الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الإيمو والحرية وكراهية الحياة

شاكر الناصري

2012 / 3 / 16
حقوق الانسان


الأخبار والصور المنقولة من العراق والتي تنقل ما تيسر من تفاصيل المجزرة التي يتعرض لنا مجموعة من الشباب والشابات في العراق بذريعة تقليد ظاهرة الإيمو ،تكشف لنا عن مقدار الكم الهائل من الكراهية للحياة وللحريات والرغبات الشخصية الذي يعتمل وبقوة في أوساط واسعة من القوى والتيارات السياسية المهيمنة على الدولة والمجتمع في العراق . المجتمع الذي يعجز عن إيجاد أسس للتعايش والحياة المشتركة بين مواطنيه . أسس تعطي لقضايا الحقوق والحريات مكانة لايجوز التجاوز عليها أو أنتهاكها .

نحن هنا أزاء مجتمع محكوم بالدين وبالتفسيرات المتعددة والمتضاربة للنصوص الدينية وأحكام فقهاء الطائفة وتفسيرات مليشيات الطوائف. المليشيات المسلحة التي تريد فرض هيمنتها على المجتمع والدولة وتحويلهما بالتالي الى ساحة لتنفيذ برامجها السوداء أو المجتمع الذي تحتل فيه العشيرة وقيم العشائرية مساحة واسعة وتتحول الى سلطة موازية لسلطة الدولة وتتمكن فيه مناسبات وأحداث كثيرة من أزاحة تلك السلطة وتهميش قوانينها وأعتبار العرف والتقاليد العشاسرية قوانين نافذة . مجتمع غير قادرعلى التطلع لما سيكون عليه المستقبل أو المشاركة في صنعه وتحديد ملامحه وسط كل ما يشهده العالم من تقدم تكنلوجي وعلمي وثقافي والسعي المتواصل للارتقاء بحقوق الأنسان وحرياته ووضع معايير صارمة تحد من أمكانية التجاوز عليها أو أنتهاكها . المجتمع الذي ينتظر ما يقوله الفقيه ورجل الدين أو مفسر المليشيا الطائفية لن يكون له دور هام ومصيري في هذا العالم وعليه ان لايستغرب حين يتحول الى نموذج للأمتهان والأذلال والأنتهاك المتواصل لكرامة الأنسان .

في مجتمع كهذا فإن الحديث عن الحريات الفردية والمدنية والحقوق الأصيلة للأنسان سيكون حديثا مفزعا ويتصادم وبقوة مع العرف السائد في المجتمع ونظرته الى ما يحدث أو الى الظواهر الأجتماعية والثقافية فيه ، الظواهر التي يتم أعتبارها أنتهاكا للقيم والأعراف السائدة وتجاوزا للأطر الدينية وخروجا على المألوف . حديث كهذا ،عادة ما ينتهي بتصفيات جسدية أو تشويه وتسقيط سياسي وثقافي وأخلاقي بشع جدا .

ربما هي لست المرة الأولى التي يتم فيها تصفية مجموعة من الناس بهذه الطريقة الوحشية ،القتل بالبلوك او بالرصاص ، فتاريخ المجتمع العراقي شهد سلسلة مروعة من عمليات السحل بالحبال والتصفيات الجسدية ضد المخالف أو المعارض أو الخصم ، هذا اذا أعتبر البعض ان شباب الإيمو خصوما لجهة ما أو دين أو طائفة .

ان السؤال الذي يجب أن يبرز الى الواجهة وسط هذه الأحداث ووسط هذا الجو الخانق من الذعر والخوف : اية قيمة يمتلكها الأنسان في العراق ؟ أي قيمة تمتلكها الحقوق والحريات الشخصية وأية مكانة تحتل في سلم أولويات الدولة ؟ الى اين يسير هذا المجتمع وهو غير قادر على أنتاج قيم أجتماعية وثقافية معاصرة يمكنها أن تلبي حاجة سكانه ورغباتهم المقموعة للعيش بحرية وكرامة ؟ كيف يمكننا مواجهة هذا الكم الهائل من الكراهية للحياة والأنسان ورغباته ؟

حين أسقط نظام البعث الفاشي في التاسع من نيسان من عام 2003 أعتبرت الكثير من قوى الأسلام السياسي الشيعي ،ان الظلم الذي مارسه صدام حسين وحزبه ونظامه الأجرامي ضد الشيعة وحرمانهم من حرية ممارسة شعائرهم وتحوله الى نظام دكتاتوري قامع للحريات والديمقراطية ، كان أحد الاسباب الرئيسية التي دفعت الى أسقاط هذا النظام . ولذلك فمن حقنا أن نتسائل هنا ، عن مدى أتعاض هذه الأحزاب من المصير الذي لاقاه صدام حسين ونظامه وهل أن ممارسة القتل والأنتهاكات المتواصلة والتصفيات الجسدية البشعة التي تنتشر في مدن العراق المختلفة الان ضد مجاميع من الشباب العراقيين لأنهم يرتدون ملابس معينة أو يستخدمون أكسسوارات غريبة أو يستمعون لموسيقى معينة أو لرغبتهم في ممارسة حياتهم بالشكل والطريقة التي يريدون ، هي دليل على أتعاض هذه الأحزاب وتعلمها لدرس ممارسة السلطة في مجتمع فيه الكثير من الظواهر الثقافية والأجتماعية والدينية وفيه أعداد هائلة من الشباب والنساء والأشخاص الذين يطمحون للعيش أسوة بأقرانهم في دول العالم المتحضر المحيط بنا وكذلك على أدعاءاتها المتواصلة حول الحقوق والحريات وترسيخ قيم الديمقراطية ؟؟

ان ما تحقق حتى الان أننا أزاء سلطة وأحزاب وقوى عشائرية وطائفية كارهة للحياة وكارهة للحقوق والحريات وكارهة حتى للالوان والرغبات الشخصية . أي أننا ازاء قوى تقف بالضد تماما من الحقوق الأصيلة للأنسان وتسعى لفرض وصايتها عليه وتحديد نمط حياته وكيف يعيش وأي تسريحة شعر يختار و اي نوع من الملابس يجب أن يرتدي . ان هذه القوى وعبر تصفيتها البعشة والأجرامية لظاهرة الإيمو فإنها توجه رسالة شديدة الوضوح لكل القوى المدنية والتحررية في المجتمع العراقي . لكل شاب وأمراة ، لكل شخص يجد أن الأنسان وحريته قيمة عليا ومقدسة . رسالة مفادها أن القادم أخطر وأن دولة الغد العراقي ستكون حافلة بالمزيد من القمع والتخويف والتصفيات . الدولة التي تريدها هذه القوى هي دولة القسر والظلام والتحميق الديني ومصادرة الحريات .

عمليات القتل الوحشي التي تمارس وسط صمت حكومي يجعل من الحكومة شريكة في كل الجرائم التي حدثت و ان جهات ومليشيات مسلحة وطائفية متطرفة مدعومة من الحكومة هي التي تقوم بكل تلك الجرائم . معالجات الحكومة لهذه القضية أتسمت بالأضطراب والأرتباك ففي الوقت الذي أكدت فيه وزارة الداخلية العراقية وعبر موقعها الرسمي أنها تمتلك الموافقات الرسمية للقضاء على ظاهرة الأيمو(بيان وزارة الداخلية ...الداخلية تشن حملة للقضاء على الإيمو في 13 شباط الماضي ، تم رفعه من موقع الوزارة بعد تصاعد حدة الأتهامات لها ) فأنها عادت وأنكرت أي دور لها والقت باللوم على عصابات القاعدة الأرهابية وعلى (حارث الضاري ) بهدف أفشال مساعي عقد القمة العربية في بغداد !!! .

ان الارهاب والتصفيات التي تمارس ضد مجاميع من الشباب العراقي بذريعة الإيمو فرض جوا من الذعر والخوف على مناطق ومدن كثيرة من العراق . الذعر والخوف من أن تتخذ ظاهرة الإيمو ذريعة لممارسة المزيد من التصفيات والقتل والأعتقالات ضد أشخاص لاعلاقة لهم بتسريحات الشعر أو الملابس والأكسسوارات ولا علاقة لهم بالموسيقى أو النرجسية الشخصية . أشخاص قد يتم أعتقالهم أو تصفيتهم نتيجة مواقف معينة مخالفة أو متصادمة مع أحزاب الاسلام السياسي وحكومتها في العراق .

من مهام الحكومات الهشة ومؤسساتها وأجهزتها إنها تبدع في أبتكار وصنع الحدث الشاغل ،شاغل الناس البسطاء عن ما يحيط بحياتهم من جحيم وفقر وظلام وأرهاب وتجعلهم يفتشون عن الحدث الجديد الذي يشغلهم عن الفساد والسرقات المليارية والبطالة والأستئثار بالسلطة والمحاصصة والصراعات السياسية البشعة التي تلقي بضلالها على حياة وأمن وأستقرار المواطن البسيط . كل يوم يصنعون الحدث الذي يتصدر الواجهة . هكذا تحولت ظاهرة الإيمو الى شر مستطير يهدد الدولة والمجتمع وقيمه وأخلاقه ويدنس المدن المقدسة يجب التصدي له رجما بالبلوك وأقامة الحدود الشرعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ارهاب وافعال لادستورية
طلال الربيعي ( 2012 / 3 / 16 - 23:26 )
شكرا عزيزي شاكر الناصري على هذا المقال الذي يكشف تفاقم ألأزمة ألأخلاقية والقيمية والحضارية لمجتمعنا, والتي تفاقمها سياسات السطة, ممثلة في وزارة الداخلية, بسبب انكارها لوقوع العنف والقتل بحق شباب ألأيمو او حتى بتشجيعها الصريح على ارتكاب هذه الجرائم. ان ببانات وسياسة وزارة الداخلىة التي يقودها وكالة رئيس الوزراء المالكي نفسه تجعله شريكا في جرائم ألأرهاب بحق هؤلاء الشباب الذين يمارس العنف معهم بسبب طراز حياتهم او اسلوب معيشتهم المكفول لهم دستوريا, او بسبب ميولهم و هوياتهم الجنسية وهي امور اثبت العلم ان الشخص يولد بها وغير قابلة للأكتساب وان الشخص غير قادر على التحكم بها ابدا. ان هذه امور مفروغ منها في علوم الطب ولكن الجهل والرغبات المرضية في تهميش أو الغاء ألأخر من اجل تعزيز السلطات العشائرية والدينية الفجة هو ما يدفع الى ارتكاب هذه الجرائم البشعة.
يتبع


2 - ارهاب وافعال لادستورية
طلال الربيعي ( 2012 / 3 / 16 - 23:28 )
ان قتل شباب الأيمو جريمة يجب التحقيق فيها دوليا واشراك المنظمات الدولية في التحقيق من اجل تحديد المجرمين ومعاقبتهم, وفي حالة عدم موافقة الحكومة على أجراء مثل هذه التحقيقات فان ذلك سوف يعني اعترافا ضمنيا من قبلها باسناد او ارتكاب الجرائم بنفسها.
كما انم من المحير ان الشخص الوحيد في الدولة الذي اوكلت له مهمة حماية الدستور, رئيس الدولة الطالباني, يصمت صمت القبور وكأن قتل ابناء شعبه بهذا الشكل المأساوي واللادستوري لا يعنيه قيد شعرة. ان المافيات, المالية او السياسية او خلافها, لا تأبه بالمرة باية اعراف خلقية او قانونية. اذن فما فرق بين السلطة في العراق واية مافيا اخرى؟


3 - لا فرق تماما
شاكر الناصري ( 2012 / 3 / 17 - 00:19 )
الفاضل طلال الربيعي ..امتناني العميق لرايك الكريم . في العراق ثمة حكاية كبيرة ومن يصدق فيها فهو واهم كبير . هي حكاية الدستور والسلطات والمهام الدستورية . فما يوجد في العراق هو دستور يحق للقوى التي ساهمت في كتابته واقرارة وتشريعه ان تفسره كيفما تشاء . ان وجد ت ان هذا الدستور يضمن حقوقها القومية والطائفية فانها تدافع عنه وان جد جديد واكتشفت انها لاتجد الدليل للدفاع فانها تتجاهله تماما وتلعب لعبة التوافق والمحاصصة . شيء رائع وكبير ان يكون لنا رئيس بلا صلاحيات اي رئيس شرفي ،علامة فارقة ومميزة وتبشر بالكثير ولكن لدينا رئيس بلا صلاحيات ولكنه لا يتوقف عن الدفاع عن مصالح قومية معينة ضد اخرى ويمارس ادوارا شنيعة في التلاعب بمواقف القوى السياسية .

اخر الافلام

.. ناجون من الهولوكوست يتظاهرون في بريطانيا رفضا للعدوان الإسرا


.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى




.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي


.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري




.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين