الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتلانا وقتلاهم

باسل سليم

2005 / 1 / 18
الادب والفن


عالم ابله ، مجنون ، حرب ابدية ، قصص بطولية وأفلام عن جنود يقتلون العشرات منا كما فعلوا في فيتنام في لحظة واحدة

الأم الفلسطينية التي أعلنت أنها لو أستطاعت أن تنجب عددا أكبر من "الأولاد " لكانت وهبتهم للثورة كما وهبت الأربعة الذين قضوا من عمر المقاومة وشربت حسرتهم واحدا تلو الآخر ودعت الثاني طالبة منه أن يسلم على الأول وواعدة له بآخر على الطريق .

أربعة من الأمهات " الاسرائيلبات" يقدن حركة تطالب "أسرائيل " بالانسحاب من جنوب لبنان ويثرن الكثير من الضجة ويحرجن الحكومة ويوهن العزيمة الاسرائيلية ، شكرا لهن ، وفرن على امهات غير مستعدات للتضحية بأبنائهن من أجل وهم أرض الميعاد ..

التلفزيون العراقي يعرض صور الجنود الغزاة مجندلين بالرصاص ومغطين بالدماء فتقوم الدنيا ولا تقعد، ويراجع الخبراء اتفاقيات جينيف ويفلون حتى النسخ المعدلة منها لإدانة هذا الاستعراض لجثث بشرية على التلفاز ، ويتوقع رئيسهم أن يعامل الجنود الذين أسروا احياء معاملة حسنة ..حسناً.

الطيار الاميركي يستشير على اللاسلكي الضابط الآخر متسائلا عما له أن يفعله بحفنة من المدنيين الذين خرجوا إلى الشارع ولا يبدوا من حركتهم انهم مسلحون ، فيأتيه الجواب حسما للشك وتحسبا لأن يكونوا ارهابيين اقصفهم ، يتناثرون في لحظة كالعصف المأكول والجميع ينظر ببلاهة في شاشات التلفاز الحمقاء ، وصمت ...

القوات الاميركية تقصف المدنيين الافغان في أحد الاعراس بالصدفة ، مستكثرة عليهم الاحتفال بزواج أحدهم بعد "التحرير" من نظام رجعي كان يمنع الموسيقى ، ربما أراد الطيار الامريكي اضفاء موسيقى خاصة على العرس فبدل الطبل والاحنفال باطلاق الرصاص أطلق صاروخ لا يخطيء الهدف في قلب العريس مباشرة .

المشهد يتكرر في عرس عراقي ، بدو يبتسمون في الصور فرحا بالعريس ، أطفال ملوحين من السمرة يضحكون انتشاءا في غفلة عن الحرب ، موسيقى بسيطة على القد لا تتناسب ومظاهر البداوة ، ولائم تعد على نار هادئة للضيوف حتى لو كان بينهم غزاة فالضيف ضيف ....وإطلاق نار في الهواء على عدو وهمي كعادة العرب إضافة إلى طيار غبي لم يتلق أي معلومات عن عادات الشعوب التي جاء لغزوها من وراء البحار فيرد على النيران المعادية بقذيفة حديثة تضمن الموت السريع ...والنتيجة خطأ متعمد ندينه بشدة ونسكت على قتلانا ونعذر الطيار المسكين لجهله متوقعين ذلك من خبرتنا بذكاء رئيس بلاده وحكمته...

موت بطيء على الشاشة في حصار أخرق يتهم كل طرف الآخر بتسبيبه والنتيجة واحدة ، مئات الآلاف من الاطفال يموتون ببساطة الشروق والغروب نتيجة لقرار أمم متحدة وشعوب متحضرة وعالم أصم لا يسمع ، أعمى لا يرى ....

مقاتلون بسطاء بأحذية بلاستيكية وملابس رثة وأسلحة مهربة قد تنفجر بين أيديهم يموتون بالعشرات بدون تعقيدات تكتيكية ولا نظرية ثورية تبرر المقاومة ، كل ما يملكونه قلوب بسيطة تحن للشاي المعتق بالنعناع في مساءات باردة وعالم بدون أصوات رصاص وأطفال مشاغبون ..

مقاتلون متثاقلون من أسلحة خفيفة وثقيلة ، ومناظير ليزرية وسترات واقية ، لكنة عوجاء وحلم بفتاة وبيرة باردة تبرد القلب ، بسطاء أيضا من نوع آخر والتعليمات واضحة " نفذ الاوامر واقتل كل هدف متحرك " .. مساكين حين نقتلهم دون شفقة ليعودوا ملفوفين بأكياس بلاستيكية معدة خصيصا لموتهم ولا نجد الوقت للتفكير في معنى موتهم فما زال عندنا الكثير منهم بالانتظار ...

مخيمات وأطفال شتات ، مصانع الموت البطيء ، نموت فيها كالأشجار ، قابضين على مفتاح الدار ، حاقدين على جيوش وهمية وعدتنا بالعودة بعد أيام ، واذا جائت الحرب نذهب للموت مزنرين بعار الانتظار لا يمحو غضبنا إلا موتا سريعا قريبا من هناك ، من أرض لم نرها بعد .....

هل يموتون كما نموت ، هل تعد لهم جنائز يصرخون فيها غضبا واعدين بمزيد من القتلى على طريق الحياة ، هل تعد لهم أكفان مثل أكفاننا ، هل يضيقون بالمقابر الجماعية التي ندفن فيها اذا قتلنا بالجملة توفيرا لأرض تتقلص مع كل احتلال ، هل تبث صور قتلاهم مرتبين في الشاحنات فوق بعضهم البعض ، هل يموتون بلا معنى كما نفعل ، هل يتركون نساءا خلفهم يتشحن بالسواد أبد العمر أم تنسى نساؤهم بعد حين ويتابعن الحياة بهدوء ، هل يبكي اطفالهم اذا ماتوا بكاء اطفالنا أم يعانون من صدمة غياب الاب ويعين لهم مستشارون لمعالجة الحزن والاكتئاب ، هل يتوعد اطفالهم بالثأر وهم بعمر الورد ويغضبون ويبعثون برسائل للغزاة كما يفعل أطفالنا ، هل يعذر طفلهم أباه على الموت كما يعذر أطفالنا آباءهم ويسكتون على الجوع أم يتحسرون متذكرين هدايا العيد والآيس كريم والوجبات السريعة ، هل يعاملون كأرقام ولا تذكر اسماؤهم كما يفعل بقتلانا فذكر اسماء من يموت منا كل يوم سيطول على المشاهدين والمستمعين ، هل يلف قتلاهم بأعلام الوطن البالية أم بأعلام نظيفة ترتب بعد الدفن ويلف العلم ويعطى للاهل امتنانا وشكرا على شهيد "نشر الديمقراطية"،،،،
هل و هل وهل
" قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار "
اذا صدق الوعد !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن