الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المأساة و الأمل في -مرثية دم على قميص قتيل- للشاعر العراقي -مكي الربيعي-

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2012 / 3 / 23
الادب والفن


المأساة و الأمل في "مرثية دم على قميص قتيل" للشاعر العراقي "مكي الربيعي"


يحتل الوطن حيزا كبيرا عند كل الشعراء، هذه المفردة التي تتحدى الإنسان و تعتبر معيارا لإنسانيته، جنة القلة/جحيم أغلبية ينتمي إليها الشاعر العراقي "مكي الربيعي" منشدا من سفري المأساة و الألم آيات للوجود، علها تلملم بعض الفرح القديم أو تنثر أملا على ثريات حلم ضائع، تحمله الطيور المهاجرة إلى الوطن.

و في قصيدته "مرثية دم على قميص قتيل" يفصح عن وجع بحجم عصور، مرتلا بحزن ناي معاناة الإنسان العراقي الذي لم تمنعه الجثث أو دوي المدافع من التعلق بالأمل الذي تعود معه الحياة إلى سابق عهدها. و من عنوانها، تكشف هذه القصيدة مضمون عوالم يقف عندها القارئ واضحا كأنه يقف أمام مرآة، فيستحضر من بوابة الشعر انكسارات البشرية عند طموحاتها. فترى الغازي يصوب بندقيته إلى أحلام أورقت للتو و دما يفضح خطيئة الإنسان و غواية الأنا، و تحس بألم شعب بكامله يبحث بين الرماد عن منفذ تشرق منه شمس سومرية تبدد هواء الجحيم العكر:

مهلا أيها الظلام
سأصطادك. ما دمت أحيك الشبكة
من ضوء بلادي

و من حرف إلى كلمة و عبارة فصورة، ينتشر غيم أسود على امتداد الرؤية و تفوح بين مقطع و نفس، رائحة دم أثخن المجاز بوجع شاعر تجسدت فيه قدرة الإنسان. لهذا لا تستأذن القصيدة عاطفة المتلقي، بل تمارس عليه من البداية سلطة الحرف و تلحقه بإيقاع العاطفة.

و ليس الشاعر رقما بسيطا في معادلة الكون أو متفرجا أبله يشارك في تمثيلية المأساة، هو أثر الحياة في دهاليز كابوس و حرارة الطبيعة أمام برودة التاريخ، لذلك يشحن الشاعر العراقي "مكي الربيعي" اللغة بالمعنى ليبلغ بالقارئ إلى أقصى أقاصي عاطفته، حيث يكمن الإنسان خائفا من ظل صاحبه و محيطه. و على عادة أهله السومريين يرتب أغراضه رغم الدموع التي تحمله إلى قبره، و في قلبه تنبض الحياة و يشرق المستقبل:

بإمكان الشاعـر
ترتيب الحياة بشكل آخــر ،
بإمكانه
إزالة الــلطخة عن
عــين العــدسة ،
الحضور في جواب السؤال ،
الــصعود شــمالاً
عـــبر الــتضاريس وســوء استخدام
الــبوصلة ،
الــنوم في سريــر العائـلةِ ،
والخــروج مبكـراً
من غــرفـة الأخـطاءْ

أن تكون ضحية يفرض مواكبتك لبعض المجريات و ارتباطك ببعض التفاصيل التي تعبر عن دورك في الحكاية، هذا ما تشرحه قصيدة "مرثية دم على قميص قتيل"، بأدوات رمزية و جمالية نجح "مكي الربيعي" في تطويعها لتناسب ذائقة المتلقي و خياله. و رغم أن العبارة لا تكشف دوما الحقيقة، فقد خلق الشاعر أفقا يلاءم عواطفه و انطباعات قارئيه.

و من الجميل في هذه الأبجدية المؤثثة بالجراح، ذاك التناغم البديع بين الحياة و الموت، تلك العلاقة الخفية بين وقع الرصاص و شفافية الماء، ما يعمق إحساسنا بذواتنا من زاويتي الحزن و الفرح، و يطرح سؤالا وجوديا أخر عن الحكمة أو اللعنة التي تكمن وراء السعادة، و عن الدور الذي يشغله كل منا في ما يشهده العالم و الموقع الذي اخترنا التخندق فيه:

ضـيـقـةٌ هـذهِ الـعـبـارة عـلـى جـسـدي
لــذلـك أحــاول أن أروض موتــي الـحـامل جــنــازتــي
عــلـى كــتــفــيــه
أن أضـعَ حـداً لـخـطـوتـي الـتي تـدورُ حـول نــفــســهــا
أن لا أتـركَ الألـمَ يـتـمـددُ مـثـل الـهـواء
لـكـي لا تــنـمـو فـي الـظـل شـجـرة طـاعــنـة بـالـسـواد

يكتب "مكي الربيعي" ليخضر الوطن في خيال المغتربين إما لكلمة حرة أو لقمة عيش، سكان المنفى و المطارات الأصليين. يكتب إليهم و له، ليتأملوا ثانية قبس وجهة لا تدركها البوصلة و يلوحوا من كل جغرافيات المنفى صوب الشرق، فربما ينسجون من ذرات التراب تحت أقدامهم ثوبا يلبسونه كلما راود القلب الحنين:

وطني
التراب العالق في قـدمـيـكَ ،
يمكن أن نصنع منه وطناً فـي الـمنافي

و رغم أن القصيدة تدقق في سلسلة من الجراح و الانكسارات جعلت عوالمها تبدو مفزعة و مفجعة، غير أنها بقيت وفية لنظرة الإنسان المتفائلة بالمستقبل و ما يعنيه الغد بالنسبة للمنهكين وجدانيا و الحالمين. و حالة الحياد أو عدم الانحياز لشعور أو لحظة معينة على حساب أخرى، ارتقت بروح القصيدة إلى مرتبة يتساوى فيها اليوم مع الغد و الأمل مع اليأس و النهاية مع البداية و السواد مع البياض:

منهــمكـون
بابتكار سوادٍ يليق بخطى الراحلين ،
بابتكار
بـياضٍ يليق بالخـطوة الــقـادمة

و من هذا الفضاء الغامض يشرق الشاعر و معه القصيدة ليرشدا الإنسان في سبيله و يلطفا عنه وحشة العتمة، و هذا دورهما الإلهي الذي بعثا لأجله، ليحيا طقوس الحياة و يشحذا بالمطر فتوة الحبر. فبالشعر وحده ينير الإنسان سبيل إنسانيته:

أيتها القصيدة
تعالي نوقد النار في الممر
و نحث الحبر على التزود
بالأناشيد من ثديي المطر

قصيدة "مرثية دم على قميص قتيل" من القصائد التي نجحت في ترجمة واقع العراق المؤلم حسيا، برمزية و جمالية افتقدتها كثير من الأعمال التي تؤرخ للإنسان العراقي و وطنه، لهذا يعتبر الشاعر "مكي الربيعي" من الشعراء الكبار الذين وفوا بعهودهم، و لا شك أن هذا العمل المميز سيبقى و يخلد بخزانتنا العربية و يدرس و يردد في أكثر من مكان و أي زمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
الشاعر حسن رحيم الخرساتي ( 2012 / 3 / 27 - 23:40 )
أبارك لك أخي الأستاذ علاء كعيد حسب هذا التوهج الجميل مع قصيدة الأخ مكي الربيعي وهي حقا تستحق التأمل لكما مني كل الحب

اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر