الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دمعة على مدارج -ماريل-:قربان شعري آخر للطبقة العاملة

أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)

2012 / 3 / 24
الادب والفن


دمعة على مدارج "ماريل"-قربان شعري آخر للطبقة العاملة

لم يكن صباح العشرين من مارس 2012،صباحا عاديا.صحوت قبل صوت المنبه ،ما أن انتهيت من فرك عينيَّ ،حتى جاءني صوت "سلوى" حزينا: "حميد مات".انهمرت دموعي على مسارب الغياب الكائن بين ساحل المحيط الهادئ و صحراء العتمور.ها قربان شعري آخر ،يصعد على مذبح الكتابة.
و تذكرت على الفور ما قاله "الأب الروحي" لحركة الحداثة الشعرية في السودان،في تعبير بولا ،و الأب الأكبر للحداثة السودانية في تعبير محمد المكي إبراهيم:"محمد المهدي المجذوب" في مقدمة ديوانه "نار المجاذيب":
"و لقد كان الشاعر في السودان مذبوحا،و دمه من المشهِّيات".

شاهدت حميدا لأول مرة من على شاشة التلفاز يقرأ نصا سحريا "نورة"،لكن شيئا ما في إلقائه جعلني أقول له بعد أن تأكدّت صداقتنا"حينما تقرأ شعرك،تبدو و كأنك مقبل على البكاء"."ربما" ردّ في حيائه المعهود،و أرسل ابتسامته العريضة على الفضاء المترامي بين "الكرة الأرضية" التي كنا نجلس تحتها أمام "قاعة الصداقة"،و نهر النيل.

تكررت لقاءاتنا،خاصة مع وجود صديق مشترك هو أحمد محمد الفكي،الذي نجرنا له اسما شاعريا هو "أحمد عصفور".لكن أحمد هجر الشعر إلى الماركسية اللينينية.و حميد هاجر إليها لكنه لم يهجر الشعر.
و بعض من "الاولاد أبّان خرتايات" وجد في الزواج السعيد بين الماركسية و البنيوية التماسة عزاء للروح القلقة الباحثة عن "الحداثة" و التقدم و الفكر النقدي.

كثيرون من الكتّاب و الفنانين السودانيين،ولجوا أبواب الماركسية اللينينية،و هذه ظاهرة تحتاج لتقص نقدي.و الحزب الشيوعي السوداني حزب "كاتب"،و بريئ من شبهة "المشافهة"،و لا ينافسه في ذلك إلا الحزب الجمهوري.

و عرفت من "أحمد عصفور" بعد ذلك،أن حميداُ اشترى كتابا عن الالقاء،و صار –طبقا لتعاليم الكتاب-يخرج إلى الخلاء و يلقي أشعاره.و يبدو أن "الخلاء" لم يفارق طريقة حميد المتفردة في الإلقاء،فهو يدخل إلى أعماق ذاته و يتجنب الإلقاء "وجها لوجه" مع الجمهور.

ثم التقينا في نهار يوم رمضاني،في بيت لتشكيليين في الجريف .و فكرنا في كتابة نص شعري عن "الانتفاضة".لا أتذكر من كان المبادر،لكن أتذكر انني قلت له هذه تجربة تثير الرهبة،و لكن من أين نبدأ؟،لم يفكر كثيرا ،و قال على طريقته في اللعب على اللغة" سنكتب عن ماريل"،قلت و ما "ماريل"؟؟،قال اختصار "مارس-أبريل".و بدأتُ النص هكذا:
ها مرة أخرى سنخرج للشوارع شاهرين هتافنا و سيوفنا"،
ثم أكمل:
أو سوف تلقانا الشوارع بالهتافات المضادة للمساخر و العساكر و الخنوع"،
و استمر النص في شكله الفصيح،و اخذ حميد النص ،ثم اضاف إليه مقاطع من العامية.و أجرى التشطيبات الأخيرة،و لم أسمعه في شكله النهائي إلأ في ندوة شعرية،حين قال"سأقرأ "ماريل"،و تُقْرأ بيني و بين زميلي"......."...

لم أسمع منه بعد ذلك في "دياسبورتي"،إلا عبر التسجيلات التي كان يسجلها من "منفاه الزراعي" في الشمالية،حين لفظت "المدينة" الكفار و المنافقين من عاصمة المشروع الحضاري.
سمعت عنه كمشَّاءٍ بين دول نفطية عربية.

و حين رجعت إلى السودان،سألت عنه الصديق القدال فقال انه رجع مرة أخرى للزراعة.
حاولت الاتصال به بعد عودتي إلى امريكا،لم يكن هاتفه يعمل،رجوت شقيقتي "هبة" أن تبحث عن رقمه الجديد.وجدته بعد صعوبة،و قالت لي انه كان بعيدا عن موبايله لأنه كان مشغولا ب"قرع الموية".و نصحها بسخريته اللطيفة و فكاهته،ألا ارسل له ايميلا لانه لا يستطيع قراءته في "منفاه الزراعي".

حين مسحتُ بكمِّي أدمعي المنهمرة،
هدأ حزني قليلا،
و جاءني خاطر:

يوما ما ستعبر روحه إلى المحيط الهادئ،
و ستصعد درج شقتنا،
و تضغط على الجرس،
لافتح لها الباب:
"تفضلي،
كيف تبدو الحياة في العالم الآخر"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس