الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القريشي يعزف .. بقلم : فاخر الداغري

امجد محسن القريشي

2012 / 3 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


القريشي يعزف .. قرائة نقدية بقلم : فاخر الداغري
مجموعة ( لحن الوفاء )
الوفاء سجية أخلاقية أصيلة تترادف مع السلوكية الأخرى في شخص الإنسان
فهي الرديف للشهامة والفضيلة والسؤدد والتضحية والفداء والكرامة والشجاعة والعدالة
وحب الناس كمبدأ إنساني .
هذه السجية جسدها القريشي حين ذاب حبا في أبيه وتهجد روحانيا في روح والدته وادان بالوفاء
إلى معلمه الذي علمه دلالات الحرف والكلمة والجملة المفيدة ، في وقت ليس فيه فضل أساتذته الأعزاء ، فجاء الإهداء لمن يجلو معدنا ليضيف له بريقا جديدا ليصبح أكثر لمعانا من ذي قبل ..
وهذا يعني ان عزف لحن الوفاء هذا جاء معزوفا على أوتار الذات على شكل ارتعاشات بلغت ذروتها
تناغما في ملامسة شغاف القلب وتفاعلا مع وجدانيات الشاعر فصار للتحف رخيما ...
منغما يسبح في بحور الرومنسيه ... وحين يتعبه العوم يردد واهبا ذاته عربون حب ثمنا مقبوضا عدا ونقدا :
ذريني إني الغريق
على ضفافك اموت لا افيق
عند انعطاف الطريق
ثم اختفى ...
ولعل الشاعر احمد البياتي اطرب كثيرا من هذا العزف المتفرد على أوتار الذات
وهذا الشوق إلى أيام الصبا فراح معاضدا القريشي في تقويم تجربته الشعرية ذات المضامين الشبابية
يقول : وان ما يثير الدهشة في بعض نصوصه الشعرية انها ذكريات ومشاهد صور يومية من زمن يتحقق
وينطفئ ، كما انه قد حرص على ان تكون قصائده نافذته التي يطل منها بشعره على مرافئ القلب والوجدان
مغترفا من معين العاطفة والوجدانية تارة ومن الواقع المرير للحياة اليومية المعقدة تارة أخرى ..
( سبع وثلاثون قصيدة أوت ملتاعة مستنجدة بلحن الوفاء ، عساه ان يسمعها صوتا حنونا يومى لها ان تدلف
آمنة مطمئنة لتنام على صدر القريشي امجد ، كحمامات اوت الى عشها خوفا من الصياد المتربص شرا
فهو قادر على حمايتها ، كونه المثقل بالشوق والحنين الذي وطد علاقته الحميمية بها رغم ان صوته
قد بح من كثرة المناداة في ليل الجراح ..
يقول : وليل جرحي بلا نهار
إذا خنت ِ عهد اللقاء خوفا
فالعيش بعدك ِ انتحار
لقد ظل القريشي يحمل عذابات الصمت غير قادر على البوح بها وتخفيف معاناته منها فظلت حبيسة في داخله
تؤرقه.. تسرق فرص راحته فيتسلق جدران ( الكونكريت ) التي طوقت مدينته هربا الى الفضاءات الرحبة
عساها ان تلهمه ( الصبر والسلوان ) وتمنحه راحة البال ...
انه لا يمتلك غير التشبث بحبيبته حيث يناديها :
عديني بأن تشرق الشمس في عينيك
عديني ان لا تناثرنا الامنيات
على دروب خوفك
نوقد الحب إن نازعته الليالي
وغارت عليه حبات الظلام ...
لكن الشاعر يظل جريح :
قلما جريحا
يرصف الكلمات بدموع الالم
يطلقها دما من فؤاد
يشكو قسوة الزمان
فيعيش القريشي حيرة الشاعر بين التيه والضياع :
أمنيات طريدة مزقها الشتات
طريق بلا ملامح .. سوى صفير القاطرات ...
وبين العشق والتأمل أوراق الذكريات يتلمس طريقه بين :
أعماق تهتز
جراح تتراقص
على شواطئ الدموع ...
يتموج صوته عبر الأثير مستنجدا بصوت طويل امتداد حروفه .. شجية أنغام موسيقاه .. مرخمة الأداء في عزف
حزين على وتر الحنين وصرخة :
يا .. رب
أما آن الأوان ان يستريح الدعاء ؟
ففي اعيننا الف سحابة للشرف
الف ذكرى تروي ملامحها دمعتان
على وتر الحنين لمن رحلوا ....
فتثور في اعماقه شجون ذكريات الامس ثانية فهو وحيدا إلا من :
دوامة العشق تأتلق في ساعة
معلنة عن فجر جديد
لتسكن الاوجاع
متى أنام ؟
والقريشي هنا حول ( متى ) من أداة استفهام الى ظرف زمان بمعنى ( حين ) حيث تهدأ أوجاعه عندما يغادره
الحس المرهف بقيمه الانسانيه ساعة يخلد الى النوم .. ويلتقي القريشي مع السياب في تناص موضوعة الائتلاق فالائتلاق عند السياب يوحي له
ان ابنة الجلبي مقبلة على تنفيذ وعدها إياه فيلمحها قادمة اليه لكنه يكشف في لحظات اليقظة انه كان في حلم جميل فهو لم يرها بالصفات المادية
لكيانها الشخصي وان أشواقه هواء وأباطيل تنبت بلا ثمر ولا ورد
مددت الطرف ارقب : ربما ائتلق الشناشيل .. فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة الى وعدي ولم أراها . هواء كل أشواقي في أباطيل .. ونبتت دونما ثمر ولا ورد
في وقت كتب فيه السياب قصيدة ( شناشيل ابنة الجلبي ) كان في 1962-2-24 وهو يطلب الشفاء في احد مستشفيات لندن وهذا يعني
ان السياب كان في اشد حالات التراجيديا التي سيطرت على السنوات الأخيرة من حياة السياب ، فأين ياترى ابنة الجلبي منه ؟ انها مخيلات شاعر ليس إلا ..
في حين ان ائتلاق القريشي ينبئ عن فجر جديد تسكن فيه أوجاعه فهو مسهد لا ينام ليلة ينتظر الفجر كحالة من حالات التفاؤل عساه يستريح من معاناته ..
ومن ذكريات الأمس الى ذكريات مدرسة الشاعر التي ظلت تلوح ( كباقي وشم في ظاهر اليد ) فهي الطريق الذي أوصله الى مجد الكلمة وسمو البلاغة في لغة الشعر يستمتع بعذوبة جرس اللغة كمن يملا كيانه بعطر زهرة ظل أريجها يحاصره صباح مساء الامر الذي يجعله يلتي تناصا شعوريا مع جبران خليل جبران مثقلا بلذة الاحساس في التنقل بين الزهور
هل اتخذت الغبات مثلي منزلا دون القصور ؟ فتشبعت السواقي وتسلقت الصخور ؟ هل تحممت بعطر وتنشفت بنور ؟ وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير .. هل جلست العصر مثلي .. بين جفنات العنب ؟والعناقيد تدلت كثريات الذهب في حين يقول القريشي : مدرستي .. يا زهرة بين الزهور ..
لم ينكر السابقون فضلك والحاضرون .. بك الاجيال تغنت بعلمها .. ومنك تألقت اجيال كالطيور .... ثم يقول : دعيني اقطف من رياضك زهرتي ..
. يا واحة المستقبل في خطوتي ....
وتبقى شمس اللقاء حنونة .. باسمة جذلى كعذراء تتحضر خلف شال وردي والشاعر امجد القريشي عاشق ولهان يفتح ازرار القلب حين
يعتصره الشوق في محطات العمر التي لا تخلو من أنين وبكاء ، فهو حزين على وطنه ويتعالى انينه في صرخة قلب اضناه الشوق
في ان يرى وطنه العراق قد تصاحى من الجراحات وعادت اليه مساءات ليالي الشرق هل عادتك اشواق الغناء .. فالروابي الخضر تشدو السنا حلو الدواء ..
وبعد هذا التنقل من أيكة الى اخرى على أنغام معزوفات القريشي تنيح الرحال وتندلف سراعا الى هودج ( جرح الرحيل )
الذي ظل نازفا بعذابات القريشي امجد عسانا نسهم في تضميد جراحه فروحه سيدة رسمتها ريشته فظل يتلو الصلاة في محرابها حبا وعشقا
فهي تتوسد حنان قلبه في زمن الغربة .. ويظل انينه مذبوحا على ( ضريح خرافة الأمل )
لكنه لا يكف عن البحث عنها ويبدو انها وغايته والتعبير إجمالا كناية عن ان التواصل مع الحياة قائم وانه لا يهون أمام هذا الاغتراب ،
وسيظل على عهده بالوفاء مادام هذا الوفاء هو عنصر الانتماء إلى الوطن الذي يفصح عن شاعريته .. عن هويته .. عن عراقيته
حين أعانق بسمتها أجد ضحكتها تنام كل ليلة على صدر مشتعل بالحب فأغسل وجهها تحت المطر وأعيد رسمه بتفاصيل جديدة
فأراها كملاك وبريق من نور القمر فأتلو صلواتي في محرابها حبا وعشقا .
جريدة صوت بغداد ..الاربعاء 2012-2-22 العدد 785








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز