الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 3 / 22
الادب والفن


مَن هو البطل؟
البطل كما قلتُ مرةً، هو الشخص الذي يقوم بفعلٍ يتخلى الجميع عن فعله، فهل ينطبق هذا التعريف على المدن أيضاً؟ وهل تملك المدن خياراً في أن تكون مدناً بطلةً أو تنزوي لتصبح مدينةً عاديةً تسيرُ فيها الحياة بروتين ما؟

أقرأ عن بطولات غزة في كل مكان، عن هذا الموت الذي يصورها أنها أخيلوس، أو هرقل، مدينةً لا تهاب الموت بل وتذهب إليه أحياناً بجرأةٍ لا تضاهيها جرأة، ولكن هل لدى غزة خيار آخر تذهب إليه؟ وهل ترك لها الأعداء والأصدقاء على السواء فرصةً لتعبر عن نفسها كمدينة؟ أو حتى كأنثى تحب أن تمشط شعرها في الصباح قبل أن تخرج إلى المدرسة كي تعجب إبن الجيران؟

غزة مدينة حزينة، حزينة مثل أرملة شابة، لا جدوى من القول إنها تحب الحياة، فكل المدن تحب الحياة، وكل المدن يمكنها أن تكون عظيمة إذا ما أعطيت الفرصة والإمكانات اللازمة لذلك، لكن غزة لم توضع أبداً في هذا الخيار، أبداً، أبداً، فقد وضعت بين فكي سمكةٍ عملاقة، لا هي تأكلها فتريحها من عذابها، ولا هي تتركها لتجد حريتها بنفسها.

إن مسائل مثل الكهرباء والمحروقات، هي نتائج في غزة وليست أسباب، فليس سبب حزن غزة الآن أن البنزين مقطوع تماماً، وأن الكهرباء تتعامل معنا كامرأة خجولة تحت أنظار زوجها، تخجل أن تنظر إلينا كي لا يتهمها بالخيانة، فهذا في نهاية الأمر نتيجة، ولكن ما هي المقدمات التي ساقت إلى هذه النتيجة؟

غزة تُرِكَت وحيدة، تصارع العالم، هذا ليس الآن فقط، فقد تُرِكت وحيدةً عام النكسة، ومات في مدارسها جنود مصريون وفلسطينيون أكثر مما مات في حروب مصر اللاحقة كلها، غزة تركت وحيدةً في العدوان الثلاثي وبقيت تحت رحمة إسرائيل دون أن يقول لها أحد كلمة واحدة، غزة تُركت وحيدة من القوانين النقابية والعمالية، غزة تُركت وحيدة في كل العصور، حتى في الانتفاضة الأولى، كان الخبر يأتي عن خمسة شهداء في مدينة رفح، بينما الصورة لشاب وحيد يلقي الحجارة على جيب في رام الله، دائماً غزة كانت خارج الصورة، دائماً، دائماً، وحتى لحظتنا هذه، غزة خارج الصورة، حتى وإن بدا البعض مهتماً وحزيناً لما يحدث فيها.

غزة بطلة، غزة لن تنكسر، غزة ستصمد، غزة ستنفجر في وجه الأعداء، غزة ستقاوم حتى الموت... إلى آخره، لا أعرف كم موتاً على غزة أن تحتمل، لا أعرف لماذا عليها أن تحمل وشم البطولة على ذراعيها الاثنتين وعلى جبينها وسيقانها وصدرها وظهرها وبطنها ورقبتها، لماذا على غزة أن تحتمل كونها بطلة في دور لم تختره، ولماذا لا يكف الآخرون عن إسناد هذا الدور لغزة، لأن خطورة هذا الإسناد، أنه يريح الآخرين من محاولة إسناد غزة فعلياً، فقط يبكون قليلاً حين يشاهدون منظراً مثل محمد الدرة أو هدى غالية، ثم يمضون في حال سبيلهم بانتظار مشهد آخر، وغزة في حالة بكائهم وفي حالة انصرافهم، هي غزة، التي تقع تحت الحديد المحمى بالنار، ويلسعها في كل مكان في جسدها دون أن يعطيها شربة ماء تخفف بها وقع الحرارة عن جلدها أو في قلبها.

غزة وحيدة، نعم، وحيدة، وهي بعد لم تكبر لتعتاد على الوحدة، الألم لا يمكن الاعتياد عليه، فغزة لم تعتد الموت إلى الآن وما زال يبكيها، غزة لم تعتد الظلام إلى الآن وما زالت لا تستطيع الرؤية فيه فما من أحد يصادق الظلام، غزة لم تعتد البرد إلى الآن وما زالت تصاب بالإنفلونزا كلما تعرضت له، غزة لم تعتد مطارق الحديد والنار، لأن كل جَلدةٍ تؤلمها وتحزُّ في قلبِها، غزة لم تعتد ولن تعتاد المهانة والذل أيضاً، فلا أحد يعتاد الألم.

غزة لا تريد منكم أن تخوضوا حربها، لا تريد منكم أن تنيروا ليلها، كل ما تريده غزة أن ترفعوا عنها تهمة البطولة التي يريحكم أن تلصقوها بها كي تريحوا أنفسكم، وأن تفهموا فقط، أن غزة طفلة في مدرسة، تحبُّ دائماً أن تمشط شعرها صباحاً كي تكون أجمل من بنت الجيران، وتحبُّ كذلك أن تأخذ وردةً في حقيبتها لتهديها لمعلمتها، كي تسامحها لأنها لم تحل واجب القراءة في الليلة السابقة بسبب انقطاع الكهرباء.

الحادي والعشرون من آذار 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد