الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيطنة العدو صناعة غربية بامتياز

ثائر دوري

2005 / 1 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


(( إن اغتصاب أراضي الهنود وإبادتهم فضيلة إنسانية. أما مقاومة ذلك الاغتصاب وتلك الإبادة فوحشية وشر وجريمة عقابها الموت". ومع تقدم الزمن صارت شيطانية الهندي ووحشيته بديهية لا تحتاج إلى دليل مثلما أن إنكليزية الله وتفوق شعبه من البديهيات التي لا تحتاج إلى دليل ))
منير العكش

إن صناعة صورة نمطية للعدو تخرجه من إطار الحياة الإنسانية و تجعله في صورة شيطان أمر يُسهل عملية قتل هذا الإنسان في وقت لاحق . فالأكاذيب التي يخترعونها اليوم هي السبب في مجازر الغد .
أثناء حملة إبادة الهنود الحمر ، اتفق الرهبان الإباديون على أن الهنود الحمر ، ثم الزنوج لاحقاً في عصر العبودية الأمريكية . لا يملكون أرواحاً ، و بالتالي فهم لا يتعذبون عندما يتم قتلهم .
في الماضي كانت شيطنة الآخر بسيطة . فإما أنه لا يمتلك روحاً ، أو له خمسة أطراف ، أو أن له ذنباً ....... بمعنى يتم تشويه بنية الخصم البيولوجية لإخراجه لاحقاً خارج الحياة الإنسانية ، و بالتالي يسهل قتله و إبادته كما تقتل الحيوانات و هوام الأرض ، كما ذكرنا . هذا في الماضي أما اليوم و بعد ثورة الاتصالات الكثيفة و ارتفاع مستوى وعي الناس فلم يعد ممكناً لهذا الأمر أن يتم بالبساطة السابقة . لذلك انتقل رسم الصورة النمطية المشوهة للعدو إلى الجانب الثقافي و السياسي .
أنت غربي إذاً أنت متحضر :
هناك مسلمة أساسية داخل الفكر الغربي مفادها إن الغربيين هم مثال الحياة الإنسانية المتحضرة و إن طريقتهم في الحياة هي الطريقة الوحيدة المقبولة للعيش ، أما طرق الحياة الأخرى الموجودة في بقاع الدنيا فهي بدائية و متخلفة و على أصحابها التخلي عنها و تمثل القيم الغربية من الطعام إلى الملابس إلى الانتخابات ...........الخ و ذلك كي يدخلوا في نطاق التحضر والحياة الإنسانية . و إن لم يتوافقوا من تلقاء ذاتهم مع النموذج الغربي حضارياً و ثقافياً و لم يخضعوا سياسياً ، فرفضوا تناول الهمبرغر و شرب الكوكاكولا و لم يقترعوا على الطريقة الغربية . عند ذلك انتدب الله الرجل الأبيض لمهمة تحضير الأغيار المتوحشين . لكن يحدث أحياناً أن يرفض الأغيار المتوحشون إرادة الله التي يقوم الرجل الأبيض بتنفيذها فيرفضون التحضر . هنا لا بد من إبادتهم كما نبيد هوام الأرض الضارة . و كي تتم إرادة الله يمكن للغربيين أن يستخدموا كل ما يخطر على البال من وسائل إبادة ، من الطائرات إلى قذائف اليورانيوم المنضب ، إلى أسلحة الدمار الشامل فهم أول من دشنها باستخدامهم فيروس الجدري في قتل ملايين الهنود . كانوا يرسلون البطانيات المأخوذة من مشافي الجدري إلى قبائل الهنود الحمر ، أطفال البشرية الأبرياء ،الذين لم يتعرف جهازهم المناعي من قبل على هذا الفيروس بسبب عزلتهم الجغرافية في أمريكا ، وبالتالي فهو شديد الفتك بهم و النتيجة ملايين الضحايا . ومن فيروس الجدري إلى القنبلة النووية ، التي جربت في أجساد الشياطين الصفر، اليابانيين ، و ما بينهما مما يعرفه العرب جيداً إذ أن الغربيين قد جربوا على جلودنا كل أسلحتهم منذ خمسة قرون و حتى اليوم و اسألوا أهلنا في فلسطين و العراق فهم أخبر بذلك و كل ذلك لأن الله أرسلهم لتحضيرنا . ألم يصرح بوش أن الله قد أمره بتحرير العراق !!!
طور الغربيون خلال القرون الخمسة الماضية صور نمطية كثيرة للشعوب الأخرى ، حسب ما تقتضيه مصالحهم و حسب ما يخططون لها . و كلها تنوع على صورة المتوحش . فهناك المتوحش النبيل ، و المتوحش الرومانسي ، و المتوحش الذي لا ينفع معه سوى الإبادة ......الخ
كانوا يوزعون هذه الصور على شعوب أمريكا و آسيا حسب مصالحهم الاقتصادية و السياسية . فصورة الهمج النبلاء استخدموها للشعوب التي لا يريدون الاقتراب منها كثيرا . إما لأنها لا تملك في أراضيها ما يفيدهم من ثروات ، أو لأن وقت إبادتها لم يحن بعد . كما استخدمت هوليوود هذه الصورة النمطية في السينما لتؤدي وظيفة طقسية ، و هي تطهير جماهير المشاهدين الغربيين من المجازر التي ارتكبوها . و أشهر أفلام المتوحش النبيل في السينما هو الفيلم الشهير كينغ كونغ .
هذا الفيلم الشهير شاهدته عدة أجيال في كل أنحاء العالم و هو يروي قصة فريق سينمائي غربي يصور فيلماً في (( أدغال افريقيا )) . فلا يظهر من افريقيا سوى الغابات و الوحوش و بعض الأفارقة شبه العراة ، يحدث أن يأسر الفريق السينمائي غوريلا ضخمة تهاجم موقع العمل فيقرر الفريق حملها إلى نيويورك كي يشاهده الجمهور . لكن أثناء العرض ، و أمام الحشود التي أتت لمشاهدة الغوريلا العجيب ، يتمرد الغوريلا فيكسر قيوده و يفر حاملا فتاة شقراء من فريق التصوير ، لقد وقع بحبها . و أثناء هروبه يثير هلع الناس فيدعس الناس و السيارات و يهاجم القطارات و ناطحات السحاب و الجسور العملاقة . لذلك يضطر الغربيون بأسف لقتله من أجل الحفاظ على حضارتهم من التدمير .
إن صورة المتوحش في هذا الفيلم تلخص نظرة الغربيين لأفريقيا التي بدأت تستيقظ و تتحرر من الاستعمار في ذلك الوقت ، حيث ينتمي الفيلم زمنيا إلى نهاية الخمسينيات ، حيث بلغ المد التحرري أوجه . و وجهة النظر الغربية تتلخص أنها تحتاج الأفارقة كي يلعبوا نفس الدور الذي لعبه الغوريلا ، كي نستمتع بمشاهدتهم و عبرهم لنرى كم نحن متفوقون حضارياً ، لكنهم للأسف ( لا بد أن الطيار الذي ألقى القنبلة على هيروشيما قد تأسف ) بدأوا يتمردون على الشروط التي نقبلهم بها ، كمرآة نثبت فيها تفوقنا عندما ننظر إليهم كل صباح . إن تمردهم على هذا الدور يعنى أنهم سيدمرون حضارتنا ، و بالتالي لا حل سوى إبادتهم و لا بأس من أن نذرف بعض الدموع عليهم كي نطهر ذواتنا من الدماء التي سفكناها
العرب في عين العاصفة :
أما صورة المتوحش الرومانسي فهي مرحلة وسطى بين المتوحش النبيل و المتوحش الهمجي . المتوحش النبيل الذي لا يحتاج الإنسان الغربي بشيء و المتوحش الهمجي الذي لا ينفعه الغربي بشيء و يجب إبادته
يحتاج المتوحش الرومانسي إلى عمل المبشرين المسيحيين كي يصير أفضل . و لسان حال الغربيين يقول (( إنهم جيدون بشكل عام لكن ما ينقصهم هو المسيحية كي يصيروا بشراً حقيقيين )) . أي أن يتماثلوا مع النموذج الحضاري الغربي ، و أستدرك هنا لأقول إن المسيحية الحقة هي دين التسامح و العطف على الفقراء و المظلومين لكن الغربيين سرقوا الاسم و اخترعوا عقيدة إبادية و أطلقوا عليها المسيحية و حاشى للمسيحية أن تكون كذلك ...........
لقد تبنوا صورة المتوحش الرومانسي حيث كانوا يحتاجون للشعوب المحلية ، إما كعمال مناجم أو للعمل في المزارع أو لتجنيدهم في حروب الإمبرطورية كمرتزقة .
وتبقى صورة المتوحش الخسيس ، المنحط ، الذي لن تفيده الحضارة الغربية بشيء و بالتالي لا حل سوى إبادته .
إن الحدود بين الصور السابقة للمتوحش ليست نهائية أو مقدسة . فقد حدث أن صنفوا شعباً ما على أنه من الهمج النبلاء ، و بالتالي ابتعد الغربيون عنه فلم يتعرض هذا الشعب للإبادة . لكن عند اقتضاء المصالح عادوا و صنفوا نفس الشعب كهمج أخساء . و مثال ذلك شعب الماوريين ، سكان نيوزيلند الأصليين . صوروهم في البداية كهمج نبلاء . ثم بعد وصول المبشرين كهمج رومانسيين و بعد تزايد أعدد المستوطنين و الحاجة إلى سلب هذا الشعب أراضيه تحولت صورتهم إلى همج منحطين . فتغيرت صورة هذا الشعب النمطية من الأذكياء الأقوياء بدنياً إلى ضعيفي البنية و قليلي الذكاء .
لكن ما هو المعيار الذي يعتمدونه لتصنيف الشعوب ضمن فئة الهمج ؟
من الملاحظ أن الفكر الغربي لا يأبه لهذا الأمر كثيراً فأي سبب كاف لتصنيف هذا الشعب كهمجي يجب إبادته . مرورا من العادة البدوية العربية ، عادة الأكل باليد ، أو لبس الغترة و الشماخ ، إلى الزواج بين أبناء العم ، و صولاً إلى حكاية الديمقراطية التي يتبناها بوش هذه الأيام ، متابعةً إلى تقرير التنمية البشرية ، الذي يبدو ظاهرياً أنه رصين علمياً فهو لا يعتمد سوى على الأرقام و البيانات العلمية ليبرهن أن العرب غير متحضرين . فالمرأة عندهم مهمشة ، و هم غير ديمقراطيين و التنمية عندهم متوقفة . و بهذا تم اثباتنا من المتوحشين و بلبوس علمي خالص ، يقول السيد بوش (( لا علاقة لنا بذلك انظروا إلى ما يقوله تقرير التنمية البشرية )) .
عندها سيعاملنا السيد بوش كهمج رومانسيين فإما أن نقبل طريقته في الحياة ثقافياً و حضارياً و نخضع له سياسياً أو سيشن حرباً يحضرنا بها . و يبقى سؤال هل هناك ما يضمن أن لا نتعرض للإبادة إذا قبلنا أن نخضع حضارياً و ثقافياً و سياسياً ؟
إن الجواب على هذا السؤال هو :
- أبداً لا توجد ضمانات .
فقد تختلف المشاريع و المصالح و الخطط . و قد يلزم أن تستلم الشركات النفطية آبار البترول كعقارات خالية من السكان . عندها سيعلن السيد بوش ، أو من سيخلفه ، يأسه من تحضيرنا فيقرر أننا كائنات متخلفة متوحشة بالوراثة . و سيخترع ما لا يحصى من القرائن و البراهين العلمية على نظريته الجديدة التي تستلزم أن يبيدنا .
لدى العلم الغربي وصفات جاهزة ليبرهن على أن كل من يعادي شركات النفط هو من المتوحشين و بطرق علمية ناعمة و حيادية كما في نموذج اختبار الذكاء ( I Q ) المعتمد في الغرب . و هو اختبار مصمم للإجابة على مجموعة متكاملة من الأسئلة صممت لقياس ردور الأفعال و الحلول السليمة لمشكلات عديدة . و بالطبع إن هذا الاختبار يخص ثقافة واحدة و طريقة عيش معينة هي الطريقة الغربية . لكن عن عمد يتم تطبيقه على الآسيويين و الأفارقة فيحصلون على نتائج متدنية عندها يشير الرجل الأبيض لهم بارتياح ألم أقل لكم إنهم قليلو الذكاء ؟!!
و بالطبع لا أحد يذكر أن تقرير التنمية البشرية هو توصيف لوضع قائم دون التحدث عن مسبباته ، كأن يلوم أحدهم الفتاة الصينية لأن قدميها مشوهة بعد وضعهما في القالب الحديدي ، بينما المسؤول الحقيقي هو من وضع القدمين في القالب . فلو تركت الفتاة تتطور بشكل طبيعي لما أصيبت قدماها بأي خلل .
و هنا نتوجه لهؤلاء الذين يتوهمون أنهم حلفاء للأمريكان لنقول لهم إن الأمريكان لا حلفاء لهم و هؤلاء الذين يتغنون بسواد عيونكم اليوم سيرمونكم عند اقتضاء الحاجة كما يرمي المنديل الورقي ، فلا تغتروا بأقوالهم بل انظروا إلى قلوبهم و أفعالهم فهم لم يأتوا للمنطقة كي يوسعوا حدود نفوذ ايران . و لم يأتوا كي يسلموا الحكم للطائفة الفلانية ، أو لإنقاذ الشعب العلاني . إنما أتوا كي يحكموا قبضتهم على المنطقة و لا مقدس عندهم سوى مصالحهم و لا صديق لهم سوى جيوبهم أما أوهام التحالف و تبادل الخدمات و زواج المتعة مع الولايات المتحدة فهذه أضغاث أحلام أو ، أوهام سكير ، أو حلم ليلة صيف سرعان ما يتبخر و ينجلي كل شيء عند الصباح فالأمريكان لا حليف لهم و لا صديق و لا صاحب .
إن كل ما اخترعه الغرب من وسائل إبادة عبر القرون الخمسة الماضية و كل ما طبقه على الشعوب من وسائل تدمير و كل ما تفتقت عنه مخيلته العنصرية من أفكار ليقضي على مقاومة الآخرين يطبق اليوم ضد العرب .
إن خلاصة تجربة الغرب الإبادية العنصرية التدميرية خلال خمسة قرون يطبقها الغرب و طليعته المتوحشة أمريكا ضد أهلنا في فلسطين و العراق
لقد حصل استنفار غربي هائل فمن شيطنة الخصم التي شاهدنا ضخاً هائلاً لها عبر وسائل الإعلام قبل العدوان الأمريكي على العراق ، و ضد أهلنا في فلسطين ، و بعد أحداث الحادي عشر من ايلول وصولاً إلى دعاوي نشر التحضير والديمقراطية . كي يصل الأمر إلى الإبادة الجماعية الصريحة كما يحدث اليوم في فلسطين و العراق . حيث تمارس شيطنة الخصم يدعمها أسطول هائل من الأسلحة الفتاكة و العقائد القيامية .
رغم كل ذلك لا يتقدم الغزاة شبراً و يتفاقم مأزقهم يوماً بعد يوم فيوغلون بالجريمة مسفرين عن وجههم عارياً نازعين عن جلودهم كل أقنعة الإنسانية و التحضر ليظهروا مجرد وحوش أو آلات دمار و قتل .
و على الطرف الآخر تصمد الأمة و ترد الضربات مما يكرس في قناعة العدو يوماً وراء يوم أننا لسنا أمة هنود حمر ( مع احترامنا الشديد للهنود الحمر ) . بل نحن أمة عصية على الكسر و الإبادة . و إن كل ترسانته العدو العنصرية لن تجدي نفعاً لأن ليل البشرية الطويل الذي دام خمس قرون قد اقترب من نهايته و بعد قليل يشرق الفجر على نظام عالمي أكثر إنسانية و أكثر عدلاً . نظام عالمي لا يستطيع فيه شعب أن يبيد شعباً آخر و لا نفع فيه لكل أسلحة الغرب العنصرية لأنه قائم على العدالة و المساواة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-