الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا قويا ممسكا بالسوط في كفه.. والحب يدمي مدمعك

مجدي مهني أمين

2012 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


هذا البيت من قصيدة كتبها قداسة البابا شنودة، تحولت إلى لحن عذب تجسد الحب المتبادل بينه وبين الخالق، ثم يأتي هذا البيت متوجا للقصيدة بأكملها حين يؤثرالخالق الحب والعتاب على زجرة العقاب.. صورة جسدها غاندي في كتابه “قصة تجاربي مع الحقيقة" حينما آثر أن يكتب لأبيه اعترافا بما اقترف من أخطاء، كانت فرائصه ترتعد وهو يقدم اعترافاته لوالده، وقرأ الوالد الورقة المقدمة له من غاندي، وهنا وفي صمت سالت دموع الوالد ، وسالت معها دموع غاندي، الذي تطهر بهذه الدموع مما اقترف، وفهم وقتها معني "الأهيمسا" –أي اللاعنف- الذي مارسه معه والده في هذه اللحظة.. يقول غاندي "كنت أظنه سيغضب مني ويسبني بكلمات جارحة ويضرب جبينه حزنا..."

ذكر قداسة البابا هذا البيت الآثر في عظة قداس عيد الميلاد، هذا العيد الذي جاء مخضبا بدماء الشهداء، شهداء ماسبيرو وقتها، وكان الغضب يعم كل مصر لما لاقاه الشباب من سحق تحت جنازير دبابات القوات المسلحة، وتفاقم الغضب من مشاركة أعضاء من المجلس الأعلى في حضور قداس العيد وهم المسئولون عن تلك المذبحة، واستقبلهم البابا، تحمّل غضب أبنائه، وجاءت عظته وديعة، وكأنه يخفف الوطأ على أعضاء المجلس، جاءت كلمته موجهة للشعب أكثر من أن تكون موجهة لأعضاء المجلس.
تحدث قداسته عن رسالة المسيح في أن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى، وأن الخطاة مرضى ينبغي الاهتمام بهم لكي يخلصهم من خطيتهم، ليس موقفه منهم أن يعاقب أو أن ينتقم لكسرهم للوصايا. ثم تحدث عن المسيح الذي عاقب ولكن بطريقة لطيفة رقيقة ليكسب بها الخاطئ، وهنا ذكر قداسته هذا البيت الذي كان يخاطب فيه المسيح عندما طرد الباعة من الهيكل:

- "يا قويا ممسكا بالسوط في كفه.. والحب يدمي مدمعك".

أي أنه حتى عندما يمسك بالسوط، تغلبه المحبة.. كأن قداسته، في هذا الوقت العصيب، كان يتحدث عن التسامح، كان يذكّر الشعب أن الله يمنحنا نعمة الغفران، لأنه يريد صلاحنا وهدايتنا. وهدايتنا هنا في أن نسترد صوابنا ونتحرر من العنف، ونعانق من نظن أنهم أعداؤنا، وتدمي عيوننا بدموع كالتي غمرت غاندي؛ دموع إعلان طهارتنا من كل ما اقترفنا، وإعلان إقلاعنا عن كل عنف وزجر وكراهية وقتل وسحق.

حكمة البابا غلبت جروحه في هذا العيد، غلبت جروحه مع كافة الصدمات من نجع حمادي والإسكندرية وأطفيح وإمبابة والمريناب وماسبيرو، لم يشهر في أي مرة سلاحا في وجه ظالميه، كان يصمت كي يتكلم الله، وهذه لم تكن دعوة للانتقام السماوي، ولكن دعوة لهداية السماء، كي يعود الخطاة إلى رشدهم، وأن يسمعوا همس الروح، دون ضوضاء المصلحة أو الكراهية، ويتوبوا عما يقترفون من أفعال، ويردون للمواطنين حقوقهم، وللوطن أمنه وسلامه.

قَبِل البابا أن يكون كبش فداء ممن يرفضونه من هذه التيارات التي جرحته، وتلك التي استكثرت أن تقف دقيقة حداد إكراما له، والتي خرج بعض ممثليها ودعاتها، يصفونه –حتى قبل أن يواريه التراب- بصفات قاسية مؤلمة، قبل هجوم هؤلاء، كما قَبِل غضب الأبناء، قَبِل أن يُصلب من الجميع كي يحفظ لمصر وحدتها، أدرك أن الوقت يتطلب حكمة الأقلية، فكان المحتمِل لكافة الصدمات كي لا تتصدع مصر.

إن كان البابا كيرلس راعيا غارقا في الروح، فالبابا شنودة كان راعيا غارقا في الوطن، يكثر من الذهاب للدير كي يمتلئ بالروح ليعود كي يغرق في الوطن من جديد، ليعود كي يُجْرَح مع من جُرِح، كي يبكي معهم جراحهم، ليعود كي يصمت كي يتكلم الله، أو كي يصمت حتى لا تتفاقم الجروح وتنال من وحدة مصر، مصر الحبيبة، مصر الوطن الذي كان يسكن قلبه.

لقد رحلت مع قداسة البابا حكمة رأب الصدع، ولعل الكنيسة في انتظار راعٍ حكيم مدرك لأهمية الحكمة في الحفاظ على الوحدة الوطنية، ولكن الكرة لم تعد في ملعب الكنيسة وحدها، فلابد أن تتوافر الحكمة لدى كافة الأطراف. آن الأوان كي نبني وحدتنا الوطنية هذه المرة على أساس العدالة بعد أن نجحنا في الحفاظ عليها بالمزيد من التعقل الذي لم يخلو من ألم، ولا من دموع. وقد أوضح الدكتور رفعت السعيد هذا المعني في مقاله بالمصري اليوم تحت عنوان "فمتى تفى بوعدك يا سيدنا؟"حين قال:
- . يأتى رحيله –أي البابا شنودة- فى زمن صعب تسود فيه الحماقة مصحوبة بنوازع شديدة التطرف، فليحذر الجميع، فمانعة الصواعق –أي البابا – قد رحلت. ليحذروا فقد يتفجر الوضع كله لأن اليد التى كانت لحماية مصر من حماقات البعض قد رحلت. (أنظر الرابط الأول)

جسد ذات المعني كاريكاتير يمثل مصر تنادي البابا قائلة: سايبنا ورايح فين في الظروف الصعبة دي!! ويرد البابا وهو يستعد للانطلاق: ربنا موجود!! (أنظر الرابط الثاني)
نعم قد رحل البابا فلنستبدل التعقل بالعدل، ولنوزع الحكمة علينا جميعا، وعندما نتحلي بها سنتحدث لغة واحدة أسمها مصر، وقد ننجح في أن نسترد جميعنا رشدنا ونتصرف بطريقة تعلي مصلحة الوطن.

لقد حقق البابا شنودة المعادلة حين أخلي قلبه من أي تعالٍ على أحد. حين ترجم إيمانه إلى رغبة في اللقاء والامتلاء بروح الله ، ثم أخلى قلبه ليمتلئ بحب الناس من كل الأديان، فأحبه الناس من كل الأديان: فاض عليهم، وفاضوا عليه..
فليكن لنا في البابا قدوة في أن نخلي قلوبنا وندعها تمتلئ بنور ما نؤمن به، وأن تمتلئ قلوبنا بمحبة الناس- فكل البشر سواء- وأن نفكر معا كراشدين يسعون لبناء الوطن، لا لتدميره تحت وطأه التمييز والتعالي.

فالأوطان تبني بالتلاقي بين الناس، وتتصدع عندما يحتدم الصراع بينهم.. رحل من كان يضع الصراع عن حده الأدني، فهل بقيت لدينا رغبة في التلاقي كي ينام البابا مستريحا مطمئنا.

- الرابط الأول: رفعت السعيد، فمتى تفى بوعدك يا سيدنا؟، المصري اليوم، 18 مارس 2012
http://www.almasryalyoum.com/node/719771

- الرابط الثاني: كاريكاتير مرتضى
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=369762713046375&set=a.346932345329412.76782.213062235383091&type=1










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين