الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امام القانون -- قصة قصيرة

سعيد العليمى

2012 / 3 / 18
الادب والفن


امام القانون
فرانز كافكا



أمام باب القانون يقف حارس . يأتى إلى هذا الحارس رجل من الريف ويتوسل إليه طالباً الدخول إلى القانون. ولكن الحارس يقول له إنه لا يستطيع أن يأذن له بالدخول فى الوقت الحاضر . ينعم الرجل التفكير ثم يسأل عما إذا كان سيصرح له بالدخول فيما بعد . يقول الحارس ، (( هذا أمر محتمل ، ولكن ليس فى الوقت الحاضر )). إذ يظل الباب مفتوحاً كالعادة ، ويتنحى الحارس جانباً ، ينحنى الرجل محدقاً عبر المدخل إلى الداخل . عندما يلاحظ الحارس ذلك ينفجر ضاحكاً ويقول : ((إذا كنت منجذباً إليه إلى هذا الحد ما عليك إلى أن تحاول الدخول رغم اعتراضى . لكن لابد وأن تلاحظ : أننى جبار . غير أنى أقل الحراس جبروتاً . من قاعة إلى قاعة هناك حارس يلى الآخر ، وكل منهم أكثر جبروتاً من سابقة . أما الحارس الثالث فمريع بالفعل حتى أنا لا أستطيع احتمال النظر إليه )).

لم يكن الرجل الآتى من الريف يتوقع هذه المصاعب ، فهو يظن أن الوصول إلى القانون ينبغى أن يكون متاحاً بالتأكيد في كل الأزمنه ولمن أراد ، ولكن عندما يلقى الآن نظرة فاحصة على الحارس في معطفه المصنوع من الفراء . وأنفه المدبب الضخم ، ولحيته التترية السوداء الخفيفة الطويلة ، يقرر أنه من الأفضل له أن ينتظر حتى يحصل على الإذن بالدخول . يعطيه الحارس مقعداً ويدعه يجلس جانب الباب . يجلس هناك لأيام وسنوات . ويقوم بعدة محاولات حتى يسمح له بالدخول إلى حد إرهاق الحارس بإلحافه . أما الحارس فمراراً ما تحاور معه حوارات قليلة ، متسائلاًعن موطنه ، وأشياء أخرى كثيرة ، ولكنه طرح الأسئلة بغير مبالاة ، بنفس الطريقة التى يطرح بها السادة الكبار الأسئلة ، ودائماً ما ينتهى ببيان أنه لا يستطيع أن يسمح له بالدخول بعد .

ضحى الرجل الذى كان قد تزود بأشياء كثيرة من أجل رحلته ، بكل ما لديه ، مهما غلت قيمته ، حتى يرشو الحارس . يقبل الحارس كل شيئ ، غير أنه يُرفق قبوله دائماً بملاحظة : (( اننى آخذها منك حتى لا تظن أنك قد ادخرت وسعاً )) وهو يركز انتباهه دائماً خلال كل هذه السنوات تقريباً على الحارس . كما ينسى الحراس الآخرين ، ويبدو الأول بالنسبة له العقبة الوحيدة التى تحول بينه وبين الوصول إلى القانون . وهو يلعن حظه السيئ ، وقد كان بفعل ذلك في سنواته الأولى بجسارة وبصوت مرتفع ، وحين شاخ فيما بعد ، بات يتذمر بينه وبين نفسه . يصبح طفولياً في تصرفه ، وإذ يتأمل الحارس طوال العام فقد صار يعرف حتى البراغيث في ياقه معطفه المصنوع من الفرو ، وبات يتوسل إلى البراغيث كذلك حتى تعاونه فى تغيير رأى الحارس . يبدأ نظره في الضعف بمرور الوقت ، وهو لا يعرف ما إذا كان العالم يظلم بالفعل أم أن عينيه تخدعانه فحسب . ورغم الظلام فهو واع بذلك الإشعاع الذى يتدفق بقوة من بوابه القانون . لم يعد في حياته متسع طويل قبل أن يموت ، وتتجمع كل تجارب هذه السنوات الممتدة في رأسه ، وتتركز حول مسألة واحدة ، حول سؤال لم يسأله للحارس بعد . يُلوحُ له أن يأتى بقربه ، ما دام لم يعد بمستطاعه أن ينصب جسده المتيبس . كان على الحارس أن ينحني نحوه ، لأن الفارق في طولهما قد تغير كثيراً لغير صالح الرجل . يسأل الحارس : (( ماذا تريد أن تعرف الآن ) )أنت نهم لا تشبع )) . يقول الرجل (( كل امرئ يجاهد حتى يصل إلى القانون ، فكيف حدث أن خلال كل هذه السنوات العديدة لم يتوسل أحد للدخول إليه أبداً سواي ؟)) يدرك الحارس أن نهاية الرجل قد حانت ، وحتى يجعل حواسه الذاوية تلتقط الكلمات ، صاح في أذنه بأعلى صوته : (( ما من أحد آخر يمكن أن يسمح له أبداً بالدخول هنا ، مادام هذا الباب قد صنع خصيصاً لك ، ولسوف أغلقه الآن )).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا