الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملائكة تبكي في أول الليل يا أبي-

وليد حماد

2012 / 3 / 21
الادب والفن



"أنا لم أحُب البكاء يوماً ولكني الآن بثُ أعشقهُ"
هكذا قالت الأشجار للعصافير حينما هز الخريفَ أغصانها ليلاً ونامت "

في كلِ مرة كان القمر يفاجئنا بنُوره الاعتيادي ونحنُ نبني من قلوبنا الهرِمة مُدناً وبيوت نرحلُ عنها قسراً في زمنٍ لحظر التجول لنعود لزيارتها بعد زمن ونحنُ غريبين عنها ... كأُمٍ ضيعت طفلها وبعد عشرين ربيعاً عادت لتسأل عنه ..وعندما رأته لم تعرفه أبداً.. كانت عيوننا حين إذ تدقُ أبواب الشمس بعناقٍ ملغم. . بذكرى مازالت عالقة على أكتافنا..توقظنا من ضياعٍ طالت مدته, لم نكن نأبه بالذاكرة, لم نكن نصدق أصلاً أنه توجد ذاكرة أو أننا تركنا ذاكراتنا يوم رحلنا من هناك ,فأي عنوانٍ اليوم سينقدنا من ضياعٍ مُحتم داخل نواة حبرٍ مازالت تشهق والدتِها على حافة نص يلفظُ أخر أنفاسهُ ,سنلملم أشلاء غربتنا في حقيبة ليست للسفر ونعبُر من شغبٍ إلى أخر لكي نعود إلى مدينتنا التي تركنها قسراً منذُ زمن ..لم يكن الألم وحده دافعنا للعودة ..لم تكن الذاكرة أيضاً ..لكنه كان الحنين لروحكِ أيتها الجميلة المعجونة من حبٍ وتعب ,سنربتُ على كتفِ الليل ,سنخلعُ معطفنا القديم وسنشعل عيوننا التي شاخت من المنفي ,سنُحضّر إفطاراً شهي يجمعنا, ونجلس على طاولة طالما اشتاقت لضمنا ودفئ أحضاننا وأحاديثنا الصباحية وضَحكاتنا التي لا تنتهي ,سنضع الأكواب على التوقيت القديم التي عودتِنا عليه,سنولمُ إفطاراً شهي من الفول والحمص الفلسطيني, سنشتم رائحة الخبز المعجون بدموعكِ المتبلة بالحنين, إلى أن تأخذنا الذاكرة بزيارة لقصيدة كتبها درويش يوماً " أحنُ على خبز أمي " سنعدُ شاياً معطر وندعو الجيران لتناوله معنا , وبعد الانتهاء سنغسل أروحنا بقُبلة من جبينكِ أيتها الطاهرة ..كان الحنين أقوى منا جميعاً هذه المرة حينما أخدنا بزيارة للقدس ليُخرجنا من طغيان القهوة التي شربناها هناك سوياً ذات صباح , لم تترك لنا بنادق الجيش مُتسع لكي نتجول بحرية داخل شعابٍ طالما عشقناها وطالما اشتقنا لضمها , لم يُسعفنا الوقت حينما وصلنا ,فسرقتنا رُصاصاتهم الخائنة قبل أن ندوس باحة المسجد ونصلي ونتلو القرآن والإنجيل عند بابها , لم أستطع يوماً أن آخذ حُصتي من أبي , من العتبات التي هجرها أهلي من الأعلام الملوحة على نوافذَ حارتي.. لم استطع يوماً أن آخذ حصتي من الله في لحظة شوقٍ صاعدة إلي السماء ,أنا لم أعترض يوماً على قدري ,على باروده شراها لي أبي سراً في عيد مولدي الأول ..! وحين كبرتُ وكبرت معي الذكرى لم يُمهلني العالم الوقوف قليلاً قُرب ضريح أبي فتناولت عُهدتي ,حينما أضحت كل البلاد و الأوطان عُهدتي.!, أيمكن لصلوات الخُبز المتماهي في الغياب أن تُعيد لي أبي بعدما رحل .؟؟ أيمكن لرائحة الجنون والموت المُعلن على بوابات العدل المشنوق على المآذن أن تُعيد لي بقايا حسابٍ تركتهُ من دموع طفولتي .؟تحول الحُب إلى شبحٍ ليلي يطاردُني كلما حاولتُ أن أستعيد ملامح الذكرى التي ضيعتُها يوم أُخرجتُ قسراً من وطني وأصبحتُ الآن أتيه كأي سائحٍ غريب يحمل من الفضول لمعرفتكِ أكثر ما يحمل من جنسية أجنبية تربِطهُ بأرضه .! فلسطين يوماً ما سيحملُني حنيني الجارف إليكِ على الرغم من الخطورة التي تتربص بروحي أينما وطئت قدامي ,يوماً ما سيغمركِ العابرون بِحُبهم وحنينهم وسيتبادلون الهمس والغيظ عند أول قدمٍ تغادر المكان , وستشتاقين أنتِ لضمُهم جميعاً إلي صدركِ لسببٍ قد يكون هزيل وسخيف بالنسبة لبعضهم ولكنه عظيم جداً بالنسبة لي هو أنكِ أمهم جميعاً والأكثر قدرة على ارتداء جميع ألامهم وأحزانهم في لحظات ,هذا هو السبب الذي يُجبركِ على متابعة مشوار الحنين إلى أولئك العابرين الذين تخلوا عنكِ عندما كُنتِ بأمس الحاجة لكلمة واحدة منهم تُشعركِ بالأمل أو حتى برائحة الحب المعجون بتُرابكِ المغلف بابتهالات الخطايا والدموع ! , سأنسحبُ الآن من شبابيك البيوت، وقصص الحنين الصباحية قبل أن تنهض الملائكة في منتصف الليل وتعاود البكاء إن لم تجدني بقربها! هكذا أنهت حديثها الأشجار بعد أن بُح صوتها وهي تُغني لصغار العصافير لكي تنام ..!!!

وليد حماد

19/3/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا