الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطغاة وهوس السلطة - العراق نموذجا

حسن الجنابي

2002 / 9 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


السلطة الطاغية تشبه، من حيث الطبيعة،  الفيروسات لأنها لا تعيش إلا في وسط مريض وملوث. لذا فهي تسعى على الدوام لإفساد المجتمع وانهاكه كي تسهل قيادته واستعباده. وتتمادى، بدون مبرر، في استعمال العنف وتوسيع مداه. وتتفنن في إشاعة الخوف عن طريق الفتك بالمعارضين في ردة فعل غير متناسبة مع حجم الفعل المعارض. ولا يشذ جلاد، في هذه القاعدة، عن جلاد آخر إلا بدرجة البشاعة، وقدرة المخيلة المتسلطة على اختراع طرائق جديدة للتعذيب والانتقام وتشويه الجسد وتقطيع الأعضاء البشرية التي ميزت طاغية العراق.

ففي العراق لا توجد بالمرة حدود معقولة، أو مفهومة، لحجم انتقام السلطة أو ردود أفعالها  ضد المواطنين حتى وهم رهن الاعتقال. فحسب رواية لمواطن عراقي، يقيم الآن في سيدني، أنه شهد اعتقال أحد معارفه، وكان شابا رزق للتو بصبي، في مدينة النجف الاشرف. فبعد اقتحام بيته من قبل رجال الأمن، و في لجة الموقف المتوتر، الناتجة عن اقتحام الدار والاعتداء على الحرمات الشخصية، اراد الرجل تقبيل رضيعه مودعا، كأب أدرك انه لن يقدر بعد اليوم على رؤيته. فما كان من رجل الأمن إلا اختطاف الرضيع من يدي والده وقذفه بعنف على الجدار ليهشم رأسه ويميته في الحال، ولتنطلق، بعد ذلك، المجموعة الأمنية بصيدها الثمين، أي الأب المنكوب بقتل وليده، إلى جهة مجهولة.

قد يشك البعض، من ذوي النيات الحسنة ومن الاخوة العرب بالتحديد، ان هذه "تصرفات فردية"، فما بالك إن تكررت هذه "التصرفات" آلاف المرات وفي كل المدن والقرى والقصبات العراقية؟.

لنفترض جدلا أن هذه الأعمال ليست منهجا سلطويا مشرعا، وهذا أمر ممكن إن كان المرء ساذجا أو غير راغب في معرفة حقيقة ما يجري في العراق، فهل يمكن لأي عاقل تفسير سبب إبادة سكان حلبجة بالسلاح الكيمياوي؟

أترى أن كرسي صدام الهزاز تعرض للخطر اثر دخول مجموعة من مقاتلي البيشمركة الأكراد لقرية في شمال العراق؟

ألم يكن لدى السلطة مدافع ودبابات وطائرات كافية لاستعادة "سيادتها" المنتهكة في حلبجة؟

لم يكن، بالطبع، "تحرير حلبجة من الخونة" هو الدافع لتدميرها بالسلاح الكيمياوي ،  كما لم تكن "مصالح العراق" قد اقتضت احتلال الكويت. فالكويت، آنذاك، حكومة وشعبا، كانا في جيب صدام. وكانت الخزانة الكويتية مسخرة لتمويل ماكنة العدوان الصدامية طيلة سنوات الحرب ضد ايران. ولم يكن باستطاعة الشيخ سعد العبد الله وقف التدفق المالي، مثلما لم يكن باستطاعة عزة الدوري إنقاذ مفاوضات جدة. وبسبب طبيعته الشخصية والطريقة التي يحكم بها البلاد، لم يكن صدام حسين قادرا على وقف نزيف الجرح العراقي بسبب عدوانيته المتأصلة واحترافه للقتل.

فالقاتل المحترف لا يكتفي بقتل الضحية فقط لأنها لا تشبع هوسه وغريزته المريضة. وهو يقنع نفسه أن تصفية الخصوم السياسيين شنقا في السجون المنعزلة لا تحمل رسالته بوضوح للشعب. فإذا ما اضطر للجوء للاعدامات فيفعلها في الأماكن العامة و يشرك أعضاء الحزب بالتنفيذ، ويجبر عوائل المفقودين على تغطية التكاليف. أما إذا ارتبط الفعل المعارض بمدينة فتباد، كما جرى في حلبجة، بابشع الاسلحة، أو تدك وتسوى بالأرض وتزال من الخارطة، مثلما حدث لمدينة الدجيل، أو تستباح ويلغى كيانها الدولي وتلحق بالعراق كمحافظة يحكمها وغد معروف.

هذه العقلية المتسلطة لا ترى في المواطن إلا جوانب الخيانة والغدر فلا تأتمنه، ، ولا في الحرية إلا "حقها" في البقاء في السلطة، ولا في العلم إلا جوانبه التدميرية فتتحول وزارة التصنيع العسكري، بأوامر الدكتاتور، إلى كيان أخطبوطي تجري في مختبراتها السرية أبشع ما يتصوره العقل من عمليات اختبار للجراثيم والبكتريا والغازات السامة، ليست على الفئران، كما قد يتخيل المرء، لأن  السجون مكتظة بالمحكومين بالاعدام من الخونة؟. ثم أن منظر فأرة مختنقة في إنبوبة إختبار لا يستحث في القلوب الغليظة نفس المتعة التي تحدثها ارتجاجات جسد انساني في غرفة محكمة الغلق وهو يصارع تدفق السموم والجراثيم من صمامات التحكم.

لكن المخيلة الشريرة سرعان ما تجد في الظروف المختبرية لهذه التجارب أمرا مضجرا، فتسعى إلى "افق" أشمل لتطبيقه، وتنظم الاحتفالات الدعائية لإعلان النية باستخدامها على نحو شامل كما حصل في التهديد بحرق نصف إسرائيل. غير أن الجلاد أجبن من استخدامها ضد من هم أقوى منه، كما أثبتت تجربة الحكم الصدامي في العراق، ولا يساوي جبنه هذا الا شراسته ضد المستضعفين والعزل من مواطنيه. وهو بالاخير غير قادر على البقاء في كرسيه اذا ما انتزعت منه قدرته على استخدام اسلحة الفتك التي يملكها ويحتمي بها.

 

 

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|