الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طيور الجنة

رشيد شباري

2012 / 3 / 27
الادب والفن



كانوا ستة أو يزيد عددهم بقليل.. كل ما جاد به صلب القرية كان هنا.. نسائم الطفولة تداعب شجيرات الواحة الغريدة وسط القرية الهادئ نهارها كليلها، لحظات انفراج الغيوم في فصل الشتاء قليلة، مما جعل الأطفال يختلسون هذه اللحظة العابرة لينعموا بها بعمق وحيوية مثيرة، يتراكضون بين الأشجار وضحكاتهم تملأ الفضاء، ينفخون في الواحة روح الانشراح رغم كآبة السماء الشتوية التي لا تستقر على حال.
كان كبار القرية منهمكين في شغلهم بكيفية مقسمة، منهم من يجني المحاصيل، ومنهم من ينقلها إلى المطحنة التي لا تبعد عن الواحة بكثير.
موسم جني الزيتون هو الموسم المنتظر كل عام، لأنه الأساس في مدخولهم المعيشي، لذلك فهم الآن كأطفالهم سعداء بهذه اللحظات، حتى أن بعضهم أطلق صوته مغنيا، بل إن بعض النساء تجرأن على مسايرتهم في الغناء ورواية النكات، رغم أن هذا يعد من العيوب التي يتجنبها النساء في القرية.. كان حمار الطاحونة يدور.. والطاحونة تدور.. والطحان يدور، لكن الحمار وحده الذي لا يدري أن يدور.
يدور الحمار وتدور عجلة الاقتصاد في القرية ويسودها الرخاء، يشتد الدوران ويخفت تبعا لقدرات الحمار وطاقته، لكن ذلك لا يعفيه من سوط الطحان الراغب في إبراز مهارته وقدرته على مسايرة الكميات المتراكمة عليه من جماعة النقالين، حفاظا على هذه المهمة الموكولة إليه باعتبارها المهمة الأساسية في هذا الموسم، ولذلك فقد اختير لهذه المهمة أقوى الحمير وأفحلهم للقيام بلعبة الدوران بإتقان...
كانوا ستة أو يزيد عددهم بقليل، يلعبون بانشراح طفولي، سر سعادتهم يكمن في الطقوس المرافقة لهذا الموسم، ففيها تقام الولائم والحفلات، حتى الوعود التي وعدهم بها آباؤهم ستلبي بعد بيع المحاصيل.. كانوا يتراكضون وهم يلعبون لعبة العصابة والشرطة.. لكن انفجار قويا تدخل بعنف ليفصل ضحكاتهم المترامية في الفضاء وبين الصمت البارد.. انفجار ارتعشت له أبدان المزارعين وطوقهم بالرعب وهم يرون شهب الشظايا المختلطة بالتراب والأحجار تخترق فضاء الواحة وأطراف الأطفال ورائحة البارود تنبعث من حيث الانفجار تخنق الأنفاس.. مات الأطفال الستة أو يزيد العدد، تطايرت أوصالهم وتساقطت في حفرة اللغم التي احتضنتهم قبرا جماعيا بعد أن تراكم التراب المتطاير على أطرافهم وجماجمهم الصغيرة المهمشة.
كانوا ستة وسابعهم ضابطهم أو سبعة وثامنهم ضابطهم، حين أكد لهم هذا الأخير وهو يتأمل خريطة ملونة بأصباغ الدمار ولون الدم:
- من هنا مر العدو.
احتفل الضابط بانتصاره على العدو وعلقت على صدره الأوسمة والنياشين..
بعد سنوات أو أقل، نمت على القبر زيتونة علقت على أغصانها كل الأوسمة التي نالها رجال القرية ممن شاركوا في حرب المقاومة..


رشيد شباري
طنجة - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع