الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احذروا النموذج الباكستاني في مصر

مهدي بندق

2012 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


في الأسبوع الماضي وبمنطقة عشوائية بالإسكندرية رأيت أناساً يسندون سقوف بيوتهم بعروق خشبية حذار سقوطها ، فلماذا قامت الثورة إذن ؟ سؤال لم أجد له جوابا! فكان أن سقط قلبي ملتاعاً يسأل : ما السبب؟ ليلتها كتبت قصيدة ثم محوتها . ما قيمة الشعر في زمن فيه الفقراءُ يهيمون على وجوههم كالفراش المبثوث، بينما الثوار ُيقتلون ، والمحتجات ُيسحلن والنخب السياسية تكتفي باستعراض آرائها في القنوات الفضائية .
بالأمس القريب كان المليارديرات الجدد يتبخترون بملاعب الجولف السندسية حول قصور الزبرجد، وكان مذيع البرنامج التليفزيوني يسأل أطفال "أبو دهشان" ماذا يطلبون؟ غمغموا : نريد الخبز. قال تلميذ منهم : أنا جائع الدهر ! فسقط قلبي إلى ركبتيّ باحثا عن سبب لذلك، بعدها قدمتْ نسوةٌ للمذيع التليفزيوني – على سبيل الاستشهاد - ماءً بلون البول، فانفجر المذيع يتحدى البيه المحافظ أن يشربه. قالت ثكلى مات ثلاثة من أبنائي بفشل الكـُلي فسقط قلبي تحت قدميّ بينما كان ثمة كهل يصيح : أين رئيس الحكومة ؟!
واليوم وقد ظننا – وليس بعض ما يُظن إثماً - أن الثورة سوف تغير الوطن وتنقذ البلاد ؛ ما زال المليارديرات الجدد لاعبين آمنين سواء في قصورهم أو منعمين مدللين في والمركز الطبي العالمي و" منتجعات " طرة ، وما زال الخبز عزيزاً على الطفل الجائع ، وما زال الماء كدرا ً وطينا ً للظامئين في أبي دهشان وابن دهشان وخاله وعمه ! فهل من سبب معقول لهذا التناقض ما بين ثورة نجحت في إقصاء رموز النظام وبين استمرار الأوضاع المعيشية البائسة ؟!
بين الهم العام والهم الخاص
في السنة قبل الماضية قيل فشلت مفاوضات مصر مع دول منابع النيل، وفي الإسكندرية تواترت الأنباء عن فضيحة كبرى : عرضت أرملة نفسها على طالبي المتعة الحرام لقاء أرغفة للعيال .. لكن شرطة الآداب تداركت الفضيحة بأن "ضبطتها.". وبهذا نظفت مصر ثوبها من لطخات الدعارة !
اليوم وقد مضى أكثر من عام الثورة ما تفتأ غيوم الهجمة المضادة وسحبها السوداء تحيط بالهلال الوليد كي تخنقه خنقا ً، كي تبقى مصر كما كانت مرتعا ً للوحوش الطبقية والذئاب الحارسة للغابة المصنوعة خصيصاً لصيد الكائنات البشرية التعسة . . والحق أن الهجمة المضادة هذه حققت أو كادت تحقق أهدافها الشريرة بنشرها للفوضى في البلاد من خلال آليتين ، أولاهما توظيفها للفئات المحرومة من العمل والكسب للقيام بأعمال البلطجة والإرهاب والقتل ما أسهم في تراجع المد الثوري بدرجة ملحوظة ، والثانية إشاعة اليأس في قلوب العامة عبر التمسك بمنظومة قوانين غير ثورية تؤدي فعالياتها إلى إفلات أغلب رموز الفساد من العقاب ، فضلا عن ترسيخ ثقافة بيروقراطية الدولة ذات التراخي المعهود الأمر الذي يحول دون مصادرة أموال الشعب التي نهبت وهربت . وبهذه هذه التكتيكات الشريرة والمرتكزة على إستراتيجية الجمود والثبات؛ عمدت تلك القوى إلى التمترس بمؤسسات الدولة ذاتها تباشر من مواقعها المحصنة تاريخيا ً مهمة تفريغ الثورة من مضامينها بعيدة المدى إلى مجرد انتفاضة " عابرة " مقصدها حسب ُ خلع رئيس وحبس أعوانه ، في اعتماد من هذه القوى المضادة للثورة على استعداد النفوس المرهقة لهجر الثورة الشعبية اكتفاء بـ " شعبوية " الشعارات ، وكأن في رفع الشعارات غاية المراد من رب العباد ! أما الاستعداد الكامل لسداد فاتورة العيش الكريم المشترك وترسيخ الحريات واعتماد السياسات الواقعية لتحقيق العدل الاجتماعي فدونه لاشك ثورة جديدة .
ذكرت هذا بأعوامي السبعين فسقط قلبي مخترقاً إسفلت الوطن المكسور الذي تتدحرج عليه الأعين المفقوءة والدماء الطاهرة المسفوكة والأعراض الغالية المنتهكة .
في العام قبل الماضي وقّعت حماس مع إسرائيل هدنة لعشرة أعوام، واستدارت تحاول اقتحام حدود مصر بالألوف من سكان غزة المحاصرين، فزايدت عليها إسرائيل بقرار ترحيل عشرات آلاف الفلسطينيين عن الضفة مرشحة لهم سيناء وطناً بديلاً، وكان السادات قد حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع بيجين ، عامها سقط قلبي هلعاً فغضب السادات ورماني في "القلعة" مثل الكلب، وأمس قال السلفيون – الذين شيدوا مكانتهم عند الناخبين على عقيدة محاربة اليهود - إنهم يعترفون بمعاهدة الصلح مع إسرائيل عسى ترضى عنهم أمريكا كما رضيت عن أساتذتهم بني بديع الذين يستأسدون الآن ليس دفاعا عن الشهداء أو الأعراض المثلومة لنساء الوطن، بل دفاعا عن "حقهم" البرلماني كأغلبية كاسحة في تشكيل الحكومة القادمة ، وكانوا من وقت قريب يقسمون بالله أن الأخوان لا يطلبون الحكم، وكنت - مثل غيري من السذج - أصدقهم ، قائلا ً: أنهم كسياسيين محنكين، لابد أدركوا أن السلطة لم تعد تغري في ظل الانهيار الاقتصادي الحالي .. فأنىّ لهم أن يحققوا العدالة والتنمية اللهم إلا لو كانوا يستلهمون النموذج الباكستاني؟! وما أدراك ما النموذج الباكستاني ! إنه عدالة تقسيم الفئ ( = حاضر الشعب ومستقبله ) بين الدبابات والكتاتيب، وهو تنمية القواعد العسكرية الأجنبية على أرض الوطن ، جنبا ً إلى جنب تنمية الطبقات الحاكمة دون غيرها ، مع تراتب ثقافة الاستغفال لباقي الطبقات .
إشكالية النموذج الباكستاني ؟
سيقول البعض أنهم في باكستان، تمكنوا من تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ، ونجحوا في إعطاء بعض السلطة للبرلمان و بعضا ً آخر منها لرئيس الوزراء بجانب تعزيز سلطة قائد الجيش مما أسهم في تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد، ليكن بيد أن ذلك الاستقرار جاء على حساب الديمقراطية كما يفهمها العالم المعاصر، فقائد الجيش الباكستاني – في نهاية المطاف - هو الذي يفرض السياسة العامة ويسيطر على مقدرات البلاد ثمة ، ولا أحد يجرؤ على معارضته. ولو أننا مضينا الحافر وراء الحافر خلف هذا النموذج – دون تعديلات حقيقية له - لحكمنا على ثورة يناير بالفشل الكامل .
ويبقى سؤال : ترى ما السبب فيما وصلنا إليه من أن النظام السلطوي الجائر باق في مجمل منظومة الحكم - وإن استبدل بالبذلة والقبعة الكاب والجلباب - بينما كتائب اليسار وفرق اللبرالية تقف شبه عارية إلا من ورقة التوت؟
سؤال لا بد له من إجابة .. هل السبب مؤامرة خارجية ؟ أم تجذّر دولة الاستبداد الشرقي في التربة المصرية بثقافتها المضللة ؟ أم هو ضعف خبرة الثوار واخضرار عودهم؟ لابد من سبب يذكر يا ناس قبل أن يطير العقل بددا . أم ترى العقل العربي لا يعبأ أصلا ً بقانون السببية ، منذ أنكره أبو حامد الغزّالي من قرون لصالح أدبيات التبلد؟ ليكن ذلك كذلك أو غيره ، ولكن ما الحل ؟
الحل أن يسقط قلبي في ثقب الكون الأسود، عسى الانفجار العظيم القادم يعيده للبداية فيحتاز القوة من منابعها ، رابطا ً بين النتائج والأسباب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحذر لا يمنع القدر
فهمي داوود ( 2012 / 3 / 20 - 17:10 )
هذه هي أقدارنا يا دكتور مهدي . إما أن يحكمنا القوميون بالمعتقلات والتعذيب وإما العسكر بالأمر وإما الاخوان بالخديعة والمكر في ثياب التدين
الظروف اموضوعية ما زالت غير ناضجة للديمقراطية التي تنشدها فاصبر صبرا جميلا والله المستعان

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -