الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناؤنا في الفلوجة

يحيى الأمير

2005 / 1 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


فتح المشهد العراقي ابواباً واسعة لأن يتم تلقيه وفق مصفوفات التلقي السابقة التي حولت الشهادة والجهاد سوقا شعبيا وجد من يقف مناديا على بضاعات الفتاوى المجانية ووفق أنماط التهور والمجازفات التي هي جزء من الذهنية الإسلامية التقليدية .. واشتعلت الجبهات على أشدها حاملة لافتات وعناوين مستنسخة تماماً من مثيلاتها السابقة في افغانستان.. وفتح قاموس.. العزة - الشرف - الفداء - التضحية - الشهادة - الجهاد - النفرة - الرباط - المناصرة وغيرها.. لتبدأ حالة الحض والتهييج التي جاءت على أذهان جاهزة ومستعدة لحالة معينة من التلقي المنساق والمرتهن والاعمى.. والذي تمنحه تلك العناوين والنصوص المرتبكة اصلاً حالة من الخدر واستثمار العاطفة لتجده بعد حين قنبلة بشرية تبحث عن ساحة أو تجمع أو منزل لتنفجر فيه وتتعدد شظاياها بتعدد سدنة هذا الويل النظري وباعته.

حدث ذلك بالفعل.. شباب سعودي يكسر دوائر حياته الآمنة والمطمئنة والرغدة والطبيعية، ويترك مشروع حياته وما يتبعه من عائليات وذكريات وآمال علقت عليه.. وينسلّ من كل ذلك عقوقاً ليتجه إلى الموت.. تؤزره أفكار الخلاص ومجازات الشهادة..
قصص متعددة تروى في هذا الصدد تكشف عن حجم الألم الذي خلفه هؤلاء الذاهبون لأهاليهم ولأسرهم.. بل ولوطنهم.. وقد عثرت في سياق بحث عن هذه القصص.. اما من مصادرها أو منقولات يتناولها الناس.. كلها تشير إلى فجيعة خلفها هؤلاء الشباب.
وجوه الأمهات وحسراتهن وبكاؤهن الدائم خير شاهد على فظاعة هذه المشاهد، أمُ لم تنم منذ أشهر.. حين اختفى ابنها ليجدوا بعد اسبوعين من البحث رسالة تخبرهم انه ذهب إلى العراق.
شاب يأخذ زوجته الحامل إلى بيت اهلها في ثاني أيام العيد لتسلم عليهم ثم يعود اليها.. فيتجه من فوره إلى غياب طويل.. يهاتفهم بعد اسبوعين ليقول بانه «مع الأخوة في الفلوجة»،
امرأة بطفلة على الأرض وجنين في جوفها يتغشاها قلق غياب زوجها لأيام ليأتيها احد اشقائه ويخبرها انه هاتفهم من الفلوجة.. ذاهباً لنصرة «اخوانه المجاهدين»
شيخ طوقته السنون الطويلة وهو يربي أبناءه ليفجع باثنين منهما نفضا يديهما من آماله وتعبه وسمع بهما انهما دخلا إلى العراق عن طريق بلد عربي مجاور.. عائلات يظلها صمت مطبق وحشرجات موزعة على الجميع وهي تحاول أن تلملم صدمتها في ابنها الذي يتّعب عن الموت.. كما نقبوا له طويلاً عن حياة أفضل ومعيشة أفضل.
وقد فتحت «الفلوجة» كثيراً من ذلك.. ليس كمنطقة.. بل كفكرة.. أربطها ابتداءً من حالة المقاتلين وانتهاءً باسم البلدة.. حيث كانت هذه العوامل حافزاً عاطفياً جرّ الكثير من الشباب إلى ذلك الطوفان اليومي من الموت الذي لم يفرز الا دماراً..
هؤلاء الشباب خرجوا من بلدهم مسالمين ولم يحدث أن اشتركوا في أي عملية في الداخل السعودي.. تماماً كما هو حال الذاهبين القدامى إلى افغانستان.. لكنهم ما أن عادوا حتى كان الداخل السعودي الآمن هدفاً لهم وبدأوا يمررون كل أفكارهم وأحكامهم لتنسحب على الوطن، وتعالت أصوات الانفعال والتكفير والانكار لتنتهي إلى مشاهد الدمار في غرناطة والمحيا والوشم والخبر وينبع وجدة.. ولن تختلف التجربة الآن عن الحالة السابقة.. فالذين ذهبوا إلى الفلوجة لم نسمع عنهم شيئاً من قبل بل انهم خرجوا من حياة أقرب ما تكون للعادية.. الا انهم حين يعودون.. ستكون حالة الهياج النظري أتت على كل ما مامهم.. استجابة لاعادة التأهيل التي يتم انجازها في الجبهات.. ولأن الظرف القتالي الذي هم فيه منفلت اصلاً فإن حالة الانفلات تمتد إلى ما هو أبعد، بل ان في العملية التي كانت تستهدف القنصلية الامريكية في جدة ثبت أن أحد منفذيها كان ذا صلة بشكل أو بآخر بالعراق.. اما ذهاباً أو استعداداً للذهاب، مما يعني أن كل الذين ذهبوا.. لم يكتفوا بذلك الدمار النفسي الذي خلفوه في نفوس آبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم.. بل انهم مرشحون وجاهزون لأن يعودوا حَمَلة للدمار والموت ويسكبونه ذعراً وجريمة في أيامنا وليالينا.
وأمام تقارير تشير إلى ظهور متعدد لسعوديين في العراق.. وهو ظهور اشتد في الفترة.. الفلوجية.. في دليل على لا مشروع تؤديه تلك الجماعات.. فلا الفلوجة دولة لتحررها ولا هي بدين ولا عرق أو اثنية.. فكان الالتحاق بها التحاقاً بجيب مقاومة فقط.. وهو الالتحاق الذي غذته ظروف ومحفزات واسعة..
وقد كشفت تقارير ومواد اعلامية عن ظهور سعوديين بشكل ليس بالقليل في الفلوجة انخرطوا في تجمعات وتنظيمات متعددة.. فقد أظهرت أشرطة فيديو سعوديين دلّت على سحنتهم، أو لهجتهم حين يكونوا ملثمين وهم يستعدون لعمليات انتحارية أو ينفذون بعضها بالفعل، ولفتت نيويورك تايمز في لقاء لها مع لبناني عائد من العراق النظر إلى المقاتلين القادمين من دول الجوار وخاصة من السعودية، وفي نهاية الشهر الماضي تناقلت وسائل الإعلام وصحف عربية ومحلية تصريح وزير حقوق الإنسان العراقي بختيار أمين حول عدد 335 معتقلاً من المقاتلين العرب موضحاً أن بينهم 59 سعودياً بالإضافة إلى 130 آخرين يجري البحث عنهم.. وفي آخر قائمة نشرتها سلطة الائتلاف المؤقتة على موقعها على الانترنت ظهر عدد 11 سعودياً معتقلاً على خلفية عمليات ملاحقة المسلمين التي تقوم بها القوات العراقية وقوات التحالف، والى هذا تضاف عشرات الاخبار والتصريحات عن سعوديين تورطوا في اعمال عنف في مختلف ارجاء العراق.
ومما تجب الاشارة اليه في هذا الصدد هو الموقف السعودي الرسمي من خلال تصريحات عديدة كان فيها واضحاً وصارماً ومحدداً وبأن من ذهب الى العراق انما ذهب للاضرار بنفسه ولقتال اخوانه ولامساعي لاسترداده، او بحث عنه.. إلا من عاد منهم مسالماً فهو في مأمن.
والحالة تقتضي بالفعل متابعة حقيقية للعائدين بذات النموذج القتالي والرؤى المطلقة، فلن يعودوا الا كما عاد اسلافهم من افغانستان، وسيشكلون قلقاً طويلاً حيث لم تمنحهم افكارهم والاجواء التي استتبت فيها لهم افكار القتل المطلق والاعتناقات السافرة لكل ماهو دموي وعنفي الا تصرفاً ارهابياً كالذي نشهده الان، بل ان دلائل هذه المشاهد قد بدأ بعضها في الظهور كما في حادثة جدة سالفة الذكر.
في تدليل على ان التطرف والارهاب فكرة وعقيدة تتغذى وتنمو في الاجواء المهيأة لذلك وبالتالي لاتفرق بين الأماكن والأزمنة لكن يظل المشهد الاكثر ايلاماً ان يتحول هذا الشاب اليانع عمراً وحيوية من مشروع وطني الى قنبلة بشرية يسعى بها لتكوين عنوان بليد للصورة المنتظرة والمأمولة للسعودي شاباً تحمّل مشروع حياته ووطنه بدل اراقة عمره فداءً لهياج عاطفي او تلبية لفتوى مفتعلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال النائب الفرنسي الذي رفع العلم الفلسطيني في الجمعية


.. لا التحذيرات ولا القرارات ولا الاحتجاجات قادرة على وقف الهجو




.. تحديات وأمواج عاتية وأضرار.. شاهد ما حل بالرصيف العائم في غز


.. لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية تعقد اجتماعها الخام




.. إياد الفرا: الاعتبارات السياسية حاضرة في اجتياح رفح