الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حامل الهوى تعب : قصة قصيرة

رياض خليل

2012 / 3 / 26
الادب والفن



يوميا .. يستيقظ باكرا .. ينهض من فراشه ، على هاجس يحركه كرجل آلي " روبوت" . قبل أن يغسل وجهه ، وقبل أن يشرب قهوته الصباحية المعتادة ، وقبل أن يصبّح على أهل بيته . تراه يتجه كالمنوّم مغناطيسيا نحو باب البيت ( الشقة) الواقعة في الدور الثالث من العمارة المواجهة لنا ولبيتنا الأرضي . كنت أراه كل يوم ، ولم أنتبه في البداية لما يقوم به من طقوس ، ولكن تكرارا تصرفه اليومي على مدى زمني طويل ، لفت نظري ، وأثار استغرابي .. ثم تعجبي .. ثم ضحكي من الطقس اليومي الذي اعتاد ممارسته في الشارع : أسفل العمارة التي يقيم فيها . وعلى مرأى من الجيران الفضوليين الحشريين والحسودين و.. الخ . لم يكن ليخجل من حبه وغرامه الفاضح المثير ، على الرغم من كهولته ، إنها مراهقة الكهولة . لم لا .. وكهولته لم تفقده الوسامة ، ولا خفة الدم ، ولا الابتسامة الدائمة المرتسمة على فمه . كان لطيفا مهذبا ، سلسا متعاونا ، ومع ذلك لم ينج من انتقادات الجيران اللاذعة لتصرفاته العاشقة التي لاتراعي القواعد المرعية , ولاتأخذ بعين الاعتبار الناموس الاجتماعي السائد . كان العاشق الكهل يطبق مقولة الشاعر الشهير أبا النواس :
( حامل الهوى تعب = يستخفه الطرب )
وكان العاشق الكهل الوسيم يتنازل عن وقاره وهيبته ، ففي الحب لامكان للوقار .. ولامراعاة للناموس . والوجد يعمي صاحبه عن أي شيء سوى حبه وصورة معشوقته التي يعيد رسمها كل يوم ليضيف لها جمالا فوق جمال ، وسحرا فوق سحر . إنه هوس الحب ، إنه عين الحب ذات الزاوية الضيقة جدا ، الزاوية التي لايرى ولايسمع ولايحس العاشق بشيء مما يحدث خارج قوسها
يخرج من شقته كرجل آلي ، ينزل الدرج ، يطل من مدخل البناية ، راقبته ، انعطف نحوها ، كانت واقفة بانتظاره ، كانت فاتنة ، جذابة ، تبدو كعارضة أزياء شهية ومثيرة وشهيرة ، لامثيل لأناقتها وجمالها المغري ، كثيرون من أهل الحارة من الجيران القريبين يحسدونه عليها ، ويحلمون بها بشغف ، يرنون إلى امتلاكها ، كانوا .. وكان كثيرون يغارون من العاشق الكهل ، وهو يغازلها كالسكران الهيمان المتيم بمحبوبته . كان يدور حولها ، يتأملها بنظرات صوفية عاشقة ، وكان لايتردد بلمسها ، وتفحصها ، وبعض من الجيران الفضوليين يختلسون النظر إليهما من زوايا نوافذ الشقق المطلة على مكان المواعدة واللقاء اليومي الفريد . ويتلفظون بكلمات غير مفهومه ، ولكن سحناتهم كانت تشي بالمعنى . والأغرب من كل هذا أن زوجته كانت تطلّ من الشرفة دون أن تلقي نظرة على مايحصل من وراء ظهرها ، وكانت أحيانا تلقي نظرة عابرة غير مكترثة عليهما ، وهما في الأسفل ، قرب البناية ، وتتجاهل مايحصل ، وكأن الأمر لايعنيها . لم تبد الغيرة ولو مرة واحدة من ضرّتها الواقفه مع زوجها في الأسفل ، وكأنها عارضة أزياء أنيقة وفاتنة . شيء غريب حقا ....
وتذكرت أنني باركت له وهنأته بها . وفرح العاشق لأنني من القلة التي هنأته وباركت له .
كان المشهد رائعا ومثيرا بالنسبة لي ، كنت أرى فيه معاني لاحصر لها ، معاني تنم عن واقع الكهل العاشق وتاريخه وطبيعته الأخلاقية والإنسانية والعاطفية ، وكان المشهد وثيقة تترجم خلفياته الاجتماعية والطبقية المتواضعة التي انطلق منها حتى وصل إلى ما وصل إليه مما لم يكن يحلم بالوصول إليه يوما . ويبدو أنه قانع بحظه ونصيبه حتى الآن .
ومن المهم أن أذكر أن الرجل الكهل العاشق .. انطلق وعاش في بيئة ريفية فقيرة ومحرومة ، ولم يكن ليحلم بتحقيق ما وصل إليه من نجاحات وإنجازات مادية ومعنوية ، يراها نهاية العالم
الكهل العاشق رجل بشوش ومحب للاجتماع والتواصل ، وحينما تتلتقي به ، وتعاشره ، تحس أنك تعرفه معرفة حميمية ، وبأنك أزاء شخص مريح ورائع .
في الظاهر لم يكن له أعداء ، ولكن له حساد بالتأكيد . ومع ذلك لايمكن تفسير ماحصل لابالعداء ولا بالحسد . المصيبة التي حلت بالكهل لم تكن في الحسبان ، إنه لايستحق غير المحبة والخير ، ولايستحق الأذى الذي لحق به ، أقصد بحبيبته ومعشوقته المذهلة . لقد فجع الرجل بما أصابها وحل بها من تشوه بسبب الحادثة المجهولة التي ألمت بها ، والفاعل مجهول حتى الآن . لقد بكى الرجل الكهل .. ومرض .. وشاركته أسرته عواطفه الجياشة الحزينة . وكنت من بين المواسين للرجل الكهل العاشق . وطيبت خاطره ، وهونت عليه ، وهدأت من روعه ، وقلت له :" شدّة وتزول إن شاء الله " ، ودعته ، وظل متألما حزينا .
كانت معشوقته من نوع " ب.م. دبليو" (B.M.W ) ، وكان الرجل ضابطا متقاعدا ، اقتنى السيارة حديثا ، وبدون رسوم جمركية ، أي بسعرها المنخفض . وقد اشترى لها فستانا رائعا لحمايتها من أشعة الشمس والمطر والعوامل الجوية ، وكان يعتني بها أيما عناية ، ويتفقدها يوميا في الصباح الباكر وقبل أن يتناول فنجان القهوة المعتاد ، وقبل أن يلقي تحية الصباح على أهل بيته . كان يخرج للتو من الشقة في الطابق الثالث ، ينزل الدرج ، يطل من مدخل البناية ، يتجه نحو سيارته الفخمة الفاخرة الوثيرة التي كان يركبها ويقودها الهوينى في نزهة قصيرة ، لكي لايرهقها ويتعبها ، ولكي لاتشيخ باكرا ، كان يود أن يحتفظ بها كما خلقها ربها ، جديدة فاتنة ساحرة جذابة ، وهي تقف في الشارع تحت العمارة ، يركنها بالقرب من أسفل العمارة بعد أن يغطيها ويطمئن عليها صباح مساء ، وكان الجيران بالفعل ينزعجون منه لأنه يحجّبها ، ويحول دون نظراتهم إليها ، كي لايروا مفاتنها المثيرة المغوية ، إنه يغار عليها حتى من نظرات الجيران والناس ، ويخشى الحسد ، ولكن ذلك كله لم يمنع من وقوع المصيبة التي حلت بها . حيث أفاق ذات صباح ، ليجد نافذة ( فتحة ) السقف الزجاجية القوية وقد هشمت بسبب " بلوكة " سقطت عليها ، ولاأحد يعرف حتى الآن كيف حصل ذلك بالضبط ، مع أن الشقة العلوية فوق شقته كان صاحبها يقوم بصيانتها ، وربما أحد العمال رمى "ببلوكة " على السيارة في الأسفل ، مع أنها بعيدة نسبيا عن البناية بحوالي الثلاثة أمتار .
وبعد يومين عمل الكهل العاشق على معالجة معشوقته المعطوبة ليعيد إليها الصحة والعافية والعنفوان والشباب ، وأجرى لها عملية تجميلية ناجحة وفائقة الدقة ، وإثر ذلك ذبح لأجلها عجلا ، وزعه على الفقراء ، واحتفل بهذه المناسبة احتفالا يليق بعروسه الجميلة ال:( ب.م. دبليو : B.M.W ) . وكنت من بين المشاركين بالحفل .
السبت – 24/3/2012 – اللاذقية – الساعة الحادية عشرة مساء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي