الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الصعود الإسلامي .

صالح حمّاية

2012 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


مع بداية الربيع العربي كان الجميع يأملون في عودة العرب إلى المسار التاريخي التي تسير فيه الأمم المتحضرة ، بحيث يؤسسون لأول مرة دولا ديمقراطية حديثة تحترم حقوق الإنسان وتحقق الرفاهية لمواطنيها ، خاصة مع تلك البوادر التي لاحت على أيدي الشابات والشباب الواعي و المثقف والمنفتح على العالم بشعاراته الإنسانية التي رفعها إبان الثورة ، لكن وبعد مرور عام على هذا الأمل ما الذي حصل حتى ينقلب الوضع و ينتهي الأمر إلى ما نراه الآن و يقع العرب في شراك الإسلام السياسي بحيث هم مرشحون حاليا وبدل التقدم إلى للأمام كما أملوا ، أن يعودوا إلى الوراء عشرات القرون مع تصاعد هذا المد الأصولي ؟

أعتقد أننا لربما قد نجد جانبا من الإجابة لدى الباحث "مارك كيرتس" صاحب كتاب " secret affairs : Britain’s Collusion with Radical Islam " الذي يدور حول علاقات بريطانيا في دعم وتمويل الجماعات الإسلامية كسلاح ناجع في حالات الضرورة ، فبحسب مارك في حوار له مع جريدة الشرق الأوسط " أن لندن اعتبرت الحركات الإسلامية أفضل من العلمانيين والحركات القومية ، ولهذا فقد دعمت هذه الحركات على حساب الأنظمة الوطنية " ويمضي الكاتب في القول "أن اعتماد بريطانيا على الإسلاميين لتحقيق أهدافها يرجع إلى الماضي، عندما كانت تريد السيطرة على المصادر الطبيعية لبعض الدول أو الإطاحة بالحكومات القومية فيها. " " وتكمن جذور كل ذلك في سياسة «فرق تسد» التي انتهجتها الإمبراطورية عندما استغلت بريطانيا القوى الإسلامية في تعزيز مصالحها الإمبريالية في الكثير من الدول، مثل الهند وفلسطين والأردن واليمن" ( الشرق الأوسط يوليو 2010 العدد 11568)

بالإضافة إلى هذا فإن مارك في كاتبه «الشؤون السرية» يقدم شهادة مثيرة للصدمة حول توجه السياسة الخارجية البريطانية خلال الأعوام المائة الأخيرة. سعيا وراء المصالح الوطنية، فيقول " أن المملكة المتحدة وقفت مرارا إلى جانب أكثر قوى الإسلام السياسي وحشية ومحافظة وتآمرت بقوة ضد حكومات ديمقراطية بمختلف أنحاء العالم. في الوقت الذي جاءت هذه السياسة بمكاسب مؤقتة، فإن ثمنها على المدى البعيد كان فادح" (نفس المصدر)

و إذا أضفانا لهذا الكلام الشهادات الذي نقلها المحلل "روبرت دريفوس" في كتابه "Devil s Game: How the United States Helped Unleash Fundamentalist Islam" ( الصادر سنة 2005) ، عن الدور الأمريكي في تبني الإسلام السياسي كوسيلة من وسائل الحرب الباردة الأكثر نجاعة في ضرب الخصوم ، حيث يوثق في الكتاب كيف " أن أمريكا وبمعية النظام السعودي قد دعمتا الإسلام السياسي كوسيلة لزعزعت أي خصم يواجههما " " بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه هذا التيار في تعزيز النفوذ الأمريكي بحكم تماهي الخطاب الاقتصادي بينهما " ، فإنه يمكن فهم سر صعود الإسلام السياسي بعد الربيع العربي ، (هذا الربيع الذي أطاح بحلفاء أمريكا )، فهذا الصعود الإسلامي ليس سوى تغيير لقناع المصالح الغربية ، فبدل أن يحكم مبارك يحل خصومه المفترضون الأخوان ، و بدل أن تدعم أمريكا الديكتاتور المسخوط عليه ، تدعي تقبلها للقوى السياسية المنتخبة من طرف الشعب و التي تدعي عدم خضوعها لأمريكا ، فيما حقيقة الوضع أن كل من مبارك و الإخوان هما لعبة في يد الأخ الكبير على حد تعبير أورويل ، أما عن القوى الشبابية والديمقراطية فمن البديهي أن يكون هذا حالها فمن السذاجة تخيل أن ينهي الأمر في أيدي من أطاح بالنظام الحليف للغرب ، فهذا الغرب سيعمل بكل الوسائل على حماية مصالحه مهما يكن الأمر، وليس هذا بالجديد عليه ولا المستغرب منه ، أما عن الاختلاف ببين طبيعة النظام الغربي الديمقراطية و النظام الديني الاستبدادي الذي يدعمه فهذا ليس بالجديد ، فالسعودية الحليف الأبرز للولايات المتحدة هي من أبشع النظم الدينية الديكتاتورية في العالم ولم يكن هذا في أي يوم من الأيام رادعا للتعامل معها .

وفي مقابل طبعا فإن هذا الإسلام السياسي على غرار النظام السعودي لم يبخل الغرب رد هذا الجميل ، فأولى بوادره في حسن المعاملة كانت التطمينات التي وجهها هذا التيار عن حفظ السلام مع إسرائيل وضمان أمنها وعن إبقاء العلاقات حسنة مع الغرب ، هذا مع أن خطابه السابق كله والذي أعتمده لكسب التأييد الشعبي كان مبنيا على معاداة الاحتلال الإسرائيلي ومعاداة الغرب الامبريالي الملعون الذي لا يريد لهذه الأمة أن تتقدم ، ما يعزز من مصداقية الكلام عن الصفقات المتبادلة بين الطرفين على حساب الشعوب العربية .

يبقى فقط على هذه الشعوب أن تفيق و تنتبه لهذه الازدواجية التي من السذاجة عدم ملاحظتها كيلا تمر الحيلة ، وان تتوقف عن سماع الدراويش من مدعي التحليل السياسي الذين يزورون الحقيقة بالقول أن هذا الأمر ليس تربيطات في السر كما هو واضح ، بل دليلا على اعتدال الإسلاميين و تطور خاطبهم مع دخولهم في العمل السياسي ، هذا التطور الذي لا يفسرون لنا لماذا يبدو انه من نصيب أمريكا و إسرائيل فقط ، حيث لم يلاحظ أن هذا التطور قد نال منه المواطن أي نصيب ، فهذا هذا التيار الذي يمارس الوداعة و الاعتدال مع أمريكا ، ينهال يوميا بالتهديدات على المواطنين بلا أي رحمة ، و فيما يحضا الغرب بخطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان ، يسحق المواطن المسكين في أتون فرض الشريعة و تأسيس الميلشيات الدينية ، هذا عدى الرعب الذي يتعاظم لدى الأقليات في ظل تصاعد الأحاديث عن العودة إلى نظام الجزية و الرق وحدود الحرابة ، لدرجة قد تجعل مواطني هذه الدول يطالبون الإسلاميين يوما ما بمعاملتهم كما يعاملون الإسرائيليين .

وهو الأمر مؤكد الحصول إذا ما استمر هذه الغيبوبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر