الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور وصاحبه غائب

نادية الشربيني

2012 / 3 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الدستور هو طريق لتجميع أوصال الوطن وليس لتمزيقها. السلطة الدينية هي بالضرورة سلطة لاديمقراطية ولا تدخل في حوار مع المحكومين وبالتالي لا يعنيها ما يرونه صالحا لأنفسهم لأن الصلاح من عدمه منوط بها وحدها، لذلك فالدستور ليس عقدا اجتماعيا في عرف السلطة الدينية بل هو ضرورة مرحلية لتوثيق عقد اذعان المحكومين لتلك السلطة. إذن العلمانيون والإسلاميون لا يتحدثون عن نفس الشيء عندما يتناقشون حول الدستور. وقد أطبق الإسلاميون على رقبة الدستور وهم الآن بصدد خنق فكرته الأساسية واستخدامه مطية لتكريس مشروعهم الديني. والدستور هو البداية التي سيعقبها القضاء على كل آليات الديمقراطية والعودة إلى المربع صفر حيث الديمقراطية كفر وبدعة. وكل من يقول منهم غير ذلك إما أن لديه نزعة إصلاحية أو أنه يتقي كشف أهدافه قبل الأوان.
إن اختيار البرلمان للجنة تأسيس الدستور هو حلقة في مسلسل دولة العسكر-إخوان القادمة والتي سيعيث فيها السلفيون قدرا لا بأس به من التخريب حتى وإن صدقت نوايا البعض منهم. والطريقة التي اعتمدها البرلمان لاختيار لجنة الدستور تكشف عن نواياه تجاه دستور يتجاهل الكثيرون تصريح مرشد الإخوان بأنه جاهز في أدراجهم. وهي طريقة تدل على أنهم أصحاب الفرح والمدعوين الوحيدين إليه. فقد اختار الكتاتني بكري ليكون مشرفا على لجنة انتخاب كاتبي الدستور. وولاء بكري للجالس على الكرسي قد فاحت رائحته لكن يبدو أن أعضاء البرلمان الإخواني قد اعتادوا الروائح الكريهة بل وباتوا يدمنون شمها. ونسبة الخمسين في المائة هي نسبة وقائية لا أكثر لأن الخمسين في المائة الباقية ستأتي أيضا بهوى إخواني. والواقع المرير ينبئ على أن الثورة مهزومة من يوم التنحي وأن أجندة العسكر-إخوان تنفذ وفق الجدول وتنتقل من نجاح إلى نجاح. هم فقط يقفزون من مرحلة إلى أخرى. وقد ساعدهم على تلك القفزات التي كانت أحيانا بهلوانية، مثل انتخابات البرلمان التي زورت من منبعها وحازت على مباركة الشعب والنخبة والأقلية البرلمانية، باقي الفصائل من فلول وثورة ورأسمالية جديدة ويسار وحتى التيار الديني المعتدل، كل لعب لعبته الخاصة أملا في إما الاصلاح من الداخل مثل بعض النواب الذين يحرثون في البحر أو في منصب يحقق طموحاتهم أو يفتح لهم سبل المشاركة السياسية الأفضل في المستقبل. لكنهم مجرد كومبارس على رأي إبراهيم عيسى وربما أسوأ من الكومبارس لأنهم يحللون ما يسعى أصحاب مشروع الدولة الدينية لتحقيقه، فبدون مشاركتهم ربما لا يرى المشروع النور.
كل الذين يرتدون نظارة وردية ويحلمون بقدرتهم على كتابة دستور، ولو مرقع، لا يملكون الآليات التي تمكنهم من ذلك ولن يكونوا صناع قرار بشروط العسكر-إخوان. والشعب الذي حلم بدستور يضم قواعد المساواة والعدل ويضمن مواطنة بالمعنى الحقيقي للكلمة وليس بالمعنى الإخواني-سلفي لها. أو كما قال نائبهم أكرم الشاعر إن حرية التعبير مكفولة للجميع إلا مثيري الفتن ودعاة الهدم. هذا هو التعريف الإخواني للحرية التي تشمل حرية التعبير، الحرية المشروطة بتعريفهم لمعاني الولاء والخيانة. الدستور الذي يتمناه الشعب هو الذي سيحقق له الحياة الكريمة التي يستحقها وليس الذي سيحوله على أحسن تقدير إلى قلة من المحسنين وكثرة من طالبي الإحسان. ما الحل إذن للخروج من نفق الدستور المظلم؟
على القوى الرافضة لتحويل مصر إلى دولة فاشية فاشلة، مواردها عرضة للنهب الداخلي والخارجي، دولة طاردة للعقول والأفكار وأداة طيعة في يد القوى الكبرى وأثرياء الخليج أن ينفصلوا عن اللجنة التأسيسية للدستور وينأوا بنفسهم عن مهزلة ذلك الدستور المكتوب خلسة من وراء ظهر شعب أنهكوه بأزمات البنزين والأنابيب والقتل والسرقة والبلطجة، ويكتبوا بأنفسهم دستورا حقيقيا يضموا فيه كل الإصلاحيين من الإسلاميين المؤمنين بالدولة الحديثة ويكون نواة مشروع مصر الحضاري. إن اللحظة حاسمة للخروج من أسر العسكر-إخوان الذي لن يدوم تحالفهم طويلا، فإن آجلا أم عاجلا سيقع الصراع الحتمي الذي لن يدفع ثمنه سوانا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح


.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير




.. النشيد الوطني الفلسطيني مع إقامة أول صف تعليمي منذ بدء الحرب


.. بوتين يؤدي اليمين الدستورية ويؤكد أن الحوار مع الغرب ممكن في




.. لماذا| ما الأهداف العسكرية والسياسية التي يريد نتنياهو تحقيق