الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقه السياسة

حميد المصباحي

2012 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


حاول الفكر العربي جاهدا تأسيس تصوره الخاص للممارسة السياسية,وكان بفعل
الفتوحات السياسية وامتداده الحضاري إلى اليونان,أول المطلعين على سياسة
المدينة,وعلاقتها بالفضيلة,لمن استفادته ظلت محدودة,لأسباب أهمها رفض
الفلسفة والتحامل عليها من طرف الفقهاء,الذين استشعروا خطورة الفكر
العقلاني,فعملوا كل ما بوسعهم
للتخلص منه,وقد تنبهوا إلى أن السياسة كما تصورها اليونان تقوم على
فعالية الدولة وعدم ربطها بالمقدس,سواء كان أسطوريا أو دينيا,بحيث كانت
الدولة تصرح بغاياتها,وتخضع نفسها للمساءلة,وتحاول الحد من تدخلت
الفاعلين غير القابلين للتنافس,ونشأت منذ تلك الفترة صراعات بين الساسة
وقادة الجند وبعض حلفائهم من النبلاء وكبار أغنياء الحروب,وعندما أدرك
الفكر الفقهي خطورة النموذج اليوناني,سارع إلى التفكير في آليات تجرم
التفكير الفلسفي وتتحامل عليه,معتبرة الفلسفة الإسلامية مروقا ودعوة
لتقليد الغير,باعتبارهم وثنيين خارج الملة,مما يعني أن الصراعات الفكرية
بين الفقهاء والفلسفة كانت تحجب خلفها أبعادا سياسية غير مصرح بها من
الطرفين,درءا للفتنة,والصراعات,لكن الفكر الكلامي خاض المعركة حول
الإمامة بوضوح أكثر,عندما هاجم الفقهاء في عقر ديارهم,بفكرة
الإختيار,متسائلا عن حدود حرية الكائن العاقل,وفاصحا عن التضاد بين الجبر
والإختيار,فبدت السياسة هنا مغلفة بما هو عقدي,لكنها كانت حاضرة بقوة,حيث
يظهر جليا أن دعاة الجبر يبحثون عن مبرر لديمومة السلطان والقبول
بالحقيقة الواقع,أو الحق المطلق,فمادام الله ترك للسلطان القدرة على
الحكم,فهو خير للأمة أو ابتلاء لها,ولا يجوز للإرادة البشرية أن تتطاول
على الحكمة الربانية,بما هي تمكين للسلطة مستمد من الله,ولو كان غير راغب
فيها,لآتى الخصوم ما به يسقطون الحكم,لكن دعاة الإختيار,يصرون على أن
الكائن البشري مسؤول عما يقترف من الآثام وحده,وهو المسؤول عنها إن كان
حاكما,وللمحكوم وزر القبول به,يتقاسم معه والراضين به وزر الدنيا
والآخرة,هنا تكمن السياسة وتختفي,خلف جدران القضاء والقدر ومرتكب
الكبيرة,ولآن الأمر هكذا فقد صعب على الفكر العربي التفكير بشكل مستقل في
السياسة بعيدا عن المناوشات الدينية,وأقصى ما حققه من خلال ابن خلدون,أنه
كشف عن أهمية العصبية في الحكم بدل الديني,فبدت الدولة عبارة عن تجمعات
عرقية تحكم تجمعات أخرى,وكل واحدة تعتبر نفسها الوريثة الحقيقية لسلطة
الخلافة,وقد أدرك الفلاسفة المسلمون خطورة استحضار السياسي في الفكر
الفلسفي,فاكتفوا بسياسة الفضيلة كما كانت أكثر وضوحا عند الفارابي,لكن من
الملاحظ أنها كما سبقت الإشارة كانت حاضرة في ثوب غير ثوبها,وبلبوسات
تعمدت عدم توضيحها بما يجعل منها معتركا للصراع على الحكم,والدعوة إلى
التفكير الحر في النموذج المناسب لدولة العرب,بعيدا عن التجربة الرومانية
والفارسية,لكن الملابسات التاريخية للدولة العربية لم تكن كافية للتأسيس
لفكر سياسي,خال من الأبعاد التيوقراطية التي دشنها الرومان والفرس,بحيث
بدا أن الدولة الإسلامية لن تكون مقلدة لهم لآن الديانات مختلفة,ولن
تتشابه السلط,بل ظهر للمسلمين أن أية دولة لايمكن أن تكون إلا دينية,وإلا
كانت غير مستحقة لحكم مجتمع مسلم,ولازالت هذه الفكرة سائدة حتى يومنا
هذا,والغريب أنها امتزجت بالفكر المحافظ داخل المجتمعات العربية,التي لا
تتصور أي إصلاح سياسي بعيدا عن الدولة الدينية,وفي أقصى الحالات خارج
الحركات الدينية التي تحلم بوصولها إلى الحكم,لتباشر رسالة الإصلاحات
وحتى المواجهات مع المختلفين عن الأمة والطامعين في ثرواتها والمتآمرين
عليها لإبعادها عن دينها وحضارتها التي لاتنفصل عن الديانة الإسلامية,وهو
ما يشكل خطرا على أي فكر إصلاحي ينبعث من خارج المنظومة الدينية في
المجتمعات العربية
التي حاول مفكروها الأوائل الحسم ثقافيا في اختياراتها السياسية,لكنهم
وجدوا أنفهم خارج الفكر السياسي,أي في فقه السياسة,الذي به تفكر أغلب
النخب العربية التي تواجه حركات الإسلام السياسي باعتماد ثراتنا
الفقهي,ومحاولات البحث فيه عن المتنور والصالح للإنتصار في معركة,كان من
التاريخي الإنتصار فيها مبكرا,لكن مكر التاريخ,وروح المحافظة,ومرجعية
السلطة آنذاك الدينية,عطلوا وجود فكر سياسي عربي مدني,له آلياته
الفكرية,بها يتميز عن فقه السياسة,الذي انخرط فيه,بما يشبه سياسة
الإحتواء الفلسفي للخصوم,في السلطة والمجتمع معا.
حميدالمصباحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟


.. احتراق ناقلة جند إسرائيلية بعد استهدافها من المقاومة الفلسطي




.. بعد فرز أكثر من نصف الأصوات.. بزشكيان يتقدم على منافسه جليل


.. بايدن في مقابلة مع ABC: كنت مرهقاً جداً يوم المناظرة والخطأ




.. اتصالات دولية لتخفيف حدة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل ومخاو