الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استشر.. حتى لا تستجر..

محمد عبعوب

2012 / 3 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مع تقديرنا للظروف التي أتت برئيس واعضاء المجلس والحكومة الانتقاليين في ليبيا التي خرجت من قتال فرضه الطاغية على شعبها دام ثمانية اشهر ، إلا أننا لنا مآخذ على المجلس والحكومة الانتقاليين في إدارة هذه التركة الثقيلة من الخراب والدمار المادي والمعنوي الذي خلفه اربعون عاما من الحكم الفردي الظالم، هذه المآخذ تتعلق بقصور سياسي ملحوظ إن على المستوى الداخلي او الخارجي، كان يمكن تفاديه لو اعتمد كل من المجلس والحكومة على خبراء مسؤولين من المحترفين في مختلف التخصصات بغض النظر عن خلفيتهم السياسية، في اتخاذ المواقف والقرارات الصحيحة والسليمة إزاء قضايا سياسية مهمة وحساسة تتعلق بالداخل او الخارج للخروج بحلول ناجعة لها وتفادي الكثير من المنزلقات والعثرات التي وقعت فيها البلاد وزادت من تأزم المواقف بدل حلحلتها او حتى تجميدها على الاقل.

الكثير من التصريحات التي يطلقها رئيس المجلس الانتقالي السيد المستشار مصطفى عبدالجليل ، ما كان ليلقيها لو انه استشار خبيرا سياسيا مبتدءا ، ليعود مرة أخرى الى وسائل الاعلام لمعالجة الموقف وإصلاح الضرر بعد ان تكون هذه التصريحات قد أخذت مداها في وسائل الاعلام العالمية، وتلقفتها وسائل إعلام لها أجندة معادية للتغيير في ليبيا لتضخمها لتشويه ليبيا الثورة، وتضيع تصحيحات المستشار ومعالجاته في ضوضاء التصريح الاصلي، والامثلة على ذلك كثيرة، أولها تصريحه المتعلق بالسماح بتعدد الزوجات وإلغاء القانون الصادر في الخصوص، رغم ان سلطته كرئيس لمجلس مؤقت لا تخوله بإلغاء القوانين ، وآخرها ما جاء على لسانه حول مواجهة مشروع الفدرالية ولو بالقوة!! وهو تعبير "القوة" نعتقد أننا قد تجاوزناه واصبح من الماضي البغيض الذي قدمنا من أجل إلغائه في حياتنا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.

هذه السقطات التي وقع فيها السيد المستشار نتيجة لمحدودية خبرته السياسية -وهذه ليست عيبا غريبا لأن السيد المستشار وجد نفسه مرغما على تحمل مسؤولية بلاد كانت ستغرق لو لم يغامر ويتحمل مسؤولية قيادتها في تلك الظروف الصعبة- هذه السقطات كان يمكن له تفاديها من خلال اعتماده على خبراء سياسيين لهم باع في فهم المصطلحات والتعبيرات السياسية المناسبة وتفادي الفخاخ التي قد تنصبها هذه الجهة او الدولة للإقاع بالمجلس وجره الى منزلقات سياسية خطيرة. السيد عبدالجليل الذي لا نشك في نزاهته وإخلاصه لمشروع ليبيا لكل الليبيين، ليبيا دولة القانون والحريات، عندما يتحدث أمام الوفود السياسية المحلية او الاجنبية وامام وسائل الاعلام حري به ان يتحدث بخطاب معد مسبقا وعدم المغامرة بالارتجال الذي جر عليه الكثير من الأخطاء التي لم تفلح علاجاته في إصلاح آثارها . وليس عيبا ان يتحدث المسؤول السياسي من خلال ورقة معدة مسبقا، فقادة دول عظمى مثل امريكا والصين وبريطانيا نراهم يتحدثون في أغلب الاوقات من خلال اوراق معدة مسبقا ويستعينون بخبراء مرافقين لهم في طرح افكارهم التي يفرضها الموقف، وذلك لتفادي الانزلاق في اخطاء لا يمكن علاجها..

فالسيد المستشار الذي دفعته فرحة الانتصار على نظام كنا نعتقد باستحالة تفكيكه الى الدفع بخيار تعدد الزوجات، وهو خيار جر عليه غضب نصف المجتمع ممثلا في النساء، وخسارة جزء من مجتمع الرجال الذين لا يؤمنون بتعدد الزوجات ، ما كان ليقع في هذا الخطأ لو انه كلف مستشارين بإعداد خطاب يلقيه بالمناسبة ضمنه قضايا جوهرية تعالج الواقع وتمس قضايا الناس دونما اي مساس بالمشاعر. وهذا ما ينطبق ايضا على تصريحه بخصوص الفدرالية التي لدينا الكثير من الحجج والطرق السلمية لمواجهتها بدل القفز للقوة كخيار لمنعها، اولها انها لم تطرح عبر بوابة شرعية الاقتراع والانتخاب الحر التي يتفق الليبيون بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم عليها كآلية وحيدة لاختيار النظام السياسي الذي سيحكمهم، وآخرها أن الفدرالية كخيار سياسي تجاوزها الزمن، فدول بحجم قارات تعمل لخلق تكتلات سياسية لضمان وجودها، فهل يعقل لنا نحن الدولة القزمية سكانيا واقتصاديا وجغرافيا بمقياس التكتلات الدولية ان نلجأ الى الفدرالية لإدارة شؤوننا ؟!!

الحكومة الانتقالية ورئيسها نقدر ايضا تفانيهم في العمل من أجل إخراج البلاد من حالة الفراغ السياسي والامني والشلل الاقتصادي الذي تتخبط فيه، ولكنهم هم ايضا يفتقرون للخبرات السياسية التي تمكنهم من إدارة البلاد، إن على المستوى الداخلي او الخارجي، فأي تصريح او بيان يلقيه اي عضو في هذه الحكومة بالضرورة يعبر عن توجهات الحكومة وسياستها وهو ملزم لها امام المحافل المحلية والخارجية.. ولازلت اتذكر تصريحا لرئيس الحكومة امام احد ضيوفه الاوربيين حول الهجرة غير الشرعية والذي ذكر فيه ان حكومته ستعمل على وقف الهجرة ومنعها من الوصول الى الضفة الشمالية للمتوسط، منصبا بذلك من ليبيا شرطيا لحماية اوروبا من هذه الظاهرة العالمية التي لأوروبا دور محوري في وجودها من خلال استنزافها الجائر لموارد القارة خلال فترة الاستعمار ومن خلال سياسة تجارية منهكة لاقتصاد دول القارة تمارسها الآن على منتجاتها، وحمايتها لأنظمة قمعية ساهمت في افقار الافارقة وتشريدهم ، وأقرب مثال على ذلك الطاغية القذافي الذي طالما تمتع بحماية هذه الدول ودعمها حتى آخر لحظة ولم يغير البعض موقفهم منه إلا بعد ان تاكد لهم أن قرار الشعب الليبي بإزلته قرار لا رجعة عنه. فرئيس الحكومة كان حري به ان يستعين بخبراء متخصصين في تصريحه امام الضيوف بدل الوقوع في هذا الخطأ السياسي الذي يرتب على حكومته التزامات عجزت حتى اوروبا عن مواجهتها.. وآخر الخطوات التي تؤشر لضعف الحكومة وقصورها في معالجة القضايا الطارئة ، هو دفعها بمشروع الحكم المحلي اللامركزي في وقت متأخر وخاطئ، إذ كان ينبغي ان تعي الحكومة مشاعر التهميش التي لا زالت تسيطر على سكان المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد ، والعمل على معالجتها مبكرا وقطع الطريق على دعاة الانفصال ، كما ان الدفع بهذا المشروع بالتزامن مع مشروع برقة الانفصالي يرسل رسائل خاطئة للمواطن في شرق البلاد مفادها انه لولا التهديد بالانفصال ما كانت الحكومة المركزية لتعمل على حل مشاكل المناطق النائية وتسهيل الخدمات لهم..

خلاصة القول إن تخبط أعضاء المجلس والحكومة الانتقاليين وارتجالهم الخطب والتصريحات وانزلاقهم في أخطاء سياسية ترتب عليهم مشاكل والتزامات تفوق امكانيتهم وتتجاوز اختصاصتهم، يمكن تفاديها بالاعتماد على شبكة من الخبراء الليبيين المتخصصين وتحميلهم المسؤولية، بدل الارتجال والاندفاع في اتخاذ القرارات والتصريح بكلام غير محسوب يجر عليهم المزيد من المشاكل نحن في غنى عنها ، فخير للمرء ان يستشر أهل الرأي فيما يقول، من أن يستجر بحذلاقات الكلام لترقيع اخطائه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية ووظيفة البرلمان الأوروبي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. في النصيرات بغزة.. داخل هذا المبنى شنت القوات الإسرائيلية عم




.. الانتقام الشامل.. العقيدة النووية الروسية ..وبوتين يتوعد بتج


.. الحرب في قطاع غزة تدخل شهرها التاسع مع تفاقم للوضع الإنساني




.. ما دلالات سرعة إعلان القسام مقتل 3 محتجزين بعد يوم واحد من ع