الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر من غير قداسة البابا شنودة

نسيم عبيد عوض

2012 / 3 / 23
سيرة ذاتية



لم يحدث أننى نزلت للقاهرة فى العقود الثلاثة الماضية زائرا إلا ورأيته ‘ فى المقر الباباوى أو دير الأنبا بشوى‘ والآن الى من أذهب ‘ حقيقة أن كنيستنا القبطية وهذا أقوله للجميع المتخوفين من قادم الأيام ‘ أن الكنيسة رأسها السيد المسيح ‘ أن الكنيسة باقية وقوية ‘ وبقول الرب " وأبواب الجحيم لن تقوى عليها "
ومانحن نشاهده يحدث فى مصر الآن هو بإدارة ومشيئة الرب يسوع ‘ الذى يوصفه الكتاب بضابط الكل ‘ وملك الملوك ورب الأرباب ‘ وهذا لا يقلقنا على كنيستنا أبدا ‘ قد يكون القلق على الكنيسة الشعب المؤمن ‘ وهذا أيضا يدخل فى خطة الله الخلاصية لشعبه ‘ فهو يعرف خرافه وخرافه تعرفه ‘كقوله الكريم فى إنجيل يوحنا إصحاح 10 " لهذا يفتح البواب والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها ‘ وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لانها لا تعرف صوت الغرباء ‘ ( وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك الى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى.) شعبنا القبطى شعب مؤمن إيمانا قويا ومستقيما.
ولكن هذا ماقصدت أن أكتب بشأنه ‘لأننى أريد أن أتأمل فى حال مصر بدون وجود لقداسة البابا شنودة ‘ لم أقل الكنيسة ولكنى أقول مصر كلها ‘ فحتى عندما كان يذهب قداسته فى رحلة علاجية طويلة أو قصيرة فهو موجود ومصر كلها تذهب إليه حيثما يوجد ‘ وحتى فى السنوات التى أبعد فيها بقرار جمهورى عن مقر الكتدرائية فى القاهرة ‘ إنتقل مقره معه الى الدير ‘ بيافته مكتوب عليها المقر الباباوى ‘ كان موجودا ومعه كرسى مار مرقس حيثما ذهب .
عندما أعتلى قداسة البابا كيرلس السادس كرسى مار مرقس عام 59 لم أكن أعرف بطريركا قبله ‘ لخلو الكرسى الباباوى مدة طويلة ‘ وبالإلهام الروحى لقداسة البابا كيرلس عين ثلاثة رهبان فى وظائف أسقفية عامة ‘ هؤلاء الثلاثة كانوا علامة فى تاريخ الكنيسة القبطية ‘الأنبا شنودة الثالث أسقفا للتعليم والأنبا غريغوريوس أسقفا للدراسات وللمعاهد والكليات التعليمية ‘ والأنبا صموئيل أسقفا للخدمات ‘ وأنا أقول أنه إلهاما روحيا من تعيين هؤلاء لأنهم أحدثوا تغييرا شاملا فى مسار الكنيسة والرهبنة ‘ إستطاعت فى السنوات الأربعين الماضية أن تواجه الأعاصير وجيوش قوات العدو بقوة وصلابة ‘ ونمت الكنيسة وشعبها الى درجات تفوق الوصف رغم كل ماتعانيه من ضيقات وإضطهادات . وكان إختيار الله للأنبا شنودة الثالث بالقرعة الهيكلية ليعلو الكرسى الباباوى نقطة تحول فى تاريخ الكنيسة ‘ وأقول نقطة تحول لدرجة أننا لو راجعنا القرارات التى أصدرها قداسة البابا شنودة بعد أيام معدودة من تنصيبه ستعرفون جليا كيف بدأ التحول فى مسار الكنيسة وإداراتها لشئون بيت الله ‘ وبعض هذه القرارات مازال المجتمع القبطى بل والشارع المصرى ثائرا بسببها ‘ وبسبب إصرار البابا على قراراته حتى لو مضى عليها أربعين سنة.
بدأت معرفة الرجل العادى لقداسة البابا بأسقف التعليم يعظ خلق الله سواء بعظات فى الكنائس ‘ بكتابات فى الصحف والمجلات ‘ محاضرات فى نقابة الصحفيين ‘ فوجئ المجتمع المصرى بهذا الأسقف الذى يحمل عصاه وبكريزما شديدة التأثير ‘ يهز المجتمع المصرى منذ بدأ إلإجتماع الأسبوعى فى الكتدرائية ‘ وكنت أنظر حولى فأجد أخوتنا المسلمين يجلسون يستمعون بشوق لكلامه العذب الحلو الذى يدخل للقلوب مباشرة ‘ وكلكم تعرفون كيف كان من يقابله يقع فى حبه . وهو واقف كالأسد الزائر فى وسط الكتدرائية بعصاة وجلباب وطقية سوداء ‘ خلال أزمة الخانكة والزاوية الحمراء ‘ وأنا حضرت هذا شخصيا ‘ وكان أيضا الوقفين حوله أقباطا ومسلمين ‘ واصبح إسم البابا شنودة يجوب سماء مصر كلها ‘ ولا يمضى يوما بدون ظهور إسمه وعمله فى الأرجاء .
عندما رأى الرئيس السادات أن هناك رئيسا آخر يقود وبقوة نهجا جديدا فى الحياة ويقبع مكتبه فى العباسية ‘ وبدأ الصدام والغيرة والتعصب ‘ حاول بإحضار الشيخ الشعراوى من السعودية ‘ ولم يفلح فى تغطية نجم البابا شنودة ‘ وحتى عندما حدثت المواجهه شخصيا سقط الرئيس السادات أمام كاريزما شخصية على أعلى درجات العلم والثقافة يفحم مواجهيه بحجة وحكمة قوية وبأدب بالغ ‘ حتى رأى المجتمع المصرى هذه المواجهة فى القصر الجمهورى ‘ فخرج الشارع المصرى يفتخر بهذا البابا شنودة صاحب الكلام الذهبى ‘ وخرج السادات من المواجهة خاسرا ثم مغتالا على أيدى قواته .
وبدأ النجم الساطع يخرج الى العالم الخارجى وفورا بعد تنصيبه بسنوات قليلة ‘ ذهب لأولاده فى بلاد العالم ينشأ الكنائس والأديرة ‘ ولم تخلو أي دولة الآن من وجود كنيسة للأقباط فيها ‘ ولكل المعاصرين معنا قدوم البابا فى خارج مصر ‘ كانت الدول تستقبله بالحفاوة والإحترام وبحراسة أمنية ‘ كان فى قدومه لنا فى المهجر يرفع رأسنا عاليا ‘ كان دائما فى حالة حب دائم بين من يتعامل معه ‘ ومن كل الجنسيات ينحنون له بالمودة والإحترام ‘ وإذا أمتلك ناصية الكلام ‘كان يجذب اليه كل من إستمع لحلو كلماته ‘ ووقعوا فى حبه أكثر وأكثر ‘ وأنا مازلت أتذكر بسمته الرقيقة الحقيقية عندما كان يرد على أى سؤال .
هذه الشخصية الروحانية الجذابة كان لها تأثيرها الفعال على شعوب الدول العربية والإسلامية ‘ حتى أنهم اليوم يلقبونه ببابا العرب وبطريرك العرب ‘ كان له حضور شخصى حتى وفى مرضه ‘ فى كل مشاكل الحياة كان الجميع يتسابق لمشاركة حكمته ‘ وعلى صخرته كانت تتحطم كل المصاعب والإنتقادات حتى التى كانت توجه إليه شخصيا وما أكثر المنتقدين له الذين رأيتهم فى جنازته يبكون عليه. ولعزته ولكرامته دورا كبيرا فى تكوين شخصيته ‘ فالشجاعة والكرامة وعزة النفس لابد أنك ستجدها فى شخصيته من أول تعارف ‘ وكانت تلك الصفات تعطيها بريقا من القوة وفى نفس الوقت المحبة الطاغية فى إحتواء كل مايقدم إليه ‘ ويكفى أننا رأينا له جنازة مليونية لم تشاهد مصر مثلها بعد جنازة عبد الناصر.
وهاأنا أسهبت فى الحديث الذى لا يمكن أن ينتهى إذا تكلمت عن أبينا المحبوب الأنبا شنودة ‘ والذى لا أتصور أننى سأنزل مصر ولا أجده ‘ ولكننى سأذهب إليه فى دير الأنبا بيشوى ولنا فيه ذكريات طويلة ‘ وأنا لم أجيب على السؤال كيف ستكون مصر وحالها بعد رحيله ‘ مصر هى مصر التى نعرفها ولن تتغير ‘ ولكنها أعطت درسا للعالم ففى جنازته بكاه المسلمين مع الأقباط ‘ إهتزت البلاد بطولها وعرضها ‘ وخرج جثمانه محمولا على أعناق قوات الجيش المصرى ‘ وحوله كل قلوب المصريين يبكون على رحيله ‘وحدة وطنية حلمنا بها كثيرا أن تحدث ‘ وقد حدثت من العاشق لوحدة مصر ‘ وسوف تعيش بلدنا فى ذكرى هذا التجمع الوطنى الحقيقى لسنين عديدة ‘ قد يغير من المسار المغيم الآن ‘ وفى النهاية الأمر فى يد إلاهنا ‘الذى له الحكمة فى قيادتنا ‘والذى يحب شعبه مصر وباركها ‘وإرادته ومشيئته فوق كل شىئ ‘ الذى أراحه من أتعابه ومرضه ومضايقات ومشاكل لا حصر لها وضغوط نفسية وعصبية ‘ آن وقت الراحة بالرقود فى الرب ‘وهاهو قد ترك شعبا قويا شجاعا كريما يعتز بإيمانه ويتمسك به ويستشهد من أجله ‘ ومهما حدث فى الأيام الغامضة القادمة ‘ فحكمة وتعاليم البابا موجودة فينا ‘ بل أننا تتلمذا عليه ‘ أعطانا الطريق وسنسلكه كما علمنا ‘ولعل المشاركة القوية لأقباط مصر وإنتشارهم اليوم فى الحياة السياسية والإجتماعية وتأثيرهم فى إتخاذ القرارات هو نتاج وحصاد أربعين عاما من الجالس على كرسى ما مرقس الرسول ‘ولنا كل الفخر به وبشجاعته وحكمته التى تغنت بها شعوب الأرض والباقية لنا ‘ وإذا تأزمت الأحوال فالأمر ليس بعيدا ‘ هناك يرقد فى دير الأنبا بشوى جثمانه وسيستمع إلينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجندي الأمريكي موريس مورفنت: انتماؤه الى -كاجان-، مكنه من أ


.. مرشحو الانتخابات الإيرانية: من يصل إلى قوائم الإقتراع؟




.. جنوب أفريقيا: ملف ملكية الأراضي الزراعية يلغم نتائج الانتخاب


.. خامنئي: من قام بعملية {طوفان الأقصى} أفشل المخطط الكبير للشر




.. حماس تنظر بإيجابية إلى مقترح بايدن لوقف إطلاق النار في غزة