الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبهة أم منابر حزبية

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 3 / 27
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


عجبت لعبقرية المثل الشعبي المصري القائل "اللي يتكسف من بنت عمه ما يجيبش منها عيال".. أي أن من يخجل من زوجه ابنة عمه لن يكون منتجًا..
وأرى أن هذا المثل ينطبق على كثير من حالاتنا في اليسار.. فإلى جانب العيب الشائع القائم على الإمعان في الخلاف، وعدم تحديد الفروق بين الخلافات الثانوية والأساسية، التكتيكية والاستراتيجية، الفكرية والسياسية، السياسية والتنظيمية.. هناك عيب آخر مضاد أساسه الخجل وعدم المصارحة.. ودعوني أضرب مثلاً من واقعنا الحالي..
يعلم الجميع بأن هناك نية صادقة للتوحيد بين حزبين يساريين جديدين في مصر، هما حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب الاشتراكي المصري.. وتنطلق الرغبة الجارفة في الوحدة من خطورة اللحظة الحالية في تاريخ الثورة المصرية، ومن جسامة المهام الملقاة على عاتقنا، ومن شدة الاحتياج إلى عدم تكرار الجهود وإلى تجميع الإمكانات المادية والبشرية والتنظيمية.. وهو اتجاه موضوعي وذاتي في آنٍ لن يقف في طريقه إلا كل مغرض أو أناني أو حتى مشبوه..
ولكن كي تنجح الوحدة لا بد من المصارحة، دون أن تصبح الاختلافات في زوايا النظر تكئة للتلكؤ وإهدار الفرص.. ومن أهم النقاط التي لا بد للمصارحة بشأنها مسألة هل يبنى الحزب الموحد على أساس تعدد المنابر داخله أم لا؟
في البدء كانت المشكلة الدائمة والتي أعطبت حزب التجمع (حزب اليسار المصري المنشأ عام 1976) أن الاتجاهات تعددت داخله لكن السيطرة كانت للفريق المتمتع بأعلى كتلة تصويتية فيه (وهي كتلة الموفدين من الحزب الشيوعي المصري إلى داخل حزب التجمع).. ففي بداية عهد هذا الحزب كان التوافق هو الآلية الرئيسية المعتمدة لاتخاذ القرارات وتشكيل الهيئات.. لكن رويدًا رويدًا تحولت الحياة التنظيمية داخله إلى آلية المغالبة، فكان ما يعرفه الجميع.
كان الحل المفهوم لأزمة التجمع التي استفحلت منذ التسعينيات هي ضرورة أن تتعدد المنابر داخله، لأن الحياة السياسية كانت مخنوقة، ولم يكن أمام التيارات المختلفة مجال للخروج من الحزب وتشكيل حزب جديد..
لعل هذا من أسباب أن من خرجوا ككتلة كبيرة من حزب التجمع إلى حزب التحالف الشعبي.. قد فكروا في القبول بواقعة تعدد المنابر داخل حزب التحالف الشعبي الذي نشأ بعد ثورة 25 يناير.. وهو إبداع علينا احترامه، ولكن لا مناص من مناقشته، وفي الوقت نفسه لا أعتبره عقبة كأداء أمام الوحدة، بل ومن الممكن التعامل مع هذه المسألة في مرحلة متأخرة نوعًا.
السؤال الأول هنا.. ما ضرورة تعدد المنابر داخل الحزب الواحد إذا كان من الممكن الآن لكل تيار أن يشكل حزبه الخاص، حتى لو لم يحصل على الإجازة القانونية، وهو حال الحزب الاشتراكي المصري وأحزاب وجماعات شبابية أخرى؟ ألا يكون من الأفضل في هذه الحالة الاعتراف بأن إنشاء العلاقة الجبهوية أفضل من حزب واحد سينهك قواه في والحوارات والخلافات؟ وهل ستغني المنابر عن وقوع انقسامات عند خلاف رئيسي؟
السؤال الثاني.. ما هو النطاق المسموح به لاختلاف المنابر مع الخط الحزبي المعتمد؟ لا أظن أن الحل يكمن في نصوص لائحية.. وعلى أي أساس ستتعدد المنابر؟ على أسس أيديولوجية "ثابتة" أم ستكون منابر "متحركة" بمعنى وجود احتمالات عالية "للتباديل والتوفيق"- حسب اللغة الرياضية- للتغير في عضوية المنابر؟ إن كان الاحتمال الثاني فهو أهون الأضرار.. أما الاحتمال الأول فهو لا يعني سوى وضع بذور لأحزاب ستنقسم وتنشأ في مستقبل ما.. ومن ثم سنعود إلى نقطة البداية..
السؤال الثالث.. ألا يمكن خلق آليات للديمقراطية الداخلية تتيح للأقلية التعبير عن آرائها والترويج لها داخل الحزب بل وحتى إبلاغ الرأي العام بها في بعض الحالات.. بما يقلل احتمالات الاحتقان الحزبي الداخلي، وفي الوقت نفسه يثير الحيوية داخل الحزب، شريطة الالتزام طبعًا بالخط العام المتفق عليه..
كذلك أليس من الممكن خلق آليات توافقية تسمح لكل أو معظم الاتجاهات الحزبية بالتمثيل في المستويات القيادية والوسيطة؟ دون الحاجة طبعًا إلى إنشاء منابر ثابتة ستكون بمثابة "تضاريس" تضعف فرص التفاعل الحر بين عضوية الحزب كأفراد وليس ككتل..
السؤال الرابع.. من سيحدد عضوية كل منبر؟ وبمعنى أدق هل سيكون من حق كل عضو بالحزب أن يدخل منبرًا أو أكثر كما يشاء، أم أن "قيادة" المنبر هي التي ستتخذ القرار النهائي في انضمام هذا العضو؟ في الحالة الأولى ستلوح في الأفق فرص لانتفاء الحكمة من وجود منابر حزبية أصلاً.. وفي الحالة الثانية ستتكون "قيادات" متوازية ستفقد الحزب وحدته في النهاية فيما أتصور..
السؤال الخامس.. إذا كان من المنطقي أن يمتد البناء التنظيمي لكل منبر إلى المحافظات والأقسام والهيئات النوعية.. ألا يمكن أن يفضي هذا إلى كثير من التشويش والبلبلة بالنسبة للعضوية "القاعدية" التي أفترض أنها ستكون أقل اهتمامًا بالخلافات الأيديولوجية، وأن يشجعها هذا على عدم الالتزام بالخط العام "المعتمد" ومن ثم إدخال المنظمات "القاعدية" والوسيطة في حالة من التنافس والمشاحنات الضارة؟
السؤال السادس.. إلى أي مدى يمكن أن يسمح لكل منبر أن تكون له وسائله الإعلامية الخاصة؟ وإلى أي حد تستطيع القيادة الحزبية الموحدة محاسبتها على أي شطط أو خروج ترتكبه؟ وما هو الموقف إذا تمكن أحد المنابر من إنشاء وسيلة إعلامية قد تتفوق على ما لدى القيادة الموحدة من وسائل إعلامية.. إذ عندئذٍ يرجح مثلاً أن تصبح صحيفة المنبر- في أعين الجمهور- هي المعبرة عن الخط العام للحزب؟
السؤال السابع.. وماذا عن مالية المنبر؟ وكيف يمكن للهيئات الحزبية القيادية الإشراف عليها وعلى حساباتها؟
السؤال الثامن.. سؤال خطير في الحقيقة.. وماذا إذا رغب البعض في إقامة منابر نوعية تعبر عن طبقة أو فئة؟ العمال أو الطلاب أو المثقفين مثلاً (على طريقة التنظيم الفئوي لهنري كورييل!!) .. بل يمكن أن ينشأ أكثر من منبر للفئة أو الطبقة الواحدة فهل يمكن السماح بهذا؟
يتسلح البعض في دفاعه عن فكرة المنابر بخبرة حزب العمال البرازيلي، وحزب العمال البريطاني..الخ لكنها في الغالب أحزاب إصلاحية وليست ثورية.. كما أن عراقة الثقافة الديمقراطية في تلك المجتمعات تسمح- في حدود طبعا- بعدم وقوع تناقضات خطيرة بين القيادة الحزبية والمنابر، وبين المنابر بعضها البعض..
خلاصة قولي.. إنه لا رجعة أبدًا عن السعي الجاد لتوحيد اليسار الثوري المصري على أسس مبدئية وواقعية.. وإنني كعضو عادي في الحزب الاشتراكي المصري على أتم الاستعداد لتوقيع "شيك على بياض" لإتمام الوحدة.. أيًا كانت مخاطر أو أوجه قصور هذا المسار الوحدوي أو ذاك.. فلكل مسار نصيبه من هذه أو تلك..
لكنني- ولا مفر هنا من التحدث بصيغة المفرد- أطمح إلى بناء حزب موحد الإرادة قدر الإمكان.. وفي نفس الوقت أتحلى بأعلى قدر من المرونة للقبول بوضعية المنابر كمرحلة ضرورية لبناء الثقة وتجميع القوى للدخول في مشروع حزبي كبير ولائق.. على أمل أن تصهر الضرورات النضالية الجميع في بناء حزبي واحد يتمتع بديمقراطية داخلية فعالة أساسها احترام إرادة الأغلبية، وفتح مجالات أوسع أمام الأقلية.. شريطة اقتران هذا وذاك بنضال "محموم" وسط الجمهور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح