الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاركة الشاعر صلاح فائق في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع الأب يوسف سعيد

صبري يوسف

2012 / 3 / 19
الادب والفن


مشاركة الشاعر صلاح فائق في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع الأب يوسف سعيد

كانَ وسيبقى حيَّاً في حياتي

أقدِّم تعازيَّ القلبيَّة إلى أسرةِ صديقي الشَّاعر الأب يوسف سعيد، الذي بالنسبة لي لن يموتَ إنما انتقلَ الى مكانٍ آخر. ذلك لأنَّه كان وسيبقى حيَّاً في حياتي، فهو معلمِّي الأوَّل. والغريب أنه كان صديق أبي قبل أن يصير صديقي. أتذكَّر جيداً التقينا في العام 1960 في كنيسته على طريق محطَّة كركوك وقد أخذني إليه صديقان رائعان، سركون بولص وجان دمّو، نظرَ اليَّ طويلاً ثم سألني:
ماذا تكتبُ؟
قصص قصيرة وأحياناً الشعر.
اقرأ لي من شعرِكَ.
قرأتُ له قصيدة بعد أخرى .. قال سركون لا تتوقف عن القراءة فهو مولعٌ بالصور الشعرية وعندك منها الكثير. قضينا عدّة ساعات نقرأ له وكان يردُّ علينا بقراءةِ قصائد له، أدهشتني قصائده حقَّاً. عند باب الكنيسة قال لي أنتَ شاعر. ثم توالت زياراتي إليه مع جليل القيسي ويوسف الحيدري وأحياناً كنتُ أزوره وحدي وكان مسروراً دائماً بلقائنا والاستماع إلينا. بعد أيَّام من زيارتي الأولى إليه قال لي أبي، يقال أنك شاعر، فعرفتُ فوراً مَن أخبره. افترقنا لسنوات طويلة.. وبقيت أقرأ له في مجلات لبنانية وعراقية في السبعينات. وفي عام 1985 قرَّرنا أنا وسركون أن نحضر مهرجان المربد، وفجأةً وجدناه أمامنا، مع جان دمّو ويوسف الحيدري ومحيي الدين زنكنه وآخرين من جماعة كركوك. كان ذلك اللقاء مهرجاننا الحقيقي بعد سنوات طويلة من الفراق. وفي عام 1987 طلب منّي أن أزوره في السويد، فقبلتُ رغبته بكلِّ فرحٍ، بقيتُ معه اسبوعاً وقرأنا ليلةً بعد أخرى شِعرَنا وكتاباتِنا..أعطيته مجموعاتي وكان سعيداً بها. بعد أسابيع هاتفني ليخبرني عن نيَّته بكتابة دراسة عن مجموعتي رحيل، ولكم أن تتخيَّلوا مدى بهجتي برغبة نبيلة كهذه، ومِن مَن؟ من صديقي ومعلِّمي في آن. دراسته كانت أكبر من كتابي وقد أخبرني بأنّه سينشرها ككتاب. يؤسفني افترقنا لسنوات طويلة، لكنه كان دائماً معي، يزورُني في مناماتي أو يظهرُ فجأة من بين أمواجِ المحيط، حيث بيتي الصغير.
فقدتُ عنوانَه، بل وعناوين كل أصدقائي في هجمة فيضان رهيبة على بيتي. من سعاداتي الكبرى زيارته لي في لندن، تجوُّلنا اليومي في الحدائق وكان مُبهِجَاً في سردِ ذكريات ومشاهدات عن كركوك. مثل بقية شعراء مجموعة كركوك، فإن الصوت الخاص والمستقل هو ما يميِّز كلا منهم ومن هنا تأتي أهمية هذه المجموعة من الشُّعراء.

قبل شهرين اتصلت بالصديق الشَّاعر نصيف الناصري وسألته أن يخبرني عن حال الأب يوسف سعيد من الناحية الصحّية وغيرها وقد أخبرني بأنه يعاني من مصاعب جدّية صحِّياً. سألته بعدئذٍ إنْ كان ممكناً أن أزورَه في مالمو ثم نسافرَ معاً لزيارةِ شاعرنا النَّبيل, فرحَّبَ بالاقتراح. رتَّبتُ حالي خلال الشَّهرين الأخيرين للقيامِ بزيارته في الشَّهرِ المقبل، إلا أنَّ القدرَ كانَ له رأيٌ آخر.

اقرأ في كتابه (السفر داخل المنافي البعيدة) ما يلي من صورٍ مذهلة:
انني قادم نحو متَّكآت المدن السعيدة. وحدُها الفراشات تستريح على أجنحة البرق. تصوُّفي أرجوزة خالدة. انني أبحث في سهول شنعار عن سلالم موسيقية صنعة عازف عراقي. يومياً دجلة مع سرادقه البيضاء ينامُ في سفوحي. الاصواتُ أزمنة. العراق في بؤبؤي اقحوانة. هلاهل ضوئية تهطلُ كطلٍّ ربيعي. نسوةٌ قرب سريري يحدثنني عن هلاكي المؤجَّل بينما أراقب كوكباً كبيراً، متمنِّياً الارتقاء الى دياره. هل في أحواضه زنابق من نوعٍ آخر؟ وغيرها كثير.

في حياته، حيث خدم كل من احتاج إلى نصيحته وتضامنه، في العراق وفي غيره من البلدان، وفي شعره يقف شامخاً كشاعر حديث ووطني في آن. العراق شعره وشعره العراق، في مفرداته، حتى العامّية منها. فهناك مغازة، أشيل، كاغد، وتأتي تلقائيّة ومحبِّبة. انني احترم وفاءه الوطني، كعراقي في زمن خان فيه مثقفون كثر، كتَّاب وشعراء، وطنهم السومري لقاء فتات موائد المحتلِّين والخونة الذين شرذموا الوطن الى قومياتٍ وأديانٍ وطوائف. الصرخة الصادقة تفتحُ شبابيك العاصمة. ما أصدقك أيها النَّبيل. ننحني جميعاً لنطهِّر دموعَ عينيك. لقد تعلَّمنا منكَ الكثير وفي قصائد هذيانك تنزف مليون فكرة سعيدة.

أختم هذه الكتابة عن صديقي الشَّاعر الأب يوسف سعيد بقصيدة من كتابي رحيل

هنا، في هذا اليوم الغائر / بين السقوف والضفاف
تبدو مندهشاً / بين شفتيك مذاق مزرعة مرفوعة
بنظرات صامتين
هنا، الظلُّ نهرٌ / وللنهرِ ودائعٌ ووعود
وأنتَ، طويلاً، وتأسف على ذلك الآن
تركتَ الفلاسفة يرشّون روحَك
بترابِ التجوال بين المهاجرين
بقيتَ وحيداً، بين جدران السنوات
تكتب عن سلالات وأرامل
ولم يكن يغريك الا نداء
الشهقة لؤلؤة / هذيانك امتنان
فلتخرج، إذن، الى وادٍ أو الى سفحٍ
تأمَّل العشبَ، التراب واقتراب غزالة
هناك ستتعلمُ كيف الروابي، ومَن عليها
مائدةُ حياتك

الفلبين: 22. 2. 2012
صلاح فائق، شاعر من العراق مقيم في الفلبين، من روّاد شعراء جماعة كركوك الأدبية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض


.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية




.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف


.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف




.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال