الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقطاعيون الجدد يبددون تضحيات شهداء ليبيا..

رحاب العربي

2012 / 3 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


المراقب لما يجري في ليبيا هذه الايام، اي منذ سقوط نظام الطاغية وحتى اليوم، يمكنه رصد العديد من المشاهد التي تعطي انطباعا بأن البلاد قد اصبحت في وعي الثوار وأشباه الثوار عبارة عن فيء يجب اقتسامها كل حسب قوته وإمكاناته، أي أننا بهكذا عقلية نكون قد استبدلنا اسرة إقطاعية كانت تعتبر ليبيا كلها ملك لها، بمجموعة اسر وقبائل إقطاعية، تحولت بما سطت عليه من بقايا سلاح وعتاد كتائب مرتزقة الطاغية، الى مجموعات إقطاعية مسلحة تفكر بعقلية متقوقعة على نفسها ولا مكان في وعي افرادها لليبيا كوطن للجميع بالتساوي ودونما إقصاء او تهميش لأي فيئة على اي خلفية.

في ضواحي العاصمة طرابس -التي تقدم نموذجا واضحا لهذه الظاهرة المستشرية في طول البلاد وعرضها بأحجام توازي حجم المدن والجهات التي تتمركز فيها- تنتشر ضيع ومزارع ومعسكرات شاسعة كان يمتلكها أزلام النظام السابق الذين فروا بعد انهيار نظام سيدهم ، وبذلك اصبحت هذه القلاع والمعسكرات والمزارع بعد تحرير طرابلس هدفا مشروعا للاجتياح من قبل المسلحين سواء الثوار او اشباه الثوار الذين يسمون بثوار 20 اغسطس .. هذه القلاع التي انفق عليها الاقطاعيون السابقون ملايين الدينارات التي نهبوها من خزينة الشعب لإضفاء كل مظاهر الفخامة والترف عليها ، اصبحت تشكل مراكز قوة تحاصر العاصمة وتشل كل محاولات الحكومة لبسط سلطتها على البلاد، بل إن بعضها تحول الى وكر لإدارة عمليات النهب المسلح ، وترويج المخدرات ، ومنها من اصبحت وكرا لإدارة البلطجة، اي بمعنى قوة للايجار لتنفيذ اي أجندة شخصية او مناطقية او قبلية مقابل المال.

وتعطي مظاهر العنف وحرق الممتلكات العامة وإغلاق الطرق والشوارع في أحياء محددة من المدينة ، وكذلك إغلاق مؤسسات حكومية ومنعها من ممارسة خدماتها ، والهيمنة على مؤسسات عامة والامتناع عن إعادتها لسلطة الدولة والمطالبة بمبالغ خيالية مقابل تسليمها، كل هذه المشاهد تشكل تجسيدا لممارسات إقطاعية مقيتة كانت سببا محوريا لقيام ثورة 17 فبراير، وهي لا تختلف في جوهرها عن ممرسات الاقطاع السابق إلا في اسماء اصحابها..

وتعيدنا سياسة الحكومة والمجلس الانتقاليين المجاملة والمتماهية مع هذه الممارسات الخاطئة، والقائمة على رشوة هذه القوى الاقطاعية الجديدة كلما رفعت صوتها مطالبة برفع قيمة نصيبها من خراج الفيء مجسدا في ليبيا، تعيدنا الى العصور الاولى لقيام الدولة الاسلامية التي كانت تعتبر فيها الامصار المفتوحة فيء للممقاتلين رغم أن معظم الامصار قد دخلت طوعا تحت راية الاسلام واعلنت خضوعها للدولة الاسلامية الفتية بدون قتال، بل إن تقسيم هذا الفيء في فترة ما كان يتم بتاريخ رجعي، اي يكون نصيب الاسد فيه لمن شاركوا في معارك النبي صلى الله عليه وسلم المبكرة مثل بدر وأحد .. وقد خلقت هذه السياسة التي كانت في زمنها سياسة متعارف عليها، خلقت مراكز قوى وطبقة غنية كان لها في ما بعد دورا فاعلا في تغيير مسار الدولة الاسلامية وتحويلها من دولة عدل ومساواة بين رعاياها الى إمبراطورية إقطاعية يتعاقب على حكمها اسر استفادت من نظام الفيء مثل الاسرة الاموية وبعدها العباسية ..

وأمام هكذا واقع فرضته ثقافة السلب والنهب التي كان يمارسها اركان النظام السابق طيلة العقود الاربعة الماضية في طول البلاد وعرضها، ويعيد اليوم الثوار واشباه الثوار استنساخها إن بوعي او بدون وعي؛ لابد للسلطة الجديدة في ليبيا من إعادة النظر في اسلوب تعاملها مع هذه الاقطاعيات القبلية والجهوية والاسرية والخاصة الناشئة والتي لا تر في ليبيا سوى أنها فيء يجب اقتسامه، وذلك بالتوقف وبشكل حاسم عن سياسة الارشاء وشراء الصمت، والبدء في عملية تفكيك مبرمجة لهذه الاقطاعيات تبدأ متدرجة من الحوار وتنتهي الى استعمال القوة إذا استعصى الامر. فلا يعقل ان تبقى البلاد منذ التحرير حتى اليوم رهينة لقوى ظالة ركبت ثورة الشرفاء وانحرفت بهاعن مسارها الحقيقي وحولتها الى مطية لجمع الغنائم وإقامة مراكز قوة لإدارة البلطجة والسطو والعنف غير المبرر واختراق القوانين وتعطيل الحياة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك