الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاركة الأديب د. يوسف متّي إسحق في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع الأب د. يوسف سعيد

صبري يوسف

2012 / 3 / 28
الادب والفن


مشاركة الأديب د. يوسف متّي إسحق في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع الأب د. يوسف سعيد


راقدون لا موتى

بهذه المناسبة الحزينة أقدم تعزيتي القلبية إلى العائلة الكريمة ، كما أطلبها لنفسي ولجميع الكتاب والشعراء
الذين أحزنهم رقاد الأب الشاعر سواء في المهاجر أو البلد الأم . وإنني أشكر الله جلَّت قدرته لأنه طوّق جيد ثمانين سنة من العمربسيرة الأب يوسف سعيد ، تغمده الله بواسع رحمته !!
صديق السنين

يُحزنني أن أقف اليوم في هذا المحفل المهيب وأحاول أن أتحدّث عن صديقٍ من أجلّ الأصدقاء ، ورجلٍ من أروع الرجال ، وكاهن من أخير الكهنة ، وكاتبٍ بين ألمع الكنّاب ، بل شاعر لا يُشقّ له غبار ! أقول : يعز عليّ أن أتتبع مراحل حياة غربة فقيدنا التي بلغت قُصاراها قي السابع من شهر شباط 2012 بعد أن بلغ من العُمر عتيّاً .

كان فقيد الشعر علماً من أعلام السريان أدباً وثقافة في رحلتنا القصيرة من عمر الزمن. وقفت والصديق الغالي في محطات على قارعة دروب الحياة ، وكانت المحطة الأولى في محراب مدرسة مار أفرام في الموصل ــ العراق .

كنت يافِعاً ، وكان الفقيد كذلك ، لكنه كان سبقني في دخول بوّابتها الواسِعة . شعرت من أول وهلة وكأني قريب من هذا الفتى الذي لا تُفارق البسمة مَبسمه الضاحك ، فتعانقت روحانا منذ أول يوم وطِئت قدماي أعتاب هذا الصرح المُنيف . لكن ما هي إلا غمضة عين في حساب الزمان حتى علق الفتى قنديلاً خافِت الضوء على جِدار هذه المحطة وانطلق لا يلوي على شيء !

وكانت المحطة الثانية في مدينة النيران الخالدة ( كركوك ) . كان شابا تُطوّقه كنيسة صغيرة مُدمجة الخصر ، تحوطه شريكة حياة : شابة كغصن الزيتون ، وطفلة كفِلقة قمر ، ويراعة أخذت تتراقص على وجه قِرطاس خجول ،ما تزال تهوى النحت والتشذيب ! على ضوء قنديل هذه المحطة قرأنا معاً بدايات قلم مُتحفز ، ودسسنا تحت أسماء مُستعارة مقطوعات وخواطر مُتواضعة !

تسارعت وتيرة الزمان .. أخذت الأيام برقاب بعضها كأمواج بحرلا يهدأ ، فانفرط الشمل وتعرّضت الحياة للضمور ، وإذا بنا كحجارةٍ في كف مقلاعٍ يُقذف بها في الفضاء ، فتتناثر وتتساقط في كلّ فج عميق . فعلق كلٌ منا قنديلا تتراقص ذُبالته فوق قنطرة المحطة ، وانطلقنا لا نلتفِتُ إلى الوراء ، فأدركنا الشاطئ الفينيقي القديم !
في المحطة الرابعة من عمر الزمن ، إشتدّ عود كلينا نتيجة النحت والتثقيف والتجربة ، فانفتحت أمامنا آفاق واسِعة سِعة وجه البحر ، فعدنا نتواصل ، نقرأ ، نتهادى نفثات أقلامنا .. فقربت المسافات ، وانطوت السنون في بلاد الشمس الخافِتة وهنا نضع آخرنقطة في حساب الزمن ، وننتظر من قال أنا آتٍ !!!

وقد يُوجّه إليّ هذا السؤال : تُرى من هذا الفتى ، الشاب ، الكهل تُضلله هامة بيضاءكشِعاف الصنوبر ، لا أقول شيخاً ، لأنه همس ذات يوم في أذني وقال " وكنا نضع الألقاب جانباً في أحاديثنا " : يوسف ، لا أريد أن أشيخ ! ويأتي الجواب : الأسماء صفات ، وإسم فقيدنا يحتضن أربعة أحرف ، ولكل حرفٍ معناه : 1. ياء ، تُشير إلى أنه كان يانِعا ، وأرى صدى هذا في سفر المزامير إذ يقول : الرجل الصالح كشجرة يانعة ، مغروسة على مجاري المياه ، تعطي ثمرها في أوانه ، وورقها لا يذبل . فكان يوسف يانعاً ، طيب المعشر ، خلوقاً ، بشوشاً نظير إيقونة تتلألأ ألوانها تحت دفقات النور !

2. واو ، ترمز إلى وداعته . والوداعة كنز لا لايفنى . بهذه الصفة أراد أن يتشبه بسيده الذي خدمه أكثر من نصف قرن إذ قال : إحملوا نيري وتعلموا مني لأني " وديع " ومُتواضع القلب .

3. سين ، كان فقيدنا : سليم الطوية ، سامي الفكر ، سعيداً بما أغدِق عليه من هبات أودِعت طوايا نفسه الكريمة .

4. وتومِيء الفاء إلى أنه كان فريداً في وده ومحبته وإخلاصه . هذا كان صديقي الذي أحبته نفسي !!

بقي علي أن أختم حديثي بوصية من الفقيد الغالي : فتحت عليه الهاتف قبل الرحيل وتحدثنا ، وسألني كالعادة : ما الجديد ؟ قلت : قصيدة أسميتها " هُتاف العودة " ، قال إقرأها ، فقرأتها . فقال كقول قدماء نقاد الشعر : هذه قصيده توازي ديوان ، وأريد أن أكتب مقدمة ديوانك الذي يضم هذه القصيدة . غير أني خسرت صديقي وخسرت مقدمة طلية لديواني الذي أسميته " وغاب وجه آخر " !

وإطاعة لوصيته أقرأ هذه القصيدة :

هتاف العودة


فارغة ً أيدينا
نذهبُ
لا درّةٌ بيضاء تلمعُ
لا دِرهمٌ
لا ذهبٌ
لا نشَبٌ
لا رداءٌ يكسو عُرينا ،
لا اسمٌ ،
لا لقبُ عِزّ ،
لا شرفٌ أثيلٌ
يتبعُنا !

فارِغة أيدينا
نرحلُ
حفنة تربٍ ترشّ فوقنا وتنثرُ
دمعة وسنانة ،
زهرة دامِعة
تلقى على أجداثنا
ورحمة تُطلبُ ،
وصلاةٌ تُرفعُ
وبخورٌ يملأ رحبَ المكانْ
ويُحثى الثرى ،
وتُطوى الكوى
وتُغلقُ الفجوة !

وتمضي أيّامٌ ،
أشهرٌ
وسنون ْ .
فينبتُ العُشبُ ،
ويُزهِرُ الوردُ ،
ويُحصدُ القمحُ
ويُشقّ صدرُ الأرضِ
تترى
وننتظر ْ لمسة من قالّ :
أنا آتٍ ،
أنا قادِم ْ
أنا " القيامةُ والحياة " ،
أنا منبعُ الرجاءْ
بيدي مِفتاحُ السماءْ
أفتحُ
ولا منْ يُغلِقُ ،
أطوي ولا مَنْ ينشرُ .

سأجيءُ ،
نعمْ سأجيءُ
وأملأ الدنيا وفاقا :
فأنصِفُ المظلوما ،
وأمسَحُ الكلوما ،
وأحضن اليتيمَا ،
وأبني مملكةَ السلامْ !!

ويرتفِعُ صوتُ الهُجّعِ
مُنادياً
هاتِفاً :
تعالَ يا مُبدِعَ الأكوان ْ
يا خالِقَ الإنسانْ
يا شَفيعَ الكِبار
والصِغارْ .
تعالْ :
ضاقَ بنا المكانْ
وعتُقَ وجهُ الزمانْ
وما عادَ في الفمِ حِوارْ
نفوسُنا ملتِ الإنتظارْ !
تعالْ،
تعالْ يا صانِعَ الأقدارْ
يا ملِكَ الأدهارْ !

وينشقُ وجهُ السماءِ
عن صرخةٍ نجلاءِ :
أنا قادمٌ
نعمْ ، أنا قادِمٌ
أنا قادِمٌ !!


د. يوسف متي إسحق / السويد
أديب ومترجم وباحث أكاديمي عراقي مقيم في ستوكهولم









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض


.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية




.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف


.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف




.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال