الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية ،، في الايديولوجيات المختلفة

لينا جزراوي

2012 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في ظل الحراك السياسي المتسارع في العالم العربي ،، والدعوة للانتقال والتحول الديموقراطي التي باتت على ما يبدو مطلب ملح تطالب فيه الشعوب العربية بمختلف تياراتها السياسيه وايديولوجياتها المتنوعة ،، كثر استخدام مصطلح الدولة المدنية وربما يكون شعارا شبه موجود على خارطة العديدين اليوم بحيث بتنا نرصد لدى كافة التيارات والأحزاب السياسية ، على اختلاف رؤاها ،، الدعوة الى الدولة المدنية ،، وكأنها المخلص في وقتنا الحالي مع معرفتنا بأن المصطلح ما زال يشوبه الكثير من الالتباس ، وربما يكون مرفوضا بالكامل لدى بعض التيارات المحافظة بشكل عام ويبقى القاسم المشترك من وراء طرح الدولة المدنية هو تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون.
لكن ما دفعني حقيقة ، للبحث في شكل الدولة المدنية التي ترتأيها هذه التيارات ،، أنه من غير المنطق والمعقول أن يكون شكل الدولة المدنية ومفاهيمها وبناها لدى التيارات جميعها تتضمن نفس السياقات والبنى والمفاهيم ،، فمن الصعب تخيل الدولة المدنية لتيارات سياسية تختلف اختلافات جذرية في ايديولوجياتها.
فعلى ماذا تعتمد فلسفة الدولة المدنية ؟؟؟
ان فلسفة الدولة المدنية هي تعبير عن وجود علاقة ما بين المجتمع والسياسة ، وبعيدا عن فلسفة الدين وسلطته ،،، وتقوم على أساس اعتبار المجتمع سابقا للدولة ، ومصدر شرعية الدولة ورقيبها ،، ففي أوروبا مثلا أعلن التحول عن الأنظمة القديمة التي كانت تقوم على الربط ما بين السلطة الدينية والسلطة السياسية ، وتشكيل مرحلة جديدة من التعاقد ، انطلقت بعد نضالات واسعة للفصل بين "المدني" و "الكنسي" ،،، فالمجتمع المدني اذن مجتمع قائم على فكرة التعاقد البعيد عن السلطة الدينية، وهذه من الثوابت الأساسية في الدولة المدنية فالدولة التي تستمد أسس بناء السلطة السياسية فيها من السلطة الدينية ،،، من الصعب ادراجها تحت بند الدولة المدنية ،، فما هو مؤكد ومتفق عليه ،، أن فكرة الدولة المدنية لا تكتمل الا في في ظل مجتمع مدني ،، وهذا المجتمع لا يجد أساسه الا في تفاعل ثلاث نظم اساسية تشكل بمجملها قيم ومعتقدات تتلائم مع فكرة المجتمع المدني ،، وتصبح جزءا اساسيا من مدنية الدولة،، و القيم التي تتناسب مفاهيمها مع فكرة الدول المدنية لا تخرج عن ثلاث أطر سياسية هي الليبرالية ،، الرأسمالية،، والعلمانية .

هذا أولا ،،،
ثانيا ،،، نجد بأن المطالبات في العالم العربي للتحول الديموقراطي ،، يواجه عقبة عدم النضج السياسي وعدم الجهوزية بعد لممارسة الديموقراطية ،، وهنا لا بد للاشارة الى أن الشارع العربي فعلا قد لا يكون متمرسا في ممارسة الديموقراطية ولا يمتلك تصورا عن مفاهيمها وقيمها ،، لكن هذا لا يتحمل مسؤوليته الشارع أو المواطن العربي بل السياسات والأنظمة العربية ،، التي تشكلت منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية وانتقلت لتشكل دولا اطارها أبعد ما يكون عن دول المؤسسات والقانون والمجتمع المدني ، التي تشكل البنية الاساسية للدولة المدنية.
فسياسات الدول العربية ،، لم تحفر اساساتها المتينة في الأرض ،، و مشاريع التنمية السياسية في مجتمعاتنا لم تحقق أهدافها ،، أو أجهضت وفرغت من مضمونها ، وساهمت تشكيلة بعض الأنظمة السياسية في العالم العربي في عزل المجتمع ومنعه من ادراك وممارسة الصيغة المؤسسية ، وسيادة المصلحة العامة ،، كما عمدت على تنشيط الأنساق الفرعية ،، طائفية ، مذهبية ، وقبلية ، لتسهيل السيطرة على هذه الجماعات وكسب ولائها، واليوم هي نفسها هذه الأنساق تستخدمها الدولة وسلطاتها الأمنية في افشال اي مبادرة أو حراك منظم ، يسعى لبلورة مشروع نهضوي لهذه الجماهير او تيارات تمثلها.
ثالثا ،،،،
لقد نمت الديموقراطية في العالم الغربي ،، نموا تدريجيا وأستوعبها الانسان هناك بكل تفاصيلها وقيمها ، ولم تهبط عليه من السماء ، فانتشار الديموقراطية في دول العالم حدثت كنتيجة لمجموعة من الأسباب المتفاوتة والمختلفة من دولة الى أخرى ، لكن مهما كانت الاسباب التي أدت الى التحول الديموقراطي في أوروبا ،، الا أن الاجماع على فصل الدين عن السياسة وعن التشريعات والقوانين، كان سيد التحول نحو المدنية.
رابعا ،،
ان أسباب اعاقة التحول نحو الديموقراطية والمجتمع المدني في العالم العربي ، هو محاصرة المجتمع المدني ومؤسساته ، وجعله محصورا تحت ادارة أجهزة الدولة وسلطاتها ، ، واضعاف اهتمام المواطن العادي بالشأن العام ، وبالتالي في التأثير في القرارات ذات العلاقة بمجتمعه الأوسع ،، فتسعى النظم السياسية في العالم العربي الى القضاء على تشكيل الدولة المدنية من خلال ، السيطرة على الحكومة وامتلاك حق حل البرلمانات والمجالس المنتخبة ، أضف الى ذلك الغاء التعددية السياسية والتضييق على الأحزاب ، ثم ولادة دساتير معطلة ، فالواقع السياسي في كل دول العالم العربي يقر بمبدأ احتكار السياسة في يد جماعة اجتماعية والتحفظ على مبدأ التعددية السياسية ، برغم كل الصيغ القانونية المعلنة، فيحال الدستور ومواده الى التشريع العادي ليقيد الحقوق والحريات أو يصادرها ،و أميل جدا لفكرة أن بعض حكام العالم العربي ، وعلى الصعيد الشخصي ، من المحيط الى الخليج ، لديهم مشكلة حقيقية مع تقبل فكرة التعددية التي تقتضي بالاساس تحقيق مبدأ الاعتراف بالآخر.
والسبب الآخر لاعاقة التحول الديموقراطي وتبلور الدولة المدنية ،، هو الساحة المباحة للتيارات الدينية التي قضت ولسنوات طويلة ،، تصنع وتشكل الاطار الفكري للعقلية العربية،، وتؤهله لقبول فكرة الدمج مابين الدين والسياسة ،، وصارت السلطة هي الدين والدين هي السلطة ،، لتصبح مظلة القوانين المقبولة والمتوافق عليها من قبل الغالبية ،، هي التشريعات المستمدة من الفكر الديني،، واحب هنا أن أشير بان الدولة المدنية التي تفصل الدين عن القوانين والتشريعات ، وتفصل الدين عن السياسة ،، لا تعني بحال من الأحوال بأنها دولة بلا دين ،، وبتاريخ تشكيل الدول المدنية في العالم ، كانت الدول المدنية ومازالت ، أكثر الدول التي تسمح قوانينها باحترام الطوائف والمذاهب المختلفة ، وحرية ممارسة الطقوس والشعائر الدينية ،تحت مظلة القانون ،،،،،، والدعوات والفتاوي لهدم الكنائس في بعض دول العالم العربي لهي أقرب وأوضح مثال على حقيقة رفض الآخر ،، ومحاولة الغاءه ،،، فكيف نتحدث عن دول دينية مدنية ؟
أخيرا ،،،،
نحن أمام مشكلة حقيقية ، وهي أن هناك قطيعة وطلاق ما بين الدولة والمجتمع ، هذا الطلاق ليس وليد اليوم بل تشكل بعد سلسلة من التراكمات و الممارسات السلطوية لدى جماعات اجتماعية تحتكر السلطة والثروة والقرار ، وتترجم هيمنتها وفرض ايديولوجيتها ، وتقوم بتعطيل عمل النقابات ومؤسسات المجتمع المدني وجعلها تعمل بخجل وتردد تحت لواءها ، فتفقد مصداقيتها لدى المواطن ،الذي لم يعد يعنيه أمر المشاركة في انتخابات برلمانية ، يعرف مسبقا أنها غير نزيهة ،، أوالمشاركة في انتخابات نقابية يعرف مسبقا ماذا ستفرز ،، أو الانتظام في حزب سياسي لا يتمتع بالحد الأدنى من شروط الاستقلالية ،، ، ولا ننسى أن كل الأنظمة السياسية العربية تستخدم أسلوب توسيع سلطات الأجهزة الأمنية واطلاق يدها في المجتمع ، كأنها دولة داخل دولة، بالاضافة الى احتكار الساحة السياسية لقوى ، بعينها وبناء تحالفات مبنية على موازين القوى المحلية والاقليمية والدولية ،، واجتثاث الحراكات القومية واليسارية العروبية ، وأحمل هذه التيارات مسؤولية انسحابها من الساحة السياسية .
أعتقد أننا اليوم أمام مجتمعات عربية تنضج، وترغب في التحول نحو قيم الديموقراطية سلوكا وممارسة ، بعد أن طفحت بالشعارات الرنانة والمبادىء العاجزة عن التحقيق ، ان الدول قد تضعف وتذبل ،، الا أن الشعوب تبقى وتعيد بناء نفسها وتنهض من جديد ، مهما امتهنت كرامتها وأستعبدت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قطيعة
عباس سامي ( 2012 / 3 / 26 - 09:51 )
ان القطيعة مابين الدولة والمجتمع ستاخذ شكلا جديدا من العلاقة بعد فشل جميع التجارب التحررية. لكن بقناع اوصيغة دينية ستستمر لعشرات السنين.


2 - بناء المجتمع قبل بناء الدولة المدنية
سامي بن بلعيد ( 2012 / 3 / 27 - 20:04 )
الليبرالية والعلمانية والرأسمالية ستظل مرجعيات سياسية ولا يجوز في اي حال من الاحوال ان تكون مرجعيات ثقافية وطنية تحتضن كل آمال وطموحات المجتمع ومهما يكن من اعتبارات ترى ان المدنية لا تتوفر خارج إطار الليبرالية والعلمانية والرأسمالية ولكنها ستظل قاصرة لان كل واحدة منها قد أثخنت الشعوب جرحا , وقد يرى البعض ان الليبرالية التوافقية هي الافضل في عصرنا الحالي بينما يرى البعض ان العلمانية هي الحل رغم ظهورها العدائي للاديان لم يوفر لها المناخ المناسب للانتشار والتوسع
فحكاية الحديث عن التكوينات السياسية المدنية تعتبر حكاية سابقةٌ لاوانها فلا بد ان يسبقها بناء المجتمع أولاً ـ بناء الانسان ـ على اساس حضاري يعيد بناء حلقات التكوين العام للعقل المجتمعي الذي يحمل المفاهيم العامة والاهداف الشاملة لبناء المجتمعات , فلا بد من تدوير زوايا الوعي الانساني واحداث تغيير في كينونة الانسان العربي يؤسس على اطار قاعدة البناء الاجتماعي العام وقبول الآخر لحتى يصبح المجتمع قادر على العطاء والتعاطي
من المفارقات الغير منطقية اننا نرى العلمانيين لم يتعلموا من الرأسماليين حكاية المسالمة مع الاديان واهميتها في است


3 - تابع
سامي بن بلعيد ( 2012 / 3 / 27 - 20:26 )
استقرار المجتمع
فقد نرى الرأسمالية تظفر في نشر مفاهيمها الظالمة بينما الاشتراكية تفشل لانها وضعت نفسها على طرف عدائي للشعوب ومعتقداتها
الجدير ذكره ان المجتمعات العربية في وعيها وأدائها ووضعها الحالي لن تستطع ان تظفر بها لا رأسمالية ولا علمانية ولا ليبرالية ولا اسلام ولا اي شكل من اشكال الديمقراطية لان المجتمعات لم يعد لديها قُدرة على صناعة المعرفة ولم يعد لديها قدرة على التحليل اي انها اصبحت ارضية خصبة لاستلهام كل عوامل الهدم والصراع والتآكل الداخلي ,ولربما انها فقدت الطابع الانساني في التعامل وهو الاهم والاخطر ولذلك لابد للشعوب من تغيير وبالفعل ذلك التغيير لن يتمكن من دفعها نحو الخلاص بشكل كلي وسريع ولكن الامر سيكون تدريجي وبطيئ ولكنه سيكون أكثر أمان وضمانة والاهم من ذلك ان الشعوب لن تتمكن من اجراء التغيير المنشود في ظل تعصب كل ذي رأيٍ لرأيه ... فلا بد من تقديم التنازلات من قبل المتعصبين لافكارهم والتوجه نحو بناء العقلية الانسانية العامة التي تؤهل الجميع وتؤطرهم نحو بناء قواعد النظام المؤسساتي في المجتمع والذي لا يمكنا الوصول اليها إلاّ عبر نافذة
الانسان الفرد التي يتطلّب تغييرها


4 - تابع
سامي بن بلعيد ( 2012 / 3 / 27 - 20:30 )
وتهيئتها للأخذ والعطاء الواعي
الاستاذة لينا جزراوي لك التحية الحارة على طرحك المنهجي الرائع

اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على