الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرلمان آخر ورقة فى يد الثورة المضادة

صلاح السروى

2012 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


برلمان يجعل من نفسه منبرا للهجوم على رموز الثورة ويصف الثوار بأنهم مأجورون ومتعاطون للترامادول والحبوب المخدرة ويضم بين جنباته من يعتبرون أن قتلى استاد بورسعيد لايستحقون لقب شهداء , وينشغل بسن قوانين تعادى الحريات والحقوق المدنية والاجتماعية .. هل يستحق لقب برلمان الثورة؟؟
أم أنه ليس أكثر من ورقة فى أيدى الثورة المضادة تستخدمها لتعويق الثورة واجهاض حلم جماهيرها فى الحرية و الديمقراطية؟؟

منذ اندلاع أحداث الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير 2011 لم تتوقف القوى المضادة للثورة (المتمثلة فى بقايا النظام السابق وعلى رأسها جهاز الشرطة والمجلس العسكرى) عن تدبير المآزق والأزمات التى من شأنها اعاقة حركة الثورة وتحويلها عن مساراتها ومنعها من الوصول الى أهدافها. وفى سبيل ذلك جربت هذه القوى كل الوسائل والفعاليات الممكنة .. بدءا من افتعال الفتن الطائفية المتنقلة: من امبابة الى أطفيح الى الاسكندرية .. الخ, وافتعال الأزمات التموينية المتوالية: من البنزين الى السولار الى اسطوانات الغاز, والانفلات الأمنى المقصود والمحسوب والمتجدد وقتا بعد آخر. وقبل ذلك وبعده العمل على اضعاف معسكر الثورة وشق صفوف الجماهير الثائرة, عن طريق الهائها بانتخابات بدون دستور, واستقطاب بعض القوى الانتهازية الدينية والمدنية بالتلويح لها ببعض المكاسب واقتسام غنائم السلطة, وصولا الى ملاحقة شباب الثوار بالاعتقال والمحاكمات العسكرية والتعذيب وكشوف العذرية !!, وارتكاب المجازر: من ماسبيرو الى شارع محمد محمود الى مذبحة ستاد بورسعيد.
بيد أن هذا كله لم يستطع اطفاء نيران الثورة, بل ربما عمل على تأجيجها واتخاذها أساليب وأشكالا جديدة, ففضلا عن استمرار فعاليات وتحركات شباب الثورة واتجاهها بصورة أكبر نحو التنظيم والنضج السياسى, فان هذه الأشكال الجديدة قد تمثلت فى تأجج الحراك الطلابى والعمالى على نطاقات واسعة, وازدياد معدلات الاضراب والاعتصام والاحتجاج التى تقوم بها الحركة الطلابية والطبقة العاملة. وكذلك فى عودة شباب الأولتراس (مشجعى الأندية الرياضية), وهم شريحة لايستهان بها بأى حال من الأحوال, بقوة ووعى الى صفوف الثورة.

وكانت الورقة الأخيرة التى لجأت اليها قوى الثورة المضادة هى العمل عن طريق حلفائها الجدد من قوى الاسلام السياسى التى تشكل الأغلبية فى البرلمان على اصدار ثلة من القوانين التى تفوق فى عنفها وغرابتها, حتى الآن, ترسانة القوانين سيئة السمعة التى سنتها برلمانات فتحى سرور فى عهد الرئيس المخلوع. فهناك قانون "حد الحرابة", الذى اقترحه النواب المتأسلمون فى مجلس الشعب, والذى يستهدف من يقطعون الطرقات العامة, ويصل فى قسوته الى درجة قطع الأيدى والأرجل من خلاف!!! والصلب بعد الموت !!! فى حق من يعتبر قاطعا للطريق. وكأن حالات العنف الاجرامى وقطع الطرق ناتجة بالتحديد عن غياب هذا القانون الذى لم يطبق فى مصر منذ العصر العثمانى !!. وكأن القوانين الحديثة الحالية غير كافية لردع هؤلاء الخارجين على القانون !!, حيث يحق لأى مراقب أن يتساءل: كيف كانت اذن تردعهم هذه القوانين (الوضعية) من قبل ؟؟ بل كيف وصلت بمصر على مدى فترات طويلة من تاريخها الحديث الى مستويات مرتفعة ومشهود بها عالميا من الاستقرار الأمنى وتراجع حدة الجرائم قياسا ببلدان أخرى بدون حد الحرابة هذا؟؟. حيث يبدو الأمر, وقد تم تشخيص المشكلة على هذا النحو, وكأن الشرطة غير متقاعسة وغير متواطئة وتقوم بعملها على الوجه الأكمل !!, وكانها ليست هى الراعية الرسمية لكل هذا الانفلات الأمنى !! رغم أنها هى التى تمتلك قاعدة بيانات ضخمة لكل المسجلين والخارجين على القانون وتستطيع ردعهم والقبض عليهم فى ساعات. ولقد تجلت بوضوح هذه القدرة على ضبط الأمن ابان فترة الانتخابات البرلمانية للمجلسين, ولم تقع حادثة عنف واحدة. وانما المشكلة (هكذا يريدون تصديرها) تكمن فى الشعب الذى أصبح فى حاجة الى جرعة أكبر من الردع والقمع.

ان الهدف من هذا القانون, اذن, ليس ضبط الأمن أو القضاء على الجريمة كما هو واضح .. ولكن الهدف الرئيسى, وان كان غير معلن, هو تسليح السلطات بعقوبات رادعة ووحشية على هذا النحو فى مواجهة أى خروج سلمى عليها أو احتجاج على سياساتها, وأن تكون هذه العقوبات محصنة معنويا من الانتقاد بدعوى أنها عقوبات شرعية الهية تنطلق من الشريعة الاسلامية ولايجوز نقدها أو الاعتراض عليها. وذلك لتحقيق عدة أهداف فرعية:
الأول : هو تحقيق حلم جماعات الاسلام السياسى بتطبيق ما يعتبرونه الشريعة الاسلامية, والتى لاتساوى, عندهم, أكثر من حصان طروادة الذى سيمكنهم من الاستيلاء على السلطة فى أهم دولة عربية وشرق أوسطية وافريقية. وهو الأمر الذى يعنى الكثير جدا بالنسبة لطموحهم الشخصى فى التحول الى حكام وأمراء, وربما خلفاء كما يعلنون أحيانا ويخفون فى أكثر الأحيان. وكذلك الأمر بما يمثله من أهمية استثنائية على المستوى الجيواستراتيجى, سواء بالنسبة لدول الجوار الداعمة لهم مثل السعودية وقطر, التى تعمل طوال الوقت على اضعاف مصر على كل المستويات وتحويلها من دولة قائدة ومؤثرة, بما لها من ثقل بالغ التأثير ولا يمكن تجاوزه على كل المستويات, الى دولة ضعيفة وممزقة ومتخلفة وتابعة, وقد أخلت موقع القيادة ليحتله من يظنون أنهم بقدراتهم المالية المحدثة أحق به.
ويمثل صعود قوى الاسلام السياسى هذه الأهمية الاستثنائية نفسها بالنسبة للدول والقوى الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل التى تحاول, عن طريقهم, انفاذ مشروع الشرق الأوسط الطائفى العرقى المفتت والمتطاحن المتحارب بين مسلميه ومسيحييه وشيعته وسنته وعربه وكرده .. الخ.
الثانى: هو التغطية على جرائم المجلس العسكرى وجرائم النظام السابق وتفجير قنابل الدخان للتعمية على محاولات انقاذه من المحاكمة الجدية والحكم عليه بأحكام تتناسب وما اقترفه من جرائم الخيانة العظمى فى حق البلاد. بحيث تتحول المعركة من أن تكون معركة بين شعب ثائر ونظام فاسد ومستبد آن له أن يدفع ثمن جرائمه ويصبح نظاما سابقا لاوجود له ولانفوذ أو تأثير لأى من فلوله, الى أن تصبح معركة بين متأسلمين ظلاميين وأنصار الدولة المدنية.
الثالث هو قيام المجلس العسكرى بمعاودة الكرة واستخدام الآلية نفسها التى اعتمدها مبارك طوال فترات حكمه, فى تفتيت وتقسيم الشعب المصرى عن طريق اللعب بورقة الطائفية وفزاعة التطرف الدينى الذى يؤدى الى خلق الكتلة الخائفة المرعوبة, التى تتكون من أقليات دينية كالمسيحيين وقوى سياسية كالليبراليين وشرائح اجتماعية كرجال الأعمال والعاملين بالسياحة .. الخ. والتى تلوذ , من ثم, بالسلطة الحاكمة, وهى هنا المجلس العسكرى, لحمايتها والذود عنها.
وهنا يكون المجلس العسكرى قد وجد مخرجا من أزمته السياسية الخانقة التى ورط نفسه فيها بأن أصبح يقف فى مواجهة شعبه والتى أدت الى فقدانه الكثير من رصيده المعنوى ورأسماله السياسى التاريخى. ويكون أيضا وفى الوقت نفسه قد حقق وضعا أكثر مواتاة لما يتوخاه من دور سياسى يتمثل فى تحوله من طرف متخبط غشيم الى حكم مؤثر بين القوى السياسية والاجتماعية ورمانة الميزان فى ما يتعلق بتحولات العلاقة بينها . وهو ما يتيح له فرصة الحفاظ , من ناحية أخرى, على ما أنجزه من حضور وهيمنة على المقدرات السياسية للبلاد طوال الستين علما الماضية.

ويتأكد هذا التصور, حول الوظيفة المضادة للثورة التى يقوم بها هذا البرلمان, عندما يقترن ويتزامن اقتراح قانون الحرابة ذاك الذى سبق الحديث عنه, مع اقتراح لقانون آخر يكاد يمنع التظاهر والاجتماع السياسى بشكل كلى مالم توافق جهات الادارة فى وزارة الداخلية. وكأن التظاهر والاجتماع السياسى يمكن أن يتما برغبة الادارة التى يقوم التظاهر أو الاجتماع ضدها واحتجاجا على ممارساتها وسياساتها على التحديد. حيث يشترط هذا القانون ضرورة الابلاغ عن المظاهرة أو الاجتماع قبل عقدهما بثلاثة أيام على الأقل وحق مندوبين عن قوات الأمن فى حضورهما ويعطيهم الحق فى الأمر بانهائهما اذا رأوا ضرورة لذلك. وبالمناسبة فان نظام مبارك فى عز اصطدامه بقوى المعارضة الشرسة التى واجهته من كفاية و6ابريل وباقى القوى الوطنية واضرابات الطبقة العاملة والفلاحين (وهى المعارضة التى مهدت الطريق وحددت المسار الذى قامت على أساسه وعلى هدى خبراته ثورة يناير), لم يجرؤ على طرح مثل هذا القانون على أى نحو, وهو الذى كان يمتلك فريقا كاملا من ترزية القوانين الذين يمكنهم تفصيل أى قانون بحسب المقاسات المطلوبة دون أية زيادة أة نقصان.

وتتوالى الاقتراحات بقوانين والتى تؤكد ماذهبنا اليه, حيث تم اقتراح قانون آخر يقضى بالعفو العام عن الجرائم السياسية التى تم اقترافها منذ عام 1981, وهى الفترة التى حكم فيها الرئيس المخلوع وزمرته الفاسدة. ويأتى هذا القانون بالتحديد ليمثل شكلا من أشكال التواطؤ والمصالحة بين عناصر النظام السابق التى تسعى القوى الثورية الى محاكمتها وادانتها سياسيا على ذمة الجرائم التى ارتكبت فى حق الشعب المصرى .. وقوى الاسلام السياسى التى ارتكبت بعض عناصرها جرائم ارهابية أو سياسية وتم سجنها والحكم عليها بعقوبات الحبس والحرمان من حقوقها المدنية. ومن هؤلاء عناصر من الجماعات الاسلامية وتنظيم الجهاد, وعناصر من الاخوان المسلمين وعلى رأسهم خيرت الشاطر وهو شخصية بالغة الأهمية فى بنائهم التنظيمى. هكذا تتضح أوجه التحالف غير المقدس بين قوى الاسلام السياسى وقوى وفلول النظام الذى لم يعد سابقا بعد, بل لازال يحكم ويتحكم ويحوك المؤامرات ويضع العراقيل فى طريق هذه الثورة. وهنا لابد من ذكر قانون آخر أصدره المجلس العسكرى (هذه المرة) بليل وبعد انتخاب البرلمان ولكن تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ سابق ليكمل دائرة التآمر والتواطؤ ضد الثورة, حيث تم الاعلان عن قانون يقضى بامكانية التصالح مع رجال الأعمال اللصوص الذين قاموا بسرقة ونهب ثروات البلاد, وذلك بعد أن يعيدوا ما استولوا عليه مقابل الافراج عنهم وخروجهم من السجون !! وكأن المجرم يمكن أن يسقط عنه الجرم بمجرد اعادة ما قام بسرقته خاصة اذا لم يكن ذلك تطوعا وانما كرها واجبارا. وحتى لو تمت اعادة كل ماتمت سرقته, وهذا أمر مستحيل, اين الردع الذى يمكن أن يمنعهم أو يمنع غيرهم من تكرار المحاولة؟ وأين حق المجتمع فى القصاص ممن سرقوا مقدراته وعطلوا نموه وجعلوه فى ذيل العالم ؟؟
العجيب أن البرلمان الذى تم تجاوزه وتم الحط من شأنه بفظاظة وغلظة بهذا الصنيع لم يقم بأى اعتراض جدى عليه, ولا أظن أن صمته دليل موافقه بالضرورة, ولكنه دليل تواطؤ بالتأكيد.

واذا أضفنا الى كل ذلك تلك التصريحات التى تخرج بين حين وآخر على لسان رموز هذا التيار المتأسلم فى البرلمان, حول ضرورة مراجعة قوانين الأحوال الشخصية التى ردت للمرأة بعضا من حقوقها, مثل قانون الخلع الذى يعطى المرأة حق الطلاق من زوجها اذا أساء معاملتها. بحجة أن تلك هى قوانين (سوزان) وأنها من مخلفات العهد البائد !! واذا أضفنا أيضا بعض التصريحات الساعية الى تقييد حرية الابداع ومحاصرة الفنون.. وغير ذلك ممالم يتم الافصاح عنه بعد (فالمتأسلمون يمتلكون ترسانة كاملة من التشريعات المتخلفة التى ينسبونها الى الشريعة والاسلام) .. فان دائرة الانقضاض على الثورة وأهدافها ومبادئها فى الحرية والديمقراطية تكتمل وتتشكل على نحو بالغ النصوع والانكشاف , لنصبح أمام أداء يحتاج بذاته الى ثورة جديدة أظن أن أسبابها قد بدأت فى الاختمار وأن نذرها قد بدأت تلوح فى الأفاق .. خاصة وأن معركة الدستور على الأبواب ومن الواضح أن قوى الاسلام السياسى قد غرتها قوتها العددية فى البرلمان وقامت بتمرير تصورها عن اللجنة المنوط بها اعداد الدستور الجديد. فقد تم تشكيل اللجنة على أساس خمسين عضوا من البرلمان بغرفتيه وخمسين من خارجه. وحتى هذه الخمسين الأخيرة سيكون للأغلبية البرلمانية حق اختيارها. فتصبح قوى الاسلام السياسى هى التى تضع الدستور وحدها , وهو ما ينذر بأن يأتى على مقاسها ودون مراعاة للتنوع والاختلاف والتعدد الذى يقوم عليه المجتمع المصرى.
واذا تم الأمر على هذا النحو ستكون مصر قد دخلت طورا جديدا من الاقتتال وعدم الاستقرار وسيكون علينا أن نعيد الثورة مرة أخرى ولكن بشكل مختلف بالتأكيد هذه المرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو