الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من ضوء في نهاية النفق؟

فلورنس غزلان

2012 / 3 / 20
الادب والفن


تحتشد الغيوم بكثافة هذا اليوم في سماء باريس، أسألها أن ترحل حاملة رسالة ماءٍ تمحو القذا عن العيون والرماد مما تبقى خلف بشار وحرائقه..أسألها ألا تنسى عواطفي المحملة بوميض الشرر وبغضب جامح يود لو اقتلع جذور شجرة لعائلة اسمها الوحش ، اسمها الباطل، بربري المصدر، همجي التربية قاتل بالولادة، تتأجج نيراني أود ترجمتها بمفردات تخرج من أسر الغموض إلى رحاب الوضوح والمصداقية، لكن قاموسي اللغوي ضعيف البنية يتقوقع أمام الحدث مخفياً رأسه في معطف( المحيط، ورداء لسان العرب)، كيف لي وللغتي ألا تتعثر وتُتأتيء حين تقع عيوني وعيونها على مشاهد تغيبك مرغماً عن الواقع؟، فعقلك لايستوعب أن هذا ممكن، لايعي قدرة الإنسان على الفتك بالإنسان وبالحجر والحيوان، قدرته على الحقد والخراب ، قدرته على تقمص الموت ونثره فيما حوله..أن يتحول حُبهُ للقتل إلى متعة ورياضة!.
عدلت عن الكتابة ، وقررت استخدام صوتي، فخانني واختفى...شرد مني واحتمى بطيِ حنجرة أصرت على الفحيح ، عبثاً.. أنهزم أمام كل باب يمكنه أن يمثل نجدة لضعفي أو لغضبي أو لدهشتي من غرابة المرحلة وانسداد الأفق وضيق الكون من حولي، أحاول أن أخلع عني مدينة تلبستني خلال مايقارب عقوداً ثلاثة، أضعها في حوض دمي وأغسلها مصممة على تعقيمها وتحريرها من عفن الكراهية ،مصرة على عودة كرياتها البيضاء والحمراء بخليط أحمر قاني لاتفاصيل فيه.. غسانية آرامية كما ولدت في رحم التاريخ فوق هذي الهضبة التي أطلقوا عليها حوران، فيها إرث المسيح ورفوف المهاجرين من عُسف (الحاكم بأمر الله)، فيها بصمات خالد بن الوليد وأشعار أبي تمام، فيها روح جدي وجدك..فلنتمسك بالعشب بالسنابل وأغصان الزيتون ، فهي رمز للسلام وتقاسم خبز التنور الخارج للتو من بيادر تفتح ذراعيها لكل طارق ومضافاتها لكل عابر سبيل، رحت أهيء الأرض وأرسم بحبر المحبة بحجارة البازلت طريقي المُسَّلح بغنائيات تعشق الفرح، أبحث عن شبحي المخالف لشرائع احتلت المدينة، وجميعها يدعي الأحقية الموروثة! فكيف أجد ضالتي وأين ضاع وجه مدينتي الحقيقي في صراع تقاليد جديدة التأليه والتأريخ ؟!
حتى الله يسهو عني وعنها، يضيع الوقت بين موتٍ وآخر، تأخذ ساعة الوقت عقاربها من الموت مؤشراً لدقائقها... من جنوب الأرض لشمالها من شرقها إلى مغربها بالضبط كمسيرة الشمس ، لاشروق دون موت ولا غروب يذهب إلا بموت، جنود وبنادق منهم مايذكر فعله ومنهم من ينسى..أو يسجل في جعبة حصاده كم من عدو كان البارحة صديقاً يتسامر معه على كأس من الشاي أو قرعة متة..هو الآن في عداد رؤوس تَصَوَّر أن عليه قطافها..هكذا لقنه الزعيم أو الضابط الأرفع نجمة والأكثر وطنية!!..تعددت أشكال الموت، وتعددت معها ألوان اللحود وأماكنها، فليست المدافن وحدها المخصصة للأموات، ففي وطني يدفن المرء حيث يسقط.
أسألكم.. أسأل الله الناسي..أسأل من رَكَّب لنفسه قداسة وعصمة، أو من ركبوه ليكون الزعيم ابن الزعيم ..كم من الأسماء سقطت في اللحود ولم تسقط ورقتها في دفاتر العائلة وسجلات النفوس؟..سخرية الأقدار تعود دائرتها لترسم نفس الخطوط ومهما تعرجت تعود لتاريخ لم يمض عليه سوى ثلاثة عقود تقريباً ــ فحماة لاتبعد عنا سوى مرمى جيل أو جيلين ــ تاريخ نعبره ولا نعتبر..كل الجثث والمغامرات تسقط من طرف وتُحَمَّل لطرف آخر ..وفي النهاية كل الأطراف محقة..وكل الأطراف مصيبة! ..هي مصيبة بالمعنى الآخر للكلمة..مصيبتنا في هؤلاء..الذين يحملون رايات " الوطن "! أو من يحمل رايات الله، ومصيبتنا أكبر فيمن يعتنق مذهب الوطن ، لكنه يلهو بالوقت ويضاجع البنادق أملاً بنصرٍ لن يأتي إلابعد حريق روما.. الجميع يغمس عباءاته بزيت إلهي مقدس ، الجميع يهتف من بيوت الله والجميع يستشهد بآيات من الذكر الحكيم أو بأحاديث نبوية شريفة تثبت حسن طويته وحسن اختياره ، ومحاربته لعدو الأرض والسماء!!.....وأنا؟ وأنا..لست من هذا ولا من ذاك...أنا من حَملَ لكم الشاي ورغيف الخبزبالزعتر إلى الحقل بعد أن أنهيتم يوم حصاد شاق...أنا من وقفت تنتظر عودة أحمد ومريم من جامعة حمص ومن مدرسة الخنساء..حلَّ الغروب ولم تعد حافلاتهم...ومَرَّ فجر آخر وآخر ولم تعد عيناي ترى سوى ناقلات الجنود، لم أعد أسمع صباحيات فيروز ..بل زخات الرصاص تثقب أذناي وتسرق سكوني وكل معاني انتظاري لفرحٍ يوميء بفجرٍ أرقبه ...صرت أرى سرابه يبتعد وغربانه تتكاثر وتنعق ، تحوم من حولي وتُغرق سمائي الجميلة بظلال سوداء ورائحة تشي بمتاهة ربما تُدخلني من جديد في جحر أحزاني وتعيدني لدائرة موتٍ لاينتهي إلا بنهاية وطن.. أخاف اليوم ألا أراه.
ــ باريس 17/3/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية و كلمة للسيدة فلورنس غزلان
أحــمــد بــســمــار ( 2012 / 3 / 20 - 10:15 )
سيدتي الفاضلة
مما لا شك فيه أن مشاعرك صادقة محقة محترمة. ولكن اسمحي لي أن الفت انتباهك أن موقع الحوار المتمدن, الذي تشاركين في إدارة تحريره.. ملتزم كليا بمعركة ضد سوريا وسلطتها الحالية من غير أي حياد إعلامي أو تحقيق أو مصداقية, عما يجري فعلا على أرض الواقع. وما تفجيرات دمشق وحلب وما يجري يوميا من قتل وتقتيل, من جميع الأطراف, سوى مأساة قومية, تستحق التوقف لحظة, وعدم الالتزام بجهة واحدة من الحقيقة والجريمة والعنف. وجودنا في أوروبا يجب أن يعطينا نظرة كارتيزية للأمور, دون الغرق في ندب وبكاء, أحيانا مصطنع مدروس في بعض الفضائيات الملتزمة بخلق الفتنة.. الفتنة الطائفية غالبا..مما يجب دفعنا للنظر بحياد علمي والسعي نحو البحث عن الحقيقة الحقيقية..وإيجاد حل ثالث يؤمن ديمومة الحريات الإنسانية والديمقراطية الحقيقية...
ولك مني كل احترامي ومودتي.. وأطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة.

اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا