الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية، ليس دفاعاً عنها

معمر خولي

2012 / 3 / 23
السياسة والعلاقات الدولية



يصادف الثاني والعشرون من آذار من كل عام ذكرى السنوية لتأسيس جامعة الدول العربية التي تأسست في عام 1945، وتعد الجامعة من أقدم المنظمات الإقليمية والدولية من حيث النشأة على حد سواء. إن الميزة الأهم والأبرز التي تسم الجامعة، هي أنها مؤسسة قومية، وهو ما لا تعرفه أية منظمة دولية أو إقليمية، سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية. فالجامعة تجمع بين دول مترابطة في المكان، وتضم أجزاء أمة واحدة. وهي البيت الذي يحتضن كلهم في السراء والضراء. وهي ملاذهم الأول والأخير مهما تقلبت بهم الأوضاع وتباعدت بينهم الشقة تباعداً كبير وخطير.
ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية وإلى يومنا هذا لم تستطع من تحقيق أهداف ميثاقها ، فهي- كما يظن منتقدي أدائها – عاجزة- بمفهومها وميثاقها وهياكلها المؤسسية- عن التعامل مع المشكلات العربية التي تواجه الوطن العربي، وقلة فعالية دورها في المنازعات التي تقوم بين الدول العربية، وعدم قدرتها على ممارسة نشاط مؤثر على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي أدى إلى فقدها لثقة الدول الأعضاء وشكهم في صلاحيتها للدفاع عن مصالحهم، وخروج القضايا العربية الرئيسية والمنازعات بين الدول العربية من داخل إطار الجامعة العربية، إن أكبر مثال على ذلك أن قطر والبحرين قد لجأتا إلى محكمة العدل الدولية لفض النزاع البحري بينها. وفشلها في متابعة وتنفيذ الالتزامات الناتجة عن توقيع اتفاقيات التعاون العديدة بين الدول العربية في إطارها، أو التنسيق بين الأجهزة والمنظمات المتخصصة التابعة لها. وذلك إما لأن هذه الاتفاقيات تفتقد أصلاً لإمكانيات التنفيذ، أو لقلة الموارد المخصصة لها ، أو لخضوع تنفيذها لعوامل سياسية متغيرة، وإما لأنها وقعت أساساً لأسباب إعلامية، والدليل على ذلك أن " معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي" و" اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية" و" السوق العربية المشتركة" مازالت في معظمها حبراً على الورق. أما على المستوى القرارات، يرى منتقدي أداء جامعة الدول العربية، أن مجلسها أصدر العديد من القرارات منذ عام 1945 إلى عام 1981، فوجد أن أكثر من 80 بالمائة منها اتخذت بالاجماع، وإن تحفظات بعض الدول كانت في معظمها على قرارات مالية وإدارية. ومع ذلك فإن القرارات التي اتخذت بالاجماع لم ينفذ معظمها، لأنها تتخذ بوسيلة من ثلاث: إما بالمجاملة، أو بالمسايرة، أو بالإكراه. وما قرار الذي اتخذه الحكام العرب في قمة "سرت" الليبية في توفير الدعم المالي لأهالي مدينة القدس المحتلة إلا دليل على ذلك إذ لم يصل أي شيء من ذلك الدعم.
وهناك أيضاً من يحمل الجامعة الدول العربية في مراحلها التاريخية من القرن المنقضي الفشل في تحرير فلسطين، وغيابها في العديد من القضايا العربية التي تتطلب وجودها كغيابها في قضية جزر حنيش والجزر الاماراتية المحتلة من قبل الجمهورية الايرانية الإسلامية، وإهمال الصومال عقود طويلة، وانشغالها عن قضية جنوبي السودان- التي أضحت فيما بعد دولة جنوب السودان- وابتعادها عن المشهد اللبناني، وعجزها عن مواجهة العدوان ومن ثم الاحتلال الامريكي للعراق نيسان 2003، وترك ملف الصحراء الغربية( البوليساريو) للمفاوضات التي تجرى برعاية الامم المتحدة، وإغفالها عن تحقيق العدالة الاجتماعية للشعوب العربية.
كما هي دائما الحسابات الخاطئة، ظنت بعض الدول أن عدم فعاليتة جامعة الدول العربية يكمن فيها كمؤسسة بكل مكوناتها، لذلك صدرت العديد من المبادرات والمقترحات من أجل تفعيلها وتطوير الأمانة العامة التابعة لها، إذ يرى أنصار هذه المبادرات والمقترحات بتفعيل الجامعة وتطوير أمانتها قد يوصلنا للهدف المنشود في تعزيز العمل العربي المشترك. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل فعلاً جامعة الدول العربية المسؤولة عن كل الاخفاقات العربية وبالتي بحاجة إلى إصلاح؟
وللإجابة على السؤال المشار إليه أنفاً، يجب أن نؤكد على مسألة بالغة الأهمية توضح مدخل من مدخلات عدم فعاليتها على مدار عقود طويلة، وهي أن جامعة الدول العربية تكاد تكون المنظمة الإقليمية الوحيدة التي حرمت من أهم خصائص المنظمات الدولية: وهي توافر الإرادة الذاتية والشخصية المستقلة تجاه أعضاؤها وغموض العلاقة القانونية بينها وبين هؤلاء الأعضاء. فهي منظمة إقليمية بين دول مطلقة السيادة تعمل وفقاً لمبدأ التعاون الاختياري بين أعضائها. لذا فمن يوجه سهام نقده إلى طبيعة جامعة يخطيء في ذلك، فالجامعة لا تملك سلطة فوق سلطة الدول الأعضاء، بل يرد – أساسا- إلى الدول الأعضاء في الجامعة، فتلك الدول أخفقت ليس فقط في ترجمة حلم الوحدة إلى أي صيغة من صيغ العمل المشترك، وبشكل خاص عبر وجود مؤسسات مستقرة وبنية اندماجية يمكن التأسيس والبناء عليها وتطويرها، بل أخفقت أيضا حتى في ترتيب شؤونها الداخلية، وفي خلق بيئة مجتمعية داخلها تكون سداها ولحمتها المؤسسات والقوانين التي تساوي بين المواطنين، وتوحد بينهم، على مستوى الواجبات والحقوق، من ثم نستنتج أن الدول المفتقرة إلى البنية المؤسسية في تنظيمها الاجتماعي الداخلي تستحيل عليها المشاركة في إقامة بنية مؤسسية فاعلة على مستوى أعلى: المستوى القومي، في الحالة العربية. إذ انعكست حالة الافتقار في كل دولة عربية على أداء جامعة الدول العربية وأضحت ضحية الانقسامات والتمزقات بين المحاور والتكتلات في الدول العربية، والاختلالات التي حدثت في موازين القوى بين الدول بعد تفجر الثروة النفطية، ثم قيام حرب الخليج الثانية والثالثة التي أدت إلى كشف عورات التناقضات العربية، وأوضحت قصور مفهوم وآليات العمل العربي المشترك، فضلاً عن التدخلات الخارجية التي تسعى إلى تقوية النزعات القطرية وتهدف إلى شل أية محاولات لتحقيق سياسية عربية جماعية، كل ذلك أدى إلى نتائج خطيرة على دور الجامعة وأداءها تمثل فيما أوضحناه سالفاً من عجز وفشل.
أرى، في مرحلة ما قبل الانتفاضات الشعبية التي عمت بعض الدول العربية، ليست الجامعة دول العربية التي بحاجة إلى اصلاح وإنما السلطات الحاكمة في الوطن العربي المنغلقة على نفسها، والمفتقرة إلى أي مشروع قومي حضاري، تدافع عنه وتقاتل من أجله. إن " محنة الأمة" تبدأ من تضاؤل فعالية النظم السياسية، إلى جانب غياب الديمقراطية، فضلاً عن سيطرة التخلف السياسي وشيوع الفساد. لذلك فإن القاء اللوم على الجامعة، وتحميلها مسؤولية تردي الوضع العربي، هو أشبه بعملية هروب من أصل وجوهر الأزمة القائمة، وتعبير عن ميل ونزوع نحو ايجاد مشجب ما لتعليق الأخطاء عليه، ودليل- في الوقت نفسه- على انعدام الرغبة والارادة الجدية في مواجهة المشكلة والتصدي لها، فالجامعة انعكاس أمين لحال أعضائها من الدول التي تختزل بالفرد الحاكم، أما لكي تكون جامعة الدول العربية فاعلة في مرحلة التغيير العربي، على دولها أن تؤمن قولاً وفعلاً بالمشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة وتحقيق العدالة الاجتماعية،عدا عن ذلك ستبقى الجامعة سقيمة بسقم دولها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة