثالثٌ قتلني بالسيمياء
وآخرون قتلوني لأني كنت أسيرُ سريعا
وجاك دريدا ذبحني بالتفكيك
فقط لأني قلت له ...
حواريةُ جادامير أصلحُ من تقويضك
وأكثرُ رأفةً بالبشرية
.....................

لماذا أريدُ أن أعرف ..
مادامت المعرفةُ ظلمةْ
والظلمةُ سيزيفية
تصعدُ وتهبط
تهبطُ وتصعدْ
تتساءلُ عما فعله بنا سقراط ومن بعدُ تلاميذُه
هؤلاء الذين حشروا أنوفهم في كل شيئ
وعلمونا الإرهاقْ
ولذلك أهربُ منهم
اهربُ من أفلاطون وأرسطو
ذاهبة لهيدجر وباشلار
حيث ينفتح العالم أمامي كي يتشكل من جديد
بإرادتي هذه المرة
لكن ، كيف أذهبُ وإرادتي مسجونة
ومكبلةٌ بالسلاسل ...؟؟
فهيدجر لا ينسى أن يأخذك للعذاب كذلك
هيدجر يعلمك أن الحريةَ ارتقاءٌ وتميزٌ واختيار
ورفضٌ لقوانين الرعاع
هيدجر يعلمك الهدمَ كي تجيدَ البناء
يمنعك من المكوث في لحظة مقفلة
إنه يأخذك إلى التفرد والصحوة
لكن ، أين المفرُّ من الرعاع
إنهم يفتحون فم الهاويةِ
إنهم يقودون معارك الانتصار الخاسرة
ويُشعلون جذور الجريمة
إنهم ينسفون الجسورَ كي لا تصل أبدا
الرعاع يحركون مفاصلَ الحياة التي فارقت الحياة
يستنسخون التاريخ بصورٍ مشوهة
والتاريخُ يختنقُ بأيديهم
يكممون بؤرَه المضيئة ويقفلون نوافذه
يحرقون كتبَ ابنِ رشد مرةً أخرى
ويجلدون ابنَ حنبل
منتظرين البرابرة مع " كافافي "
الرعاعُ يمنعونك من العبور
ينصبون في طرقك العسسَ والسدودَ والعساكر
والحواجزَ الدمويةَ والكونكريتية
الرعاعُ يمنعونك من الوصول الى الجامعةِ
والمصنع
والحقل
والمدرسة
والى رياض الحياة
الرعاع يمنعونك من الهمسة والبسمة ومن نظرة أليفة
ويجبرونك على العيش في قبور غابرة
مهرولا من ليلٍ إلى ليل
الرعاعُ ، الرعاعُ ، الرعاعْ
يقول طالبي الجميلُ
نحن الذين أعطيناهم مقاليدَ النص
ففسَّروه في العتمةْ
وكسّروا مستوياته بالهراوات ومقامع الحديد
وأشبعوا دلالاته سماً
وكان علينا ألا نمنحهم فرصَ تقطيعِ أوصالنا
وعند ابن رشد فصلُ المقال ..
.....................

نداءاتُ هيدجر أرتني النجوم في عزِّ الظهر
هيدجر يريد ان نمشيَ على الماء دون تصوف
يريد ان نسكرَ بلا خمر
يريد ان نفتحَ غموضَ الأرض دون ان نمتلك مفاتيحَ التأويل
هيدجر يريد أن نشعلَ زرَدَ الماء شموعاً لغد يأتي
ونحن بلا غد
هل يعرف هيدجر أننا بلا غدْ ..!
نعم أيها الألمانيُّ الواثب ..
نحن مخلوقاتٌ بلا غد
فقد توقفَ الزمنُ فينا من ألف عام
بعد أن بنينا أول مدن العالم قبل سبعة آلاف عام
وأجرينا دجلة والفراتَ نخيلا
وغنينا للإنسانية البهجةَ وعلمناها العذوبةْ
وبعد ان نسجنا خيوط الحضارة وكتبنا الملاحم
فماذا سأفعل بنداءاتك الحميمةْ
أنا العراقيةُ المفتونة بأبجدية الحضارة
لكن ... وسط الرعاع .





*العبارة للشيخ النفري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الربيع قادم
د محمد فوزي العجيلي ( 2012 / 3 / 14 - 21:10 )
انت اكثر من رائعة انت الانسانة التي فهمت الحياة لكن الحياة لم تفهمها لان الرعاع يسيطرون على مجرياتها وتحاول التخلص منهم لكن مجرى النهر يجري سريعا والوقوف ضده الان ليس سهلا.. ستبقين يا بشرى رمزا للحرية التي غابت عنا ونحاول البحث عنها لكن العتمة تمنعنا من رؤيتها انها موجودة انا ادري وانت تدرين لكن الاخرون كيف سيدرون انها معادلة عصر التكنولوجيا والنيت التي يتباهون بها لكنهم لا يدركون اسس هذا العلم الجديد والمصيبة تكمن في ذلك انها معادلة ذات رموز ليس سهلا فتحها الان , لكنني يا بشرى ارى ربيعا قادما لكن لا تسأليني متى؟؟ انه قادم.

اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع