الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة تعيد إنتاج الحلم في تجارب صلاح القصب المسرحية

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2012 / 3 / 16
الادب والفن


يختلف المخرج (صلاح القصب) عن غيره من المخرجين في تصوره للعرض المسرحي، ذلك انه يرتكز على رؤية تعتمد الحلم مضموناً لها، وهو يبتعد عن مصادر العرض التقليدية ويرفض اللجوء إلى التراث واستنباط الأفكار منه فضلاً عن رفضه للغة المحلية التي لا تحيله إلى روح الصورة التي يسعى لاكتسابها من مصادر أخرى مثل (الشعر، واللوحة التشكيلية ، وغيرها ) والتي تدخل ضمن تصوراته الإخراجية ،ويؤكد على "أن المفردة في سياقها اللغوي تقابلها صورة افهامية واحدة تتجاوز المعنى الأساسي، معللاً ذلك بالمعنى السياقي، أن حذفه للمفردة اللغوية أو الجملة سيكون حتماً لصالح الصورة وتكويناتها" .
من هذا المنطلق يؤسس (القصب) معادلاً جمالياً في عروضه المسرحية مفضلاً اللغة البصرية على اللغة المنطوقة في النصوص المسرحية.
أن مسرح الصورة الذي تبناه (القصب) يتقاطع مع مفاهيم العرض التقليدية ويرفض أن يكون الحوار النصي المنطلق الوحيد لفهم العرض وإيصال المعنى إلى المتلقي لذلك فإنه يلجأ إلى طرح بدائل عن كلمات المؤلف بوساطة عدد من اللغات التي تحيل المتلقي إلى اكتشاف معانٍ عدة للنص، ذلك انه "يقوم بإرسال مجموعة كبيرة من الإشارات، والعلاقات والدلالات إلى المتلقي عبر سياق وشفرة، تولد في ذهنه مجموعة محاولات، مستبعداً أي عنصر من عناصر البناء المنطقية التي تستخدم عادة في العرض المسرحي التقليدي، كما انه يلغي بقدر المستطاع أي شكل من أشكال الحوار، ويستعيض عنه بلغة الحركة، والتكوين، والإيماءة" وهو بذلك يكون على تواصل مع اشتغالات (أرتو) في مسرح القسوة الذي يرفض اللغة ويدعو إلى إيجاد نوع جديد من "المسرح الذي لا يوجد في شيء، بل يستخدم كل اللغات: الحركة، الصوت، الكلمة، النار، الصرخة، يجد نفسه مرة أخرى عند النقطة التي يحتاج فيها الفكر إلى لغة ما للتعبير عن ظواهره" .
ويعد النص المسرحي في مسرح (القصب) حجر الأساس في صناعة المرتكز التخيلي ، ذلك أنه سرعان ما يغادر تلك الفرضيات التي يطرحها النص مستنبطاً من روحها فرضيات بصرية لم يطرقها غيره، كما هو الحال مع (أرتو) الذي يرفض التعبير المكرر في مسرحه، " فاللغة ميتة والكلمة ميتة لا تؤثر إلا في اللحظة التي يتم النطق بها، وبأن الشكل المستخدم لا يستخدم، ولا يدعونا إلا إلى البحث عن شكل آخر، وبأن المسرح هو المكان الوحيد في العالم الذي لا تتكرر فيه الحركة مرتين" .
أن أسلوب العمل على النص المسرحي والإفادة من أفكاره وتطويرها داخل منظومة العرض البصري من اجل أن تنقل المتلقي إلى عوالم الحلم الخيالية؛ والتي تعد خارجة عن بنية النص التي يدعو إليها المؤلف تجعل من (القصب) مؤلفاً جديداً للعرض ذلك أن التراكيب البصرية التي يؤسسها في عروضه المسرحية لا تتماثل مع الأفكار الواردة في النص، على الرغم من انه يلجأ إلى اللغة الموجودة في النص ذاته، إلا أنه يعمل على تقطيعها وبعثرتها ووضعها في سياق مغاير لسياقها التقليدي أو البنائي، كما هو الحال مع مسرحية (مكبث) التي كان اشتغاله عليها يستند على "حالة من البناء والهدم والبحث والاستنطاق داخل سطور النص المنتقاة وداخل بنية النص الأصلي لشكسبير لتحويل اللغة المنطوقة إلى لغة بصرية تحمل أسرار النص وتفكك شفراته" .
إن اشتغال (القصب) على فلسفة التحويل من بنية النص الشعري (الشكسبيري) إلى بنية صورية متداخلة في منظومة العرض لكي تتحول إلى رسومات بصرية، ترتبط بتفسيرات (فرويد) للحلم وتوظيف اللاوعي وصولاً إلى خلق تواصل جمالي مع متلقي من نوع مغاير لذلك الآخر القادم من العصور الجليدية، ذلك أن مغايرة (القصب) للزمان والمكان داخل بنية النص وتهشيمها من اجل أن "يستحدث في عروضه لغة مكانية ذات دلالات منفصلة عن الدلالات اللصيقة والمباشرة بالمكان النصي المقترح" كما جاء في البنية النصية للمكان في مسرحية (ماكبث) ،تلك القلعة التي تحولت إلى فضاء مفتوح وعلى وفق فرضيات العصر التي يتحول فيها النص (الشكسبيري) إلى فضاءات مغايرة لتلك المفترضة ، التي لا يتقاطع (القصب) فيها مع النص مؤكدا أنه "لا يتجاوز على النص بقدر ما يمنحه روح العصر، ويسحب شكسبير من عصره إلى القرن العشرين، عندما يفكك النص، فهذا يعني إنه قد منحه جواز دخول إلى عصور آتية" بمعنى أن عملية تحويل النص هي عملية بحث تتطابق فيها رؤى (القصب) واهتمامه باللاوعي، والأحلام مع صرخات (أرتو) بإيجاد مسرح لا يعتمد الكلمات بقدر ما يتمسك بالحلم .
أن تحول النص المسرحي إلى سيناريو صوري يعد واحداً من اشتغالات (القصب) ذلك أن بنية النص التقليدي تنتمي إلى عصر آخر، لذلك فانه يسعى إلى هدم هذه البنية وإعادة تركيبها مستفيداً من اللغة البصرية " التي تعمل لغة اشتغالها على مرتكز فكري منتقى من مرتكزات النص المتعددة، وهذا يتطلب معالجات إخراجية تتم فيها إزاحة المقولات النصية وإجراء تعديلات وإضافات على النص، بمعنى إعادة إنتاج بنية نصية تشتغل محاورها في البث بما يتلاءم ورؤية المخرج الصورية" وهو بذلك لا يلغي النص الأصلي بل يستنطق واحدة من فرضياته أو بمعنى آخر يجعل من الأفكار الهامشية مصدراً لرؤيته الحلمية، التي غالباً ما ينطلق فيها من نهاية كلمات النص الأخيرة، باحثاً عن أحلام الشخصيات السرية، وهو بذلك يستفيد من أفكار المؤلف الميتة داخل النص من اجل إحياء روحها داخل فضاء بصري ومع شخصيات تبحث عن روح جديدة في العرض، ومن هذا المنطلق يعد (القصب) مؤلفاً بصرياً لجميع عروضه المسرحية التي يشكل فيها "حركة الفضاء في العرض المسرحي وهو تأليف لروح الأفكار، وهو تكوين بصري لتلك الأدبيات واللغة التي يبثها النص، فالرؤية البصرية للمتلقي هي تأليف، لأنها تمتلك لغة، فعندما يمتلك العرض لغة بصرية فهذا يعني أننا قد أسسنا كتابة حية للنص" فالصورة في مسرح (القصب) بديل فكري وجمالي للغة المكتوبة ومنها يغادر النص الأصلي إلى نصوص صورية حية خارجة من روح ماتت في عصر تدوينها.

المصادر :
1- انتونان أرتو: المسرح وقرينه، ترجمة :سامية أسعد، القاهرة: (دار النهضة العربية)، 1973 .
2-صلاح القصب: مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق ، ط1 ، قطر: (المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث)،2003
3- كريم رشيد: جماليات المكان في العرض المسرحي العراقي المعاصر ، بغداد: (جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة)1989 .
4-عواطف نعيم : تعددية الرؤية الإخراجية للتراث الدرامي في العرض المسرحي العراقي ، بغداد :(وزارة التعليم العالي والبحث العلمي - جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة )،2003.
5-سلام مهدي الاعرجي: الموروث الدرامي التقليدي والرؤية الإخراجية المعاصرة في المسرح العراقي، بغداد :(جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة)2001.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟