الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة .. الأسنان الباكية ..

شوقية عروق منصور

2012 / 3 / 26
الادب والفن


مرتب، نظيف، أسنانه "صفين من اللولي"- على رأي عبد الوهاب في أغنيته الشهيرة. حذاؤه يلمع لدرجة منافسة المرايا المعلقة على الجدران. ما أن يخرج من البيت حتى يشعرن انه سحب الاختناق، والنوافذ تفتح وتتسلق أشعة الشمس والهواء النقي.
- أف... جبل وانزاح عن ظهرنا...! ما أن تسمع الأم كلام بناتها حتى تجن، لكن جنونها يتدفق رفضاً:
- عيب عليكو.. هذا أخوكم الكبير.. بدو يلمكو بعد ما خربت اخلاقكو.. فيقاطعوها بحزم..!
- لا .. إحنا ما خربنا.. هو اللي خرب في السجن.. مفكر كل البنات دايرات على حل شعرهن.. بعرفش انو الحياة تغيرت... عشر سنوات بغيروا الأنبياء...!
صورة يومية تتدفق حين يخرج الأخ من البيت إلى المقهى، حيث يكنّ في حالة تكوم. يلتصقن بعضهن ببعض حتى يخرج، فيشعرن بتكسر القيود والسلاسل. ينفضن غبار السكوت، ويصرخن. يفتحن التلفزيون، يرقصن، يغنين، يحضن صور المطربين الرجال, الذين يشكلون في عالمهن المنفذ الوحيد لرؤية الرجل الرقيق، القادر على تحريك بحيرات الأنوثة النائمة. الأم تؤكد انه لم يكن شقيقهن كذلك، هن لم يعرفنه جيداً. سنوات طويلة وهو في السجن، كانت صورته أمامهن تحمل رائحة البطولة المخفية تحت قميص ابيض، وعضلات تكاد تبرز من تحت الأكمام، وصدر يتحدى مراهقة السنوات التي غمرت ضحكته العابثة، التي مسحها ظلام السجن. من خلف القضبان، من بعيد تتسلل ملامح الغائب، البطل الذي تكللت جبهته في طعن جندي إسرائيلي في سوق البلدة. لم يمت الجندي، لكن هن متن تحت عجلات نشرات الأخبار, التي صورته كأنه الشيطان الذي قبض روحاً بريئة، والبطل الذي تصدر الإعجاب وانحنت الأعناق لجرأته وبسالته، وعلقت صوره على الحيطان، وذكره بعض الخطباء في خطبهم العصماء. لكن ذابت الصور بعد ذلك وتمزقت عن الجدران, ولم يعد اسمه يذكره احد. مات والدهن نتيجة مرض الم به، وبقيت البنات مع الأخ الأصغر يعانين الفقر والذل، والأم تعمل خادمة في احد بيوت المستوطنة القريبة، والتي أشفقت عليها ربة البيت اليهودية القادمة من روسيا، رغم أن الابن في السجن قد طلب من والدته الابتعاد عن العمل في المستوطنة. لكن ماذا تفعل؟ لا حيلة..! من أين تطعم البنات والراتب الذي تتلقاه من إحدى المؤسسات للمساعدة لا يكفي ثمن الخبز الحاف؟! والدة حولتهم إلى رهائن في قبضة الأخ الكبير. في زيارتها له تحكي له عن مشاكلهن وقصصهن، ومدارسهن. البنات الأربع والأخ الأصغر الذي لم يستطع الهرب من قبضة البنات، الذي أصبح في جيوبهن، انه ليس برجل... وتنعته الأم قائلة: هذا رجل كرسي أحسن منه.... هذاك بس البطل اللي في السجن..!!
في السجن كانت السنوات تركض والبنات يكبرن. البطل يركض مكانه، وهن يركضن في الحياة التي تدفعهن للخروج، والعمل. خرج بعد انتهاء فترة الحكم، ومع خروجه دخلن السجن. انه يتصرف معهن كأنه يعيش في زنزانة، هو خرج منها وهن دخلن الزنزانة. ممنوع العمل, ممنوع الخروج إلى الشارع، ممنوع الذهاب إلى أي مكان..! كل صديقة هي فاسدة، كل جارة هي الطريق إلى الرذيلة. أجبرهن على دخول كيس اسود لا تظهر منه الا العيون، حتى لا يراهن أحد.
رجع من المقهى، جلس لوحده أمام التلفزيون الذي نقله إلى غرفته الخاصة. انه يعشق المسلسل التركي، ويعشق بطلة المسلسل، تلك المرأة الجميلة، الجذابة والتي قال لأمه انه مستعد "يبيع فلسطين لأجلها"....! الأخوات في الغرفة المجاورة يسمعن حوار المسلسل دون رؤية الشاشة. يتخيلن أشكال الأبطال والبطلات. لم يعد بلاط البيت يتحمل العد. كل يوم يقمن بالعد، حتى سئمن الجدران. وجدن الحل... ذهبت الأخت الكبرى إلى بيت احد العملاء، همست في أذنه أن شقيقها سيقوم بخطف جندي وقد سمعته وهو يتكلم مع أحدهم. انه يرصد حركة الجنود وهو جالس في المقهى، يراقب ويخطط وينتظر لحظة التنفيذ.
داهم الجيش البيت. اعتقلوا الأخ. لم يسمعوا صوته, وهو يؤكد انه بريء وانه إنسان في حاله.. يذهب إلى المقهى، يقضي وقته في مشاهدة التلفزيون.. لم يعد يفكر في شيء، سوى تربية أخواته البنات. أنه يراقب حركاتهن, ويرصد أحلامهن. حكمت المحكمة عليه بالسجن عشر سنوات. الأخوات تنفسن الصعداء. سيشاهدن عشرات المسلسلات التركية, والأم بكت أمام المرأة الروسية التي تسكن في المستوطنة. وبعد أن شفقت عليها، قالت لها إنها ستساعدها بإقناع الجارة أو المستوطنة الجديدة، القادمة من فرنسا بأن تعمل عندها، وهكذا سيزيد راتبها..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-??‍?? لما لبلبة مشيت في الشارع


.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف




.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين


.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص




.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة