الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس ثمة موسيقى .. لكنها سترقص غدا

هويدا صالح

2012 / 3 / 25
الادب والفن


ليس ثمة موسيقى، لكنها سترقص غدا
هويدا صالح
ثمة علاقة متراوحة بين الحياة والشعر ، فالشعر باعتباره تجربة لغوية تراهن على جماليات خاصة تميزه عن بقية ألوان التعبير الأدبي لا ينهض بحيوية إلا حين يأخذ من الحياة حيويتها وتفاصيلها ليدخلها في فضاء القصيدة ، والشعر كذلك يجعل الحياة ممكنة بطريقة ما وجديرة أن تعاش، ولا يعيش من الشعر إلا ما يعتمد على حيوية الحياة، يصيغها بطرائقه الشعرية، وهي من جهة أخرى يطالها الشعري بتأثيره وسحره، ويمنحها طاقة خلاقة مُغيِّرَة ويضفي عليها لمسة من العمق لم تكن لها من قبل، ويكسبها رحابة وليونة آسرتين. وحين تخلو حياة ما من الشعر فإنها تصبح أقل جدارة بأن تعاش. ذلك ما خامرني حين قرأت الديوان الثاني للشاعرة هبة عصام " أن تأكلنا الوردة " الصادر مؤخرا عن دار شرقيات. ورغم عنوان الديوان الصادم ، فالوردة التي يجب أن تسعدنا هي ذاتها التي تقتلنا، وكأنه طقس من الوجع تم الإتكاء عليه حتى أنه صار ما لا يقتل يقتل، ما هو مخصص لإسعادنا صار يقتلنا مثل وردة، تزحف نحونا كي تأكلنا، وردة ناعمة رقيقة ، لكنها مليئة بالقسوة .
عشرون قصيدة تتوزع عبر 78 صفحة من القطع المتوسط ، ليس ثمة قصيدة فيهم أعطت الديوان عنوانه. تبدأ الديوان بالمرآة وتنهييه بالصورة، وعبر المرآة والصورة الذات تمارس بحثها الحثيث عن تواصل عزَّ عليها في حياة تُفقد الوردة براءتها ، وتجعلها صالحة للقتل .
رغم مساحات الشجن والوجع الإنساني في هذا الديوان إلا أن القارئ حين يقرأه يجد فيه عذوبة لا تليق إلا بشعر عميق وتأملي، فالذات الشاعرة في هذا الديوان الهامس تتعرض لحالات من الوجع والإيلام المنظم من كل من و ما حولها حتى يصير الحزن وشما يعلق بوجه هذه الذات ولا يفارقها. رغم حالات استدعاء الفرح الذي يهرب منها في سراديب سرية ، ولا تفلح كل طقوس البهجة أن تعيد هذا الفرح، فرغم أنها تمس السماء مرتين، ورغم تعطل الزمن لوقت إلا أن أرجوحة الفرح لا تذهب بها أبعد من هاجس التشابك، وسرعان ما تتحول الضحكات الطائرة في سلام وطيبة إلى شهوة للبكاء، فلا " بالون" يُرسلها للسماء ، ولا سترة للغطس تحميها من ابتلاع الحوت. إنه الفرح يهرب منها داخل سراديب سرية .
إذن هي حالات من الشجن والافتقاد تقدمها لنا هبة عصام في قصائد نثرية بالغة العذوبة ، وقادرة على أن تمس الحزن الثاوي في عمق ذاتها الشاعرة .
تفتتح الديوان بمقطوعة شعرية بعنوان " مرآة " نجد الشاعرة توقف ذاتها أمامها ، ذاتها الشاعرة التي أحلت المرآة محلها ، وتوحدت في صورة لها في تلك المرآة ، لتعاقب تلك الذات التي تعرضها لكل هذا الألم والحنين : "
أعاقب المرآة بتكوين جديد
أحشد حوافها بتساؤل شبق
عما يحدث في الركن الآخر من الغرفة
أعززه بمروري أمامها عارية
ثم أضع فوق أدراجها حمالة صدر
وعلكة ممضوغة
وبتشف أتركها وفضولها العاجز".
في قصيدة عذبة بعنوان " دويندي " الذي فسرته الشاعرة في الهامش بأنه مصطلح إسباني تحدث عنه لوركا ويعني الإلهام والنشوة الكامنة في الفن ، فحين تعجز عن فهم هذا العالم الردئ تسلم جسدها للـ " دويندي " فـ "
يدق الأرض فوق حافة الأشياء
يُعمدني بماء داكن
فيما ياتي اليقين سافرا
فوق رغبة لا تنطفئ "
هي لغة الجسد مكتوبة بعذوبة الشعر ، فتظل هامسة غير فجة ، فالجسد في المرآة تحشده الذات بتساؤل شبق ، وامرأة الجوزاء لم تعد صغيرة لتقلب الطاولة ولا تستسلم لحزن عميق ، بل تحاول أن تلامس الفقاعات في بركة من زبد البحر ، ثم تتساءل هل للاحتضار نشوة ؟! .
وحين تجد الذات أن العالم يصب المرارة في حلقها تخلق لها عالما افتراضيا تفرض فيه هي شروط التواصل مع الآخرين أيا كانوا تقول في قصيدة مقهى الفيسبوك : "
لم أزف خبرا جديدا
لكنه زفَّ ابتسامة طفولية
على إثرها
حجزت مقعدا في الهواء
وعلى حائط " الجروب "
ينمو نعناعه
خارجا من الشاشة إلى مطبخي "
ولا يقتصر هذا العالم الافتراضي على تلك القصيدة فثمة قصائد أُخَر نشم فيها نعناع ذلك العالم الافتراضي الأثيري ، في قصيدة " ضغطة فلاش ، تعلن لنا الشاعرة أن كليهما ضغطة فلاش أزرق ينطلق من عين كاميرا هي الطريق إلى العالم الافتراضي : "
جدران أربعة وشاشة زرقاء
هكذا أشعر بالأمان
كقنفذ صغير،
أما القلب فطاقة زجاجية
تُطل على مثلث برمودا .
وفي قصيدة " قشة " نجد الذات تواصل البحث عن تواصل حميم ، فتصطدم بأولئك الباهتين خلف " الماسنجر "
صبوا المرارة في حلقها :
صاحب الوجه الخشبي،
المرأة الهشة،
عابرو الطريق المهمومون بأشيائهم المتشابهة،
الطفل الذي لم تُشفَ منه،
كذلك الباهتون خلف " الماسنجر "
و" الفيسبوك " .
كل هذا التعب ، وكل هذا الحزن ، لم يمنع الذات أن تحاول المقاومة ، تقاوم بالموسيقى والرقص والغناء ، تقاوم حين ترى وجه عم جرجس الطيب ، وحين تجلس أمام تمثال العذراء ، وتساؤلها : " فيم أشبهك " تقاوم وتعلن لنا رغم أن لا موسيقى هناك ، لكنها سترقص غدا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مودة وتقدير
محمد يوب ( 2012 / 3 / 25 - 20:50 )
قراءة مميزة محكمة اعتمدت فيها الناقدة على مجموعة من الآليات و الأدوات النقدية زكان أبرزها التفكيك و التأويل الذي يبحث عميقا في ذات الملقي وتلقي المتلقي فالشاعرة كما يبدو تركز على حركية اللفظة وهي تتحرك في اتجاه المعنى باعتماد اللغة الواصفة التي تنحث عميقا في ذات المرأة وفي عمقها وفي رؤيتها إلى الكون .دمت و الشاعرة بود

اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس