الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام ظل ...

عباس يونس العنزي
(عèçَ حونَ الْيïي الْنٍي)

2012 / 3 / 21
الادب والفن


لم يكترث الناس إلا بالذي فقد ظله ، أماهو ، ذلك الظل المنسي الأخرق فليس سوى نكرة لم يعرف قط بملامح ترسم هويته رغم أن هامشا لنار الحياة قد اضطرم في سواد شكله ، وبقي موجودا في عالم الضوء والليل معا ، يرقص على إيقاعات تؤججها بواعث الجانب الآخر فانغرست في تكوينه الضوئي نصال الاحلام البعيدة المبددة .
قال بعض العارفين أنه كان وعيا مرسوما بلون واحد ومقيدا بغيره ، وآخرون قالوا أنه محض انتفاضة غريزية تحاول الانفصال والبقاء ، وقد حصل المستحيل ، إذ أن صدفة ما بلحظة ما حطمت ما يجب أن يكون ، فانفلت ذلك الأخرق إثرها من لصيقه في لحظة تمزق مفاجيء مريع ، ساعتها اُعيد ارتكاب الخطيئة ودنس الشجر المقدس وابتدأ زمن حرية غامضة حبيسة وكفراشة باجنحة من ألم مزق أساره المظلم ، أو هذا ما ظنه وارتمى في أحضان الترحال منطلقا الى حدود الزمن تملكه رغبة بالاستبداد دفعته الى تجربة عمياء لا تبصر فيها ، فكان جزءا من لعبة استهتار وخبل مثيرة ، بهرته الأنوار ودوخه ضجيج االمدينة وزحمتها وأخفته عن الأعين ، لكن احساسه بالوحدة كان ثقيلا ومرعبا ، وبين الفينة والأخرى يخضع لنوبة أشبه بنوبات الصرع ، وغدا مخيفا بالفعل ، وفكر أنه ضحية مأساة الوجود ، كان يتطلع للأشياء حوله إذ بدت كأكداس بلا قيمة وضاعت منها الحدود بين الحياة والموت ، فزحف هاربا من نقطة البدء ، ولأنه ليس إلا صدفة كونية لا تحدث في كل حين فليس هناك من يلحظه في تنقله بين الارصفة والشوارع و النفايات المبعثرة والبقايا التافهة إلا من لم يكن له ظل ، الشيطان ، هبطت عليه الفكرة كجيثوم لا استيقاظ بعده ، وراح الخوف يمتد في كيانه ويتغلغل في خطوط تشكيله الضوئي وفكر" من القرف أن أكون عبدا مرة أخرى ولمن ؟ لذاك المخلوق المتعوس المتغطرس الشرير " .
في أنحاء المدينة ، كان الليل ثوبا أسود تمزقه أضواء القناديل المحزونة ، وسكونه حطمته أقدام العابرين وهمهماتهم الحائرة ، ولم يكن للظل إلا لونه الأسود ، ومن المستحيل أن يكون له لون آخر فلم يعرف قط ظل أحمر او أخضر ، لم يدر كيف ينفذ عبر قفص الخوف الذي أحاطه ، أطلق أغنية وسالت روحه شعرا وصعد عبر الألوان القزحية الى الأفق ، تخفى ، تنقل بانشداده الى أجساد خادرة تطوقها أسوار جمال مثير أخاذ ، وأخرى لمدمدمين يستمطرون الألم ، وحتى الأشياء الموصوفة بالميتة كان له معها زمن لقاء ، غير أن الطريق استطال وامتد بعيدا نحو عالم اليأس والملل ، وأحس الطرق تتقطع امامه لتتجمع في مساحة يمر عبرها نحو خيار واحد وحسب ، وتأكد أن حريته ليست سوى هروب متعب مدمر وليس هروبه سوى ارتجاف ذبابة في نسيج عنكبوت محكم ، ولا مفر من أن يقتنصه ذلك الشيطان العنيد الشرس كأضعف فريسة ، فكر " لا فائدة لأذهب إليه في وكره وليكن ما يكون " ، وفي ليلة حالكة ، عندما أسر بغاة الليل الشمس ودفعوها خلف المدارات ، ففقدت بريقها الذهبي وغدت مثل رغيف خبز محترق ، ارتحل الى هناك ، الى الجزيرة النائية التي تعج بالدخان والصقيع ، وتحلق في مداها غربان يملأ نعيقها زوايا الخرائب في كل مكان ، سلك دروبا تعصف بها ريح متضاربة بلا وجهة محددة ، لا تشرق عليها شمس ولا تستبد بها ظلمة وتملأ فضاءها صرخات مكبوتة وصدى أصوات حادة متيبسة كالجثث القديمة ذات الأفواه الفاغرة ، وعندما وصل اندحرت كل فرص العودة ، إلا مع الشيطان .
وهناك في الوكر البارد حيث كل شيء محض صورة من صور الأفيون ، ذهل من منظر آلاف الظلال المرمية تحت أقدام الشيطان ، تتضرع له من اجل رحلة خاطفة الى هناك ، حيث الناس والدفء والأحلام ، كاد يصرخ بتلك الصور ( من أنتم ؟ وما أنتم ؟....) لكن الكلمات تدفقت منه سراعا ( من انا ؟؟ وما انا ؟ ...) .
نظراته اليائسة تسمرت عند ظل قديم كالزمن يعاني من سكرات التلاشي ، فملأت الأرجاء شهقات الموت المؤلمة ، حوله انكساره الى وجود من سأم ، ارتمى بين ظلين مطرقين ، فكر أن لا معنى لكل شيء إن هي إلا أوهام ، وأيقن بعبث كل ما فكر به وكذب ما كان يعيه ، فقرر أن يتلاشى ، فلن يكون أكثر من ظل أخرق منتحر ، ورويدا رويدا خاض ألم العدم ولم يعد موجود للأبد ......!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟