الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسونامي : الموت الجمعي لايصلح للبكاء

فاطمة الشيدي

2005 / 1 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


(الأسيويون) هؤلاء البسطاء الطيبون الذين نتعثر بهم في كل مكان من بلداننا التي قامت بأياديهم الخضراء ، كثيرون هم ، ولكنهم ربما ليسوا بالأناقة الكافية لإغواء المتحذلقين من باعة الكلام والأوهام - أمثالي - ، هؤلاء البسطاء الذين نذروا أنفسهم أو نذرتهم السماء طوعا أو كراهية لصناعة الجمال ، هؤلاء الذين يصدرون لنا خبز الدهشة من صمتهم أمام جعجعة الكون الطاغية حروبا وضجيجا ، ومن قوتهم أما الهشاشة المنتشرة حذلقة وأوهاما ، هؤلاء الذين تتقاطر من نفوسهم الطرية البيضاء روائح العرق والفرح بعد كل إنجاز ناضج .
هؤلاء الذين كنت كلما لمحتهم أحاول التلصص على أحلامهم ، أحاول أن أقرأ أرواحهم المحفوفة بالصدق والثبات ، هؤلاء الذين يرسمون الحياة بجميع الألوان ، الذين يتسربون كالضوء إلى رئتي ليغسلون عنها دخان الكثير من الكائنات اللزجة التي أسد أنفي عنها فتدخل من المسام ليصل خبثها إلى الروح الجاهزة للانفجار ، وكنت ما أن أمسك على نظرة أحدهم ممتلئة حزنا ووحشة حتى تستفز تلك النظرة كل كائناتي الطيبة لتشرع في بكاء جماعي .
كان شيئا ما يحفّزني حين أقرأ صمتهم وحزنهم ، هؤلاء القانعون من الحياة برغيف فرح ، وعيش قليل ، وحب وإيمان كثير، وكنت حين أقبض على أحدهم يسافر في البعيد معاتبا الله والقدر أرتل معه ذات الصلاة وذات العتاب .
هؤلاء البسطاء - ككل البسطاء على هذه الكرة التي تطحننا بدورانها - لاحيلة لهم للقفز خارج الإطار، و لاقدرة لهم حتى على اختيار الموت كحل سريع لمعاناة ممتدة ، فذلك الإيمان الساكن في قلوبهم بروعة القادم يشكل سياجا حصينا من الأمل ضد فكرة الموت الاختياري وضد عدوى الرفض والتمرد التي لم يجبلوا عليه ..
فلماذا بعد كل هذا الصبر والصمت والحزن ، لماذا بعد كل هذا الثبات والإيمان والجمال .. ؟
لماذا كفرت السماء بدعائهم ، وكيف نفضت يدها من تضرعهم ، وكيف تآمرت مع مفردات الطبيعة على هذا الموت الجماعي المريع؟ وهم الذين يدسون في كل قطعة خبز دعاء ، وفي كل تنهيدة أمنية ، ويحفرون بأظافرهم المتشققة وأصابعهم الجافة الماء والحجر ليحصلوا على أدنى ما تهبه لهم الحياة .
لماذا أيتها الزلازل والفيضانات ؟
لماذا ياتسونامي ؟؟
لماذا كل هذا الغضب أيتها الطبيعة الخرساء ؟
لماذا كل هذه الهذيانات والثرثرة على أجساد أبنائك البسطاء الطيبين ؟
لماذا أيتها السماء / أيتها الأرض / أيها البحر؟
لماذا ياربي وربهم ورب الفقراء والبسطاء والطيبين ؟
يازادهم وخبزهم
أنا لاأصدق ادعاءات العقاب والعقوبة .
أنا لا أصدق ما يروون عن عصاك الغليظة ويدك البطش ؟؟
أنا اعرف قلبك ، أعرفه جيدا ، وأعرف رحمتك لازلنا نراها تتحرك بيننا
فكيف تركت للموت فرصته لينقض عليهم ، وهل غافلك ليحصد كل هذه الأرواح الهشة والطرية دفعة واحدة .
وكم واحد منهم لم يكمل لقمته ، وكم واحد منهم لم يشفى من قبلة ، وكم واحد منهم لم ينتهي من ترتيب خططه القريبة ، وكم واحد منهم ذهب وهو غارق تماما في حلم صغير كالزواج أو شراء بيت لأطفاله الصغار الذين رافقوه في رحلة الموت الجماعي .
ماذا يمكن الآن لهذا الموت المباغت - الذي استيقظ من نومه على عجل ولم يصلح هيئته تماما ليكون بجمال انتظار الكائنات القلق له - أن ينتظر منا نحن الكائنات الضعيفة سوى الضغينة والحقد ؟
هذا الموت الذي قرر في لحظة أن يحصد الكثير من الأرواح دفعة واحدة ربما ليستريح قليلا فيما بعد ، أو لعله كان جائعا بما يكفي ليلتهم كل هذه الأرواح البسيطة والطيبة .
كيف تسنى له أن يستل كل هذه الرواح معا ؟ .
وكيف دون أسمائهم جميعا في صحائفه مرة واحدة ، وكيف ستستطيع الأرض الخئون الذي شاركته الجريمة بكائهم دفعة واحدة، أو ليسوا أبنائها الطيبين ؟ وكيف ستتحمل عفونة أجسادهم دفعة واحدة وهي الطاهرة الجميلة ؟
والأهم بالنسبة لنا ككائنات تنتظر لامحالة نفس المصير بشكل فردي أو جمعي ، كيف لنا أن نبكيهم جميعا دفعة واحدة ، وهذا لايليق بآدميتهم ولابآدميتنا، فنحن نحتاج زمنا طويلا للبكاء على كل واحد منهم فردا فردا لنتأكد أن ثمة من سيبكينا يوما ما بشكل فردي وخاص جدا وهو أقل مانتمنى الحصول عليه في رحلة المغادرة .
لا نستطيع البكاء الآن فالدموع التي لانملكها لاتهبنا حتى شرف المحاولة .. !!
فإذن أيتها السماء قليلا من المدد إذن ، فوجدك تستطيعين شيئا بحجم هذا الحزن ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا