الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاركة الشاعر وليد هرمز في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع الأب يوسف سعيد

صبري يوسف

2012 / 3 / 21
الادب والفن


مشاركة الشاعر وليد هرمز في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع الأب يوسف سعيد


أبونا الشَّاعر يوسف سعيد مات، افتحوا الإنجيل

وليد هرمز

غادرَنا بكاملِ قيافته، بجُبَّتهِ الكهنوتيّة
ومضى حافياً إلى مَنْ حَمَلَ الصليبَ،
إلى مَن آمَنَ بهِ شاعراً ثم نبيَّاً
تصالَحَ بينَ موقعَتيْنِ:
موقعةُ الإيمانِ،
وموقعةُ الشَّكِ.
متأمِّلٌ حَذِقٌ
يضعُ فانوسَه في وسطِ الطَّريقِ
بين ناقوسِ يسوع، وناقوسِ الشِّعرِ.
فكم غاوٍ تبِعَهُ، وكم مؤمنٍ أحبَّهُ وصلَّى أمامَهُ
وتناولَ القُربانَ مغمَّساً بنبيذِ الشِّعْرِ.
بايعَهُ العامَّةُ كاهِناً من أتباعِ صاحبِ
كأسِ النَّبيذِ المُرِّ في عشائهِ الأخيرِ

ينشدُ لهم سيرةَ الآلامِ مغمِّساً في تلكَ الكأسِ
قِرْصَ القُربانِ ـ خُبزَ المُناولةِ الذي يُعجَنُ فطيراً
في كنيسةِ المنفيينَ في سودِرتاليا.
وبايعناهُ، نحنُ المُقرَّبينَ من طينةِ روحِهِ
ـ طينةِ الشِّعْرِ، شاعراً يقُصُّ علينا سيرةَ رؤياه
التي استقاها من نشيدِ الإنشادِ.
ما الذي يجمعُ كاهناً اتَّخذَ الكهنوتَ مهنةً،
بالشِّعْرِ الَّذي يوسوسُ بين سطورِهِ مخْيالَ الرُّؤيا؟.
أهو تعويضٌ عن المخيالِ الديني؟.
أجزمُ أنَّهُ كانَ يقرأ التَّوراةَ والإنجيلَ بروحِ الشِّعْرِ.

لقد خطَّ أولى حروفِ الشِّعرِ في كركوكَ مدينته الأثيرة على قلبِه ووجدانِه
تلك التي يصفها بـ "مدينةِ النُّورِ والنَّارِ". حتى احترقت أصابعَهُ المرتجفة
وهي تدوِّنُ غمغماتِ الرُّوحِ بالنَّارِ الأزليَّةِ المنبعثةِ من آبارِ "بابا كْرْكْرْ".
سبقنا إلى الشِّعرِ،
وسبقنا إلى المنفى، مؤمناً بأنَّ الشَّاعرَ الحقيقيَّ
ينتصرُ بشعرِهِ كلَّما تغرَّبَ حاملاً فانوسَ الغوايةِ
بحثاً عن مدينةٍ فاضلةٍ، عن مدينةِ "أينْ".

ومثلنا اضطُهِدَ في بلدهِ الأُمِّ، فقرَّرَ الرَّحيلَ ذاتَ يومٍ من أيامِ 1970 إلى بيروتَ، فعاشَ فيها عدَّةَ أعوامٍ إلى أن عثرَ عندَ منحدرِ جبلٍ على حذاءٍ مطاطيٍّ سميك، انتعلَهُ ومشى فوقَ ثلوجِ البحارِ حتى وصلَ ستوكهولم. فعاشَ في شُبهِ عزلةٍ إلاَّ من عزلةِ الشِّعرِ.
زارنَا قبلَ أعوامٍ بعيدة إلى غوتنبورغ. سهرنا معه بمعيّةِ شعراء آخرين منهم جليل حيدر وسلام صادق، ومحمَّد الحسيني، والمرحوم شريف الرُّبيعي. عندَ العشاءِ تناولَ بيدهِ رغيفاً وأخذَ يقطِّعه ويناولنُا ويقولُ:

"باركوا هذا الرَّغيف،
باركوا أمَّهُ الحنطة.
باركوا أصابعَ الخبَّازِ.
باركوا التنُّورَ.
نخبكم.

لم ينسَ أصدقاءَه، فقد كان يتفقَّدُنا دوماً عبرَ صوتِه الحنون الذي يأتي عبر الهاتفِ آخرَ اللَّيلِ.
سألهُ، مرَّةً، الشاعر عبد القادر الجنَّابي، كيف بإمكانكَ كتابةُ الشِّعرِ وأنتَ راعي كنيسة؟، فأجابَ: "على طريقتينِ نعرفُ اللهَ. اللهُ الذي نتعصَّب لهُ إلى حدِّ الإنتقامِ والدِّفاع عنه إلى حدِّ الانتحارِ وإبادةِ الآخرين. هذا الله لم أتعرَّفْ عليه بعد ... وحتى تتمتَّعَ بحرِّية اللفظةِ، وتحصلَ على لغةٍ مجنَّحةٍ، عليكَ أن ترتديَ تاجَ المحبَّةِ، وتتقمَّصَ إلهَ المحبَّةِ".

إذن، الشِّعرُ مسموحٌ لهُ أن يتمجَّد في بيتِ اللهِ.
وكما سبقنا إلى الشِّعرِ، سبقنا إلى المنفى،
وأخيراً سبقنَا فعبرَ البرْزَخَ
إنهُ الآنَ يجلسُ على كرسيه ملاكاً على أرضِ الينْبوسِ.
طوبى لأبونا الشَّاعر الجميل يوسف سعيد،
ولتتمجَّدْ كلَّ حروفِه التي خطَّها على جِلْدِ الحياةِ.


غوتنبورغ (يوتوبوري) 1 آذار (مارس) 2012
وليد هرمز
كاتب وشاعر عراقي مقيم في السويد ـ يوتوبوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض


.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية




.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف


.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف




.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال