الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«قانون الحرابة»... هروب من أزمات الوطن إلى تقنين «جرائم ضد الإنسانية»

هانى جرجس عياد

2012 / 3 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لو كانت قد قدر لوقائع فضيحة النائب السلفى أنور البلكيمى أن تأخذ منحى أخر، وتبقى طى الكتمان، محفوظة وراء ستائر السرية، أو بالأحرى ستائر الخداع، لربما كان النائب ذاته هو بطل معركة «تطبيق الشريعة» و«الحكم بما أنزل الله» الدائرة الآن تحت قبة البرلمان.
لكن قدر الله وما شاء فعل، وخرج النائب السلفى من البرلمان بفضيحة مدوية، دون أن يكون بوسع أحد أن يعرف كم «بلكيمى» مازال هناك تحت القبة، مستترا بلحية، صارخا فى وجوهنا «الحكم بما أنزل الله».
وعندما تبدأ وقائع «معركة» تطبيق الشريعة، فالسؤال الأول الذى يتعين على النواب الإسلاميين مواجهته (ومعهم أحزابهم وجماعاتهم الخارجة على القانون) هو هل يجوز إخضاع «شريعة الله» لإرادة الناس؟ قانون الحرابة، باكورة قوانين الشريعة، معروض الآن للمناقشة فى البرلمان، الذى من حقه أن يوافق عليه أو يرفضه، فهل هذا يليق باسم الله وشريعته؟ هل يليق أن نجعل ما ندعى أنه «حكم الله» رهنا بإرادة الناس؟
هنا على وجه الدقة يتجلى مأزق المتأسلمين، الذين يصرون على الهبوط بالمقدس الثابت إلى مستوى النسبى المتغير، فيجعلون من كلمة الله موضوعا للمناقشة، ومحلا للقبول أو الرفض، بصرف النظر عما إذا كان بمقدور أغلبيتهم البرلمانية، بمن فيها من «بلاكمة» مستترين، أن تحسم المناقشات فى اتجاه معين.
السؤال ذاته، هل يليق أن نجعل ما يدعى هؤلاء أنه «حكم الله» رهنا بحكم الناس، يكشف –أيضا- بعض معالم انتهازية هؤلاء، حيث اعتمدوا مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، فأخذوا من «الديمقراطية والانتخابات» وسيلة للوصول إلى السلطة، وعدما تستقر الأمور لهم، لن يعود هناك مكان لا للديمقراطية ولا للانتخابات، فشرع الله (كما يراه أخوة وزملاء البلكيمى) لا يحتمل ولا يقبل أن يكون رهنا لإرادة الناس، بل يجب تطبيقه بالقوة والفرض، عندها لن يكون هناك مكان لديمقراطية ولا انتخابات، فالحاكم (الذى جاء بالانتخاب) سوف يصبح ظل الله على الأرض، والخروج عليه محض فتنة، وطاعة الحاكم من طاعة الهي، حتى لو كان أشد استبدادا وأكثر فسادا من الرئيس المخلوع.
لكن طالما أخذنا المتأسلمون إلى هذه النقطة، فلا مفر من مواجهتها، والتعامل معها.
كل الأديان، التى عرفها البشر، والقيم والمبادئ الإنسانية، وحقوق الإنسان، التى كرستها الأديان وأضفت عليها درجة ما من القداسة، تحرم تماما التمثيل بالموتى، وتصل إلى حد تجريم هذا الفعل الشائن باعتباره جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، فإذ بالمتأسلمين فى مطلع الألفية الثالثة، يقدمون لنا تشريعا يقنن التمثيل بالأحياء!! بحجة تغليظ العقوبة، رغم أن تشويه البشر والتمثيل بهم، ليس تغليظا للعقوبة بل تنكيل بالناس.
ولئن امتد الخط على استقامته، فربما يفاجئنا المتأسلمون بقانون إعادة الرق، ليس فقط لأن النصوص واضحة وقاطعة فيما يتعلق بالجوارى «ما ملكت إيمانكم»، لكن أيضا لأن الله منح الإنسان حق الاختيار فى التكفير عن أثم ما ارتكبه، ومن بين تلك الخيارات «إعتاق (كذا) رقبة»، وعندها سوف تظهر لنا فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان تتحدث عن «الرق الشرعى» و«الرق غير الشرعى».
كنت أفكر فى مناشدة السادة أعضاء «برلمان ما بعد الثورة» لتشريع قوانين تحرم الاتجار فى التعليم والصحة، فلا يجوز لكل من «معه قرشين» أن يستثمر أمواله فى بيع العلم، ولا يحق لكل من استيقظ ذات صباح ليجد لديه ثروة، يعلم الله وحده من أين جاءت له وكيف حصل عليها، أن يبحث عن المجال الأكثر ربحا، وما إذا كان الأجدى له أن يفتح محلا فى وكالة البلح، أم أن يبنى مستشفى استثماريا بخدمة فندقية «خمس نجوم»، لكن برلمان «البلاكمة» يعيدنا إلى الوراء قرونا وقرون، لتصبح الأولوية هى الحيلولة دون تحويل مصر إلى مجزر كل مهماته تقطيع الأيدى والأرجل وصلب البشر، والتصدى للاتجار فى البشر بالمعنى المباشر والصادم للكلمة.
يعرف فقهاء الدين (الذين تخرجوا فى كليات دينية علمية، وليس هؤلاء الذين تخرجوا من بلاد الجاز) أن تفسير النص يرتبط حتما بالسياق التاريخى وأسباب التنزيل والظروف التاريخية، وأن هناك أحكاما نزلت لأهل شبه الجزيرة العربية وحدهم، مثل تحريم وأد البنات، الذى لم يكن معروفا إلا بين بعض قبائل شبه الجزيرة، بينما كانت هناك ملكات نساء يحكمن بلدان الجوار (ملكة سبأ فى اليمن، وملكات يحكمن فى مصر)، كما يعرف الجميع أن الدين حمَّال أوجه (حسب على بن أبى طالب)، وهو يسر لا عسر (حسب نصوص دينية كثيرة)، لكن لا أحد يعرف لماذا ينحى المتأسلمون المصريون منحى التشدد، فلا يأخذون من الدين إلا الصلب وقطع الأيدى والأرجل؟ (الأدهى أنهم يتهمون الآخرين بالإساءة للإسلام!!!)، إلا إذا كان ذلك سبيلهم للهروب من مواجهة المشاكل والأزمات الحقيقية التى تعانى منها مصر.
الحكم بما «أنزل الله» هو الحكم بالعدل والمساواة، فالله ينصر الدولة العادلة حتى ولو كانت كافرة، ولا يقبل بالدولة الظالمة حتى ولو وكانت مسلمة (تشرع من القوانين ما يؤدى إلى التمثيل بالأحياء، وتترك «رجال الأعمال» ينهبون ملايين الدولارات من التجارة فى العلم والصحة، ويرفع نواب الشعب الآذان فى قاعة البرلمان)، وشرع الله حيثما كانت مصلحة الناس، وليس العكس.
أما فقهاء العصر الوهابى العائدون إلينا بدولارات النفط وثقافة الصحراء، فلا يستطيع أيا منهم أن يدلنا على نموذج واحد من بين بلدان «الحكم بما أنزل الله» قضت على الجريمة بقطع الأيدى والأرجل، وجلد المرأة التى ترتدى البنطلون وتحريم قيادة السيارات على النساء، فكل تلك النماذج مازالت تعانى من انتشار الجريمة، ومازالت غارقة فى التخلف.
«بلاكمة» هذا الزمان يهربون من مواجهة أزمات ومشاكل الوطن الحقيقية بالبحث عن «تشديد العقوبات»، ولا تشديد إلا التمثيل بالبشر الأحياء، وتقنين «جرائم ضد الإنسانية»، وإلا فليقل لنا أى منهم، ماذا سيفعل «قانون الحرابة» مع واقع التعليم المتردى، وكيف سيواجه مشكلة «الدروس الخصوصية»؟ وما هى العلاقة بين «قانون الحرابة» وانهيار الخدمات الصحية، وهل يمكن أن يضمن علاجا أدميا لملايين المرضى، على الأقل وحتى يكف «فرسان العصر» عن الذهاب إلى أوربا وأمريكا لتلقى العلاج هناك؟؟. وأين يقع الآلاف من أطفال الشوارع المشردين فى القانون المذكور؟ ثم ليقل لنا «بلاكمة» هذا الزمان ما هى «القوانين الشرعية» الكفيلة بإصلاح أوضاع البحث العلمى، حتى نكف عن استيراد كل احتياجاتنا، من الإبرة حتى الصاروخ، بما فى ذلك السجادة التى يصلون عليها، من «فسطاط الكفر»؟
ويا أيها «البلاكمة»، كفوا عن هذا العبث، فليس ثمة متسع للهروب من مواجهة المشاكل والأزمات الحقيقية، وتذكروا أن الهث لا ينصر الدولة الظالمة، حتى لو رفع نوابها الآذان فى قاعة البرلمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا