الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداية سنة ثانية ثورة

نادية حسن عبدالله

2012 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تطوي الثورة السورية عامها الأول بينما يستمر الثوار بنضالهم من اجل إسقاط النظام الديكتاتوري. لقد اثبت شعبنا شجاعة فائقة في التعامل مع الثورة، في كل ثورات العالم لم تسجل بطولات شعبية، وقدرة على النضال - وصبر على الانتهاكات الجسمية في حقوق الإنسان، وتحمل لا يوصف أمام المجازر والعنف والقتل، والاعتقال والتعذيب والاغتصاب، والتهجير القسري، وحرق البيوت وهدمها، وسياسات الإفقار والحرمان، وتدمير للقرى والمدن والأراضي الزراعية والحيوانات والمزارع وكافة أنواع كسب الرزق- كما سجل هذا الشعب الأبي بناضله الرائع من أجل تحقيق الحرية والكرامة.

الثمن الذي دفعه الشعب السوري كبيرا، أكثر من احدى عشر آلف شهيد، وعشرات ألوف المشردين والنازحين، داخل وطنهم وفي المنافي القريبة والبعيدة، قوافل من الجرحى والمصابين، عائلات أبيدت عن بكرة أبيها، أطفال تيتموا في أعمار الزهور، ثكالى وأرامل بالآلاف، وضائقة إنسانية عانى منها عدد كبير من المواطنين سببت لهم جوعاً وفقراً وبؤساً.

عاقب هذا النظام شعبه بكل الطرق والأساليب، حرمهم من الأمور الأساسية للحياة الكريمة، حرمهم من الغذاء، حرمهم من التعليم، حرمهم من العلاج، أغلق المستشفيات وحولها إلى أماكن للاعتقال والتعذيب، وترك المرضى والجرحى يموتون بدون توفير ابسط أنواع الرعاية الصحية، وحتى عندما قام الثوار بتوفير ابسط وسائل العلاج في مستشفيات ميدانية حاصرها وقصفها ودمرها وحرقها.

بداية سنة ثانية ثورة، وما يزال النظام القمعي المستبد يعتمد الحلّ الأمني العنفي المباشر لقمع الثورة، وما يزال يعمل من خلال مخططات خبيثة لتفريق الصفّ الوطني، والترهيب من الحرب الأهلية والطائفية، وتهويل احتمالات عسكرة الثورة، وما يزال يعمل على تدبير أعمال إرهابية، وإثارة هواجس الأقليات.

بداية سنة ثانية ثورة، وما زالت قوات الأمن والجيش تهاجم المدن والقرى بالمدفعية المضادة للطائرات، وسط حملة مداهمات واعتقالات عشوائية واسعة في كل أنحاء البلاد. ما يفعله هذا النظام، ليس له مثيل في تاريخ الاستبداد بين الأمم !! ما يحصل يفوق كل أساطير الهمجية والجرائم البشرية بحق الإنسان والبشرية !! لقد تجاوز هذا النظام القمعي كل الحدود في القدرة على ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية.

رغم كل شيئ أثبت هذا الشعب البطل بأنه لن يتوقف عن ثورته ونضاله حتى يحصل على حريته وكرامتة. إنها ثورة ضد الظلم والاستبداد والعبودية، ولن يقبل الشعب السوري الديكتاتورية مهما حصل، فقد كسر خلال عامه الأول، حاجز الخوف والإرهاب والظلم، وخرج يطالب بحقوقة المشروعة في الحرية والعدل والمساواة والكرامة.

بداية سنة ثانية للثورة، ولم يغب ليوم واحد اسم التنسيقيات المحلية عن المشهد، هذه التكوينات القيادية الميدانية التي أفرزها الحراك الشعبي وانتشرت في كل موقع ومكان، وبدت كشكل تنظيمي مرن نجح نسبياً في تنظيم التظاهرات وتحويلها إلى ما يشبه الفعل اليومي، وفي تسخير الهواتف النقالة ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت لخلق لغة مشتركة للتفاعل وتوحيد إيقاع النشاطات. تمكنت هذه التنسيقيات من تجديد نفسها باستمرار، واغتنت مع الوقت واكتسبت خبرة في التعامل مع الحدث وقدرة لافتة على التنظيم وحمل مسؤوليات متعددة كالرصد والإعلام والتوثيق، ما أهلها لتشكيل ما سمي الإعلام البديل، في مواجهة إعلام رسمي دأب على توظيف الأكاذيب للطعن بمشروعية الثورة وبوطنيتها وسلميتها. انه أهم إنجاز حققته الثورة السورية هذا الانتصار في الحرب الإعلامية التي قادته التنسيقيات المحلية، حيث ملأت المعارضة الفضاء الالكتروني بالأفلام البشعة عن المذابح والجرائم ضد الإنسانية، وفضحت كذب وألاعيب النظام القمعي، وتمكنت من توثيق كافة هذه الجرائم .

بداية سنة ثانية ثورة، وما تزال المعارضة السياسية منقسمة على ذاتها. ما زالت الانقسامات في المجلس الوطني السوري، تمنع الحكومات الغربية والعربية من الاعتراف بها كممثل للشعب السوري. ولا يزال وضع المجلس الوطني السوري كممثل عن الثورة السورية، يشوبه الكثير من الضعف والفوضى في العمل والافتقار إلى التنظيم المؤسساتي وغياب كامل لآليات الاتصال والتواصل بين هيئاته المكوِّنة الثلاث-الهيئة العامة والأمانة العامة والمكتب التنفيذي- وآلية واضحة ومعلومة لصناعة قرار جماعي ووحدة ووضوح الرؤية. ولا تزال الخلافات الشخصية بين المعارضين هي الطابع الأبرز للمجلس الذي عجز حتى اللحظة عن الظهور بمظهر الجسم الواحد القوي الذي يخاطب المجتمع الدولي بخطاب واضح ومطالب محددة، ويقود الشارع سياسيا.

بداية سنة ثانية ثورة، وما زال المجتمع الدولي على انقسامه وتردده...روسيا والصين، وإن اختلفت “نبرة” مواقفهما، ما زالتا تدعمان نظام الأسد...أما الغرب بزعامة الولايات المتحدة، فما زال حائراً بين التدخل وعدم التدخل، دعم عسكرة الثورة أم الحفاظ على سلميتها...

بداية سنة ثانية ثورة، وفشلت الأمم المتحدة بإقناع النظام بإيقاف العنف الزائد، وفشل كوفي عنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية في مهمته مثلما فشلت ليدي آموس، مفوضة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بإقناع السلطات السورية السماح لدخول فرق المساعدات الإنسانية، ولم يكن ملف الجامعة العربية بأحسن من الأمم المتحدة فقد اتسم تعاملها مع سورية بالفوضى، فشلت لجنة المراقبة العربية وفشل الحل العربي الذي تميز بعدم الواقعية.

بداية سنة ثانية ثورة، وما تزال هناك أخطار كثيرة تتعرض لها ثورتنا ويجب ان نكون على وعي كامل من كل الخطط التي تهددها، لنعرف كيف نتعامل معها: هناك خطر التقسيم، فإذا تبين للنظام انه ليس في امكانه إبقاء سيطرته على كل البلاد، قد يكتفي بمنطقة خاصة به، وقد يلجأ إلى تقسيم البلاد. كما ان هذا النظام المستبد لن يتردد في إشعال المنطقة عبر افتعال انقلاب في لبنان أو العراق، أو حرب إقليمية مع إسرائيل. فهو يريد البقاء حتى لو حول سوريا إلى صومال أو بوسنة ثانية.

بداية سنة ثانية ثورة، كشفت فيها الثورة السورية فرادتها وخصوصيتها، بأنها ليست ثورة ساحة واحدة كبقية الدول، إنما هي ثورة شعبية تمتد جغرافيا لتضم كل أنحاء سورية تقريبا، وليس من قلق بأن تجهض أو تكسر شوكتها، فالاحتجاجات الشعبية التي تمتد على مساحة الوطن وتنهض كالعنقاء بعد كل جولة قمع وتنكيل، قد تجاوزت مرحلة الانتكاس ووصلت نقطة لا عودة منها.

بداية سنة ثانية ثورة، أثبتت فيها الثورة السورية انها كانت صعبة ومعقّدة جداً، انطلقت من نقطة الصفر، إذ كان الشعب محروماً من السياسة، بالنظر لارتفاع كلفتها عند المعارضة وخواء مضامينها عند الموالاة، ما يفسّر انطلاقها من البيئات الشعبية، ومن خارج النخب السياسية والثقافية، وإنها اندلعت نتيجة تراكم الظلم والإحباط واليأس وانعدام اليقين والغضب، وليس نتيجة مطالبات سياسية أو اقتصادية أو قانونية محددة.

بداية سنة ثانية للثورة، وما تزال هناك صعوبات تنظيمية حيث جاءت الثورة عفوية، أي من دون ممهّدات سابقة، أو هياكل تنظيمية محدّدة، أو هيئات قيادية ظاهرة، وافتقدت إلى برامج سياسية واضحة، لكأنّها جاءت مجرّد تلبية لحاجة وجودية، بدليل تركيزها على أوليات الحرية والكرامة والمساواة والمشاركة السياسية، وكأن هدفها تأسيسياً بحتاً، يتوخّى التأسيس لقيامة المواطن والشعب والدولة.

بداية سنة ثانية ثورة، وبعد كل ما جرى، بات يتطلّب منا العمل على إحداث نقلة نوعية في تنظيم الثورة وإدارتها وقيادتها، إذ لم يعد كافياً الحديث عن مجرّد إسقاط النظام، لقد آن الأوان لاعتماد برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي، ورؤية جديدة لسورية المقبلة، سورية الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، سورية دولة الحق والقانون والمؤسسات.

بداية سنة ثانية ثورة، ويتساءل الشعب السوري، أين دور العالم الحر؟ وأين القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان؟ وأين الحماية الكاملة والرعاية الشاملة التي نصت عليها المواثيق والأعراف الدولية الخاصة بحقوق الأنسان، وأين كل هؤلاء من المجازر ضد الإنسانية التي ارتكبت بحق شعبنا؟

بداية سنة ثانية ثورة، تتعاظم فيها التظاهرات يوماً بعد يوم، في خطّ متصاعد من حيث العدد والتنوّع والنطاق الجغرافي، رغم ازدياد طرائق النظام الوحشية، والهمجية الصرفة، تؤكد استمرارها حتى يسقط النظام وحتى يحصل الشعب على حريته وكرامته.

بداية سنة ثانية ثورة، تقف شعوب العالم فيها وليس قادته، لتقدم تحية إكبار وإجلال للشعب السوري الذي انتفض على العبودية والذل والإهانة والسجن الكبير. وما يزال الثوار يرددون شعار " الشعب يريد إسقاط النظام" و "الشعب السوري واحد" و " الموت ولا المزلة" و لكل قرية ومدينة سورية "حنا وياكي للموت" و "حرية للأبد غصب عنك يا أسد".

أفتخر بك يا وطني، ويا شباب وطني، لقد اثبتتم إن الحرية أغلى ما نملك، وأن ثورتنا ستنتصر...

د. شذي ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
حقوق الانسان ومكافحة الفساد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات التهدئة في غزة.. النازحون يتطلعون إلى وقف قريب لإطلا


.. موجة «كوليرا» جديدة تتفشى في المحافظات اليمنية| #مراسلو_سكاي




.. ما تداعيات لقاء بلينكن وإسحاق هرتسوغ في إسرائيل؟


.. فك شيفرة لعنة الفراعنة.. زاهي حواس يناقش الأسباب في -صباح ال




.. صباح العربية | زاهي حواس يرد على شائعات لعنة الفراعنة وسر وف