الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الانتخابات- العراقية والتغييب القسري لإرادة وقرار الجماهير

يوسف محمد

2005 / 1 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


واحدة من الدعايات الخادعة والمضللة حول ما يسمى بـ"الانتخابات" المزمع إجرائها في العراق نهاية هذا الشهر، هي القول أنها تمثل تجسيداً لإرادة وقرار الجماهير العراقية بصدد مستقبلها ونظام حكمها السياسي. غير أن نظرة بسيطة على صورة الأوضاع في العراق وخارطة القوى السياسية ونفس عملية "الانتخابات" وترتيباتها المختلفة، كفيلة بأن تكشف لنا زيف هذا الإدعاء والسخف الكامن فيه. فكيف من المقرر أن تجسد الجماهير وتمارس دورها وإرادتها وتتخذ قرارها بصدد بديل لا هو يعكس تطلعاتها ولا هو يمثل رؤيتها للمستقبل السياسي العراقي ولا حتى بإمكانه أن يشكل أبسط تغيير في أوضاعها المزرية والوخيمة في ظل الاحتلال الأمريكي وسيادة قوى السيناريو الأسود القومية والدينية الرجعية؟!!
لقد كانت واحدة من تطلعات وأهداف الجموع الغفيرة من جماهير العراق هي أن تكون لها القدرة والفعل في تقرير مصير المجتمع ومستقبل نظامه السياسي وشكل إدارته طوال عقود طويلة من الزمان، فقد حفل التاريخ العراقي المعاصر بمختلف الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، وشكل الاستبداد خصيصة من خصائص البرجوازية الحاكمة في العراق منذ تشكيل الدولة العراقية، وبعد إسقاط النظام الملكي المباد شكل الحكم العسكري الطراز السائد في الحكم في الأنظمة التي كانت تستنسخ نفسها من خلال الانقلابات العسكرية المتوالية. وبهذا يتبين أن الجماهير في العراق لم تتمكن أبداً من تكون هي صاحبة القرار والإرادة بصدد نظام حكمها وشكل الدولة ومختلف القضايا التابعة لهذا الأمر.
وبعد كل التجارب المريرة التي عاشتها الجماهير في ظل الأنظمة المختلفة وخصوصاً في ظل أكثر من ثلاثة عقود ونصف من حكم الفاشية البعثية، تأتي الولايات المتحدة جالبة لنا ديمقراطيتها الممتطية ظهر الدبابات والمدججة بالصورايخ والقنابل الذكية التي أتت على كل شيء لم تتمكن أن تطله يد الفاشية البعثية ويأتي ذيولها وأتباعها في المعارضة العراقية السابقة والقوى الراكضة خلف عطايا والدائرة في فلك استراتيجيتها وأهدافها الرجعية في المنطقة، ليطلقون لنا بشارة "الديمقراطية" و"الحرية" و"الخلاص من الدكتاتورية"، عبر سيناريو هزيل جداً يسمونه جزافاً "انتخابٍ".
لقد قلنا وأكدنا لمرات عدة وفي مناسبات مختلفة أن هذه العملية التي يتم الآن إعداد آخر فصولها ليست سوى مسرحية هزيلة ولا تعكس سوى أزمة مخرجها ونقصد الولايات المتحدة الأمريكية وقوى السيناريو الأسود. فإزاء العجز الأمريكي في العراق والفشل في بلورة بديل سياسي يحظى بالحد الأدنى من القبول لدى الجماهير وبهدف امتصاص السخط والغضب الجماهيري العارم سواء لدى المواطن العراقي أو على الصعيد العالمي ضد الاحتلال وممارسات القوات الأمريكي وممارسات وفساد الحكومة المؤقتة ولأجل إضفاء الشرعية على البديل الذي نصبته رغم إرادة الجماهير وإضفاء الشرعية على الاحتلال، يتم تسويق هذه المسرحية الهزيلة باسم "الانتخابات" و"الديمقراطية". وكأنهم يستغفلون الجماهير في حين أنهم لا يستغفلون غير أنفسهم والمتوهمين بهم.
وقد أكدنا سابقاً أيضاً أن أحد الأهداف الأمريكية للتغيير في العراق هي أحداث تغييرات شكلية في شكل النظام وملامحه دون المس بجوهره، والإتيان ببديل له يؤمن حركة ومصالح الرأسمال كما يؤمن المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ولذلك فإن إسقاط النظام البعثي وبالطريقة التي جرت كان من أجل قطع الطريق على راديكالية جماهير العراق التي كانت تتنامى يوماً بعد يوم وتهدد بالعصف بكل نظام الرأسمال في العراق. والخوف الأمريكي من تنامي المد الراديكالي وقوة جبهة العامل والشيوعية والبديل الاشتراكي كان حاضراً ككابوس يقض مضجع الطبقات الحاكمة في أمريكا ويدفعها لصياغة المخططات والبرامج للوقوف بوجه ذلك التيار العاصف. وبالتالي فإن مختلف السيناريوهات الأمريكية التي تصوغها خلف الكواليس في تتعقب فيما تتعقبه هذا الهدف أيضاً ومن هذه السيناريوهات سيناريو الانتخابات الحالي.
لذا فمن أجل أن تكون الجماهير هي القوة التي تصوغ مستقبلها ومصير مجتمعها ونظام حكمها ومن أجل أن تختار بحرية بديلها، ومن أجل ممارستها لإرادتها المغيبة قسراً، عليها أن تقاطع هذا السيناريو وأن لا تشارك في "الانتخابات"، لأنها في حال مشاركتها ستصوت لصالح الرجعية والتخلف والاستبداد وسلب الإرادة، ستصوت للطائفية والعصبيات القومية والدينية، ستصوت للإسلام السياسي الذي سينحر في أول خطاه كل تطلعاتها وأمانيها العادلة والمشرعة وستصوت لإدامة الاحتلال وبالتالي لهذا السيناريو الأسود والسباق الإرهابي الذي يغرق المجتمع العراقي في حمامات الدم، لأن القوى التي تقف وراء الانتخابات والقوى المقرر التصويت لها هي التجسيد الواقعي لهذا السيناريو الأسود والسباق الإرهابي. إحباط هذا السيناريو وإفشاله خطوة مهمة في مسار تحرر جماهير العراق وإطلاق إرادتها وممارستها لقرارها الحر والواعي إزاء مستقبلها ومستقبل المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح


.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير




.. النشيد الوطني الفلسطيني مع إقامة أول صف تعليمي منذ بدء الحرب


.. بوتين يؤدي اليمين الدستورية ويؤكد أن الحوار مع الغرب ممكن في




.. لماذا| ما الأهداف العسكرية والسياسية التي يريد نتنياهو تحقيق