الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!حلان..أحلاهما مر

سامي حسن

2005 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك أن تعقد اللوحة وتعدد وتناقض القوى الفاعلة والمتصارعة في العراق، تجعل من الصعوبة بمكان الإجابة القطعية بنعم أولا، على واحد من أهم الأسئلة المطروحة اليوم على المسرح السياسي وهو: هل ستنجح أمريكا في العراق؟. ولمقاربة الإجابة الصحيحة، لا بد من تحديد معايير النجاح أو الفشل، وهي كما أعتقد ترتبط بمدى تحقيق وخدمة الأهداف الأمريكية المباشرة والاستراتيجية من احتلال العراق، والتي لم تعد خافية على أحد، والمتمثلة في السيطرة على النفط العراقي إنتاجاً وتسويقاً، والتحكم من خلاله، وهو الذي يشكل ثلثي احتياطي النفط العالمي ، بواحد من أهم مفاتيح القوة الاقتصادية في العالم، وبالتالي تكريس الهيمنة الأمريكية، وقطع الطريق على سعي أي قوة مهما عظمت لتعديل موازين القوى والتخلص من التفرد والزعامة الأمريكية للعالم، واستثمار النجاح في العراق لمتابعة تنفيذ الخطة الأمريكية الهادفة إلى إضعاف وإخضاع دول المنطقة، وإزاحة كل من يقف عقبة أمام فرض تسوية للصراع العربي الصهيوني تحقق أولاً وأخيراً مصلحة إسرائيل وعلى حساب الأمة العربية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ناهيك عن الأرباح التي ستجنيها أمريكا من وراء عملية إعادة الإعمار والاستثمارات والمشاريع في العراق ، وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد الأمريكي المتعثرة.
على الجانب العراقي يمكننا القول أن تحقيق الديمقراطية واحترام كرامة وحقوق الإنسان وتحسين الظروف المعيشية، وحدها يمكن أن تقنع الشعب العراقي أن الاحتلال الأمريكي أفضل من نظام صدام حسين البائد، وهنا يكمن المأزق الأمريكي؟! فالنتيجة واحدة سواء قدم الأمريكان للعراقيين ما يطلبونه أم لا!
لا شك أن فشل أمريكا في تحقيق المطالب العراقية، والتي أعتقد أنها تتناقض مع مصلحة وأهداف وسياسة أمريكا، أو محاولة الالتفاف عليها مثلما هو حاصل في موضوع الانتخابات سيدفع العراقيين إلى تطوير وتصعيد المقاومة، وإعطائها الطابع الشعبي، وامتدادها لتشمل كل العراق. وإذا كانت الدماء التي تسيل من أنف أمريكا لن تدفع بالأمريكان للانسحاب من العراق حسب تصريح سابق لوزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد، فإن سيلان الدم من الأنف والفم والعيون مثلما هو حاصل اليوم، سيجعل الأمر مختلفاً ، وسيكون للشعب الأمريكي عندها كلام يختلف عن كلام وزير دفاعه.. ؟! إنه الانسحاب الذي لن يكون هزيمة عسكرية لأمريكا في العراق وحسب، وإنما انسحاباً من الزعامة والهيمنة على العالم، وسوف تتجلى تأثيرات ذلك الانسحاب- الهزيمة في المستويات السياسية والاقتصادية والمعنوية كافة، داخل أمريكا وخارجها، فالاستراتيجية الأمريكية اتجاه المنطقة والعالم تكون قد فشلت، ومسلسل إعادة رسم خريطة المنطقة على الطريقة الهوليودية الأمريكية سينتهي دون أن ينهي الحلقة الأولى منه، والشركات المساهمة في الإنتاج ومنها إسرائيل سيصيبها الإفلاس؟! ولا شك في أن أمريكا تعرف وتدرك كل ما سبق أكثر من غيرها، لذلك فليس أمامها إلا أن تقدم للعراقيين ما يريدون، وهنا يكمن الشق الآخر من المأزق الأمريكي؟!
فأمريكا لم تستنفر كل إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، ولم تقف في وجه العالم وتستعدي شعوبه لخوض هذه الحرب، ولن تضحي بجندي أمريكي واحد ، كرمى لعيون الديمقراطية وتحسين شروط الحياة للعراقيين،؟! ولا بد لها أن تضمن من حيث النتيجة ما يلي:
1- فرض اتفاقيات ومعاهدات اقتصادية وعسكرية تضمن استمرار هيمنتها على العراق، واستغلال موارده
2- ضمان أن يكون للشركات الأمريكية حصة الأسد في الاستثمارات الجديدة في العراق، وفي إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
3- إن سياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة في العالم والتي تقودها أمريكا لا بد وان تفرض في العراق، فوصفات صندوق النقد الدولي جاهزة للتطبيق، وسياسات الخصخصة قد بدأت فعلاً مع بدء الاحتلال ، وتحول العراقيون إلى جيش من العاطلين عن العمل.
4- استعادة تكاليف هذه الحرب أضعافاً مضاعفة، ولن يكون مصدر ذلك إلا النفط العراقي، وعلى حساب العراقيين
5- استفادة إسرائيل من الوضع الجديد في العراق سياسياً واقتصادياً
إن إشاعة الديمقراطية في العراق وما تعنيه من حرية تشكيل وعمل الأحزاب والمنظمات الأهلية وحرية الصحافة وتفعيل النقابات وحرية التظاهر والإضراب كل ذلك سيعيد الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع العراقي وهو ما سيدفع باتجاه تطور نوعي لدى العراقيين ، فكراً وممارسة وكفاحية، وسيفتح عيونهم المفتوحة أصلاً على حقيقة أن مصلحة الشعب العراقي تكمن في التخلص من الاحتلال، وبناء عراق جديد بنظام سياسي ديموقراطي مستقل عن أمريكا وغير مرتهن لها ولسياساتها المختلفة، وغير ملزم بما يمكن أن يكون قد فرض عليه من اتفاقات ومعاهدات سياسية واقتصادية وعسكرية، عراق يسيطر فيه العراقيون على ثرواتهم دون مشاركة مع أحد، وهذا سيعني هزيمة لأمريكا لأنه يتناقض مع المصالح الأمريكية والأهداف التي شنت من أجلها الحرب.
إن احتلال أمريكا للعراق قد وضعها في موقف لا تحسد عليه، فهي كمن يبلع الموس على الحدين، وأمامها حلان أحلاهما مر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحت غطاءِ نيرانٍ كثيفةٍ من الجو والبر الجيش الإسرائيلي يدخل


.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة




.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة


.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من




.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى