الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباح مثل بسطال ثقيل

دلال جويد
(DALAL JWAYYED)

2012 / 3 / 18
الادب والفن


ثقيل جدا هذا الصباح، يبدو كبسطال جندي يدوس على حشيش أرواحنا فيسحقنا ولا نمتلك إلا أن نتلوى تحته..... كنا قد ألفنا الحرب حتى لم تعد تدهشنا حكايات الموت الكثيرة....... الحرب مع إيران طويلة ومملة... أصعد على سطح دارنا وأعرف من شكل النيران والانفجارات في اي منطقة بدأ الهجوم في الفاو أو نهر جاسم أو التنومة، لكن تلك الحرب مختلفة سريعة ومربكة وصادمة ولا انتصار فيها حتى لوكان وهميا؛ لذا استيقظت وانا أشعر أن بسطال حرب يجثم علينا كلنا نحن الساكنين على خط النار الأبدية.

منذ ايام والطماطم تتربع على عرش موائدنا الفقيرة، فمزارع البصرة لم تستطع تصدير محاصيلها الى المدن الاخرى وبدأ صحاب المزارع يدورون في الشوارع لبيعها باسعار زهيدة جدا، ولم يكن في السوق غيرها، كانت ربات البيوت يتفنن في الطبخ، ومن يمتلك رزا في بيته فقد حظي بوجبة عراقية مهمة هي التمن الاحمر، هذه الوجبة الوحيدة التي يمتلكها اهل البصرة في ذلك الوقت ولم يكن امامهم إلا أن يقدموها الى الجنود العائدين من الهزيمة والموت ويكاد يهلكهم التعب والجوع.

الم أقل انه صباح ثقيل هذا الصباح الذي رأيت فيه رجالا يبكون بحرقة وهم يستقبلون جيشنا العراقي الباكي والذي لم يعد باسلا فطائرات التحالف حصدت الشباب ومن

نجا عائدا من الموت لم يكن سوى رجل مهزوم في حرب لا يدري لِمَ زُج فيها.


كان الجنود يدخلون الازقة يسحبون أرجلهم العالقة في البساطيل العسكرية، يبكون كما لو انهم يبكون عن عمر بأكمله، عاصفة من البكاء تمر على أهالي الحي بينما يحاول الكبار كبحها وتهدئة الناس وتسرع الأمهات الى فرش البسط عند عتبات البيوت ليجد الجنود مكانا يجلسون فيه، لن انسى منظر الشاب الصغير الذي لم يستطع اخراج قدميه من البسطال بسبب ورهمها، كان يصرخ بينما يحاول الرجال تهدئته ولست ادري كيف أخرج سلمان ابن جيراننا المراهق سكينا حادة كشفرة وبدأ بتقطيع البسطال بهدوء ودقة حتى سحبه من قدم الجندي الموجوع، بينما كانت امي تبكي بصمت وهي تحضر كل ما تملك من زيوت ومسكنات وأربطة ولا تعرف كيف تخفف من ألم الصغير الذي لا يكبر اخوتي إلا قليلا.

اشار ابي الي وانا اعرف اشاراته فأخرجت أكبر القدور التي في البيت وشرعت اضع كل مهاراتي لأصنع وجبة من الرز الاحمر، أكملت الطبخ فحمل أبي القدر الى الشارع وبدأ بسكب الطعام للجنود المذبوحين جوعا وبكاء وتعبا وهزيمة، وهم انفسهم الذين سيذهبون نحو مدنهم البعيدة فيتربص بهم الموت على الجسور المقطوعة وفي الازقة والطرق السريعة حيث كل عسكري يقتل، وكل مدني يقتل.

انه صباح ثقيل لم نرفع رؤوسنا به من فرط ثقله، لكنه اشعل شرارة الثورة، تلك الثورة التي لم يتحدث عنها الاعلام العربي، ولا يذكرها حتى بعض العراقيين، لكني أتذكرها جيدا، اتذكرالدبابة التي كانت تطلق نيرانها بشكل عشوائي في زقاقنا، واذكر عشرات الشباب الذين أعدموا أمامنا ، بينما كنا نجلس في شاحنة كبيرة على أخوتي وأبناء عمي، كي لا يكتشفهم جنود علي كيمياوي فلا يعود لنا اخوة في الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زهرة عراقية جديدة تتفتح في حديقة الموقع
الحكيم البابلي ( 2012 / 3 / 19 - 01:53 )
كم أحببتُ وجهك البصراوي وكتابتك يا بنيتي دلال
فأنت بعمر واحدة من بناتي الأربعة ، إن لم تكوني أصغرهم
شهاداتك تُليق بكِ وبما سََطَرَت يدك ، فهذه الحروف المعبرة التي تطرح ما جرى ذات يوم في جهنم الحمراء ، وبكل تمكن وهدوء من ألَفَها وإعتادها !! ، لا تخرج إلا من رحم فكر الموجوعين العراقيين الذين مروا عبر وادي الموت وخَطْوا فوق جذوع أشجاره : مررنا من هنا
مباركةٌ أنتِ بنيتي ، ومباركٌ البيت الذي أخرجك للدنيا ، البصرة ... والنِعِم ، هذه مدينة النبلاء والرجال والنساء الذين صقلوا بعض تأريخنا بكل ما يحملون من سمو
داومي على الكتابة يا دلال ، وأعدك ستكونين البنت المدللة للكثير مِنا
أعجبني جداً إسلوبك الكتابي ، لكِ مني كل تحية وتثمين وتقدير
سأعود الأن لأقرأ مواضيعك الثلاث السابقة
الحكيم البابلي طلعت ميشو


2 - صباحات
Basim Hajar ( 2012 / 3 / 19 - 19:33 )
هذا ما تمنحنا إياه الحرب، بساطيل، وموتى، وطماطم نسد بها جوع الايام التي لا تنتهي. شكرا دلال


3 - تحية ومحبة
محمد خليل عبد اللطيف ( 2012 / 3 / 20 - 20:07 )
لم يكن يوما جيشا باسلا...رائع يا دلال

اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس