الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيعة من كلية الشريعة إلى نجران

مجاهد عبدالمتعالي
كاتب وباحث

(Mujahid Abdulmotaaly)

2012 / 3 / 28
حقوق الانسان


هل أكتب عن أهل نجران؟ أم أكتب عن المذهب الإسماعيلي؟! بالنسبة لي عرفت المذهب الإسماعيلي قبل أن أعرف أهل نجران، ومعرفتي بالإسماعيلية كمذهب بدأت من خلال ما وطنت نفسي عليه، عندما كنت طالباً بكلية الشريعة، حيث كانت تمتزج العلوم الشرعية ببعض الخطابات التعبوية ضد المذاهب الأخرى، في الفضاء الجامعي، والتي تصل بعض نقاشاتها للتذكير بموقف بعض الحنابلة المتطرفين من الإمام أبو حنيفة، وفي هذا ما يفسر تساؤلات بعض المتابعين، المستنكرة لخطاب بعض الأكاديميين، من حملة الدكتوراه (الدينية) في جامعاتنا، عندما يتناولون بعض القضايا الوطنية بسذاجة طائفية تتقاطع مع سلوك الهمج من العامة ـ وليس كل العامة همج ـ أقول هذه الخلطة المعرفية البائسة التي تشربوها طلاباً ثم أكاديميين، هي التي تجعلك تستغرب صدور دراسة عن خطر الماركسية مثلاً، ثم تقرأ مراجع هذا الأكاديمي في نهاية بحثه فلا تجد فيها كتاباً واحداً لماركس، وأنَّا له ذلك وهو غير متوفر في مكتباته على مستوى البلد، فكل مراجعه في التأليف تعتمد عن ما كتب ضد الماركسية!!، وعليه ووفق المعايير الأكاديمية كم سنجد في مكتباتنا الجامعية من رسائل جامعية راسبة بامتياز في الفباء الأبجدية الموضوعية، ناهيك عن النتائج المحسومة سلفاً لصالح المزاج الاجتماعي المهيمن، ليصل إليها الباحث قبل البدء في بحثه، والتي تتلمسها من خلال اطلاعك على بعض هذه الرسائل التي تنعقد لها اللجان، والمشرفين.... الخ.
كل هذه المقدمة لتذكير هؤلاء الأكاديميين وخصوصاً أصحاب العلوم الدينية، بواقعهم الشائك الذي يستدعي التساؤل النظري الذي قد يطرأ على الذهن: (هل يوجد دكتوراه وماجستير في الدين؟! أم أن العلوم الشرعية ليس لها علاقة بالدين، وإنما لها علاقة بالعلوم والمعارف المسماة فقه وتفسير وحديث... الخ، وعليه فدكتور الفقه أو العقيدة ليس بالضرورة مرتبته الدينية أعلى من إمام مسجد خريج مدرسة التحفيظ التقليدية..... باختصار هل الدكتوراه في العقيدة مثلا تعني القرب من الله أكثر من رجل البادية، وهل هناك تراتبية غير مكتوبة في الواقع السني نتيجة وجود المعايير الغربية (ماجستير/دكتوراه) لأصحاب العلوم الشرعية تقتضي تراتبية تمارس هيمنتها، لتتقاطع ولو عرضاً مع مسميات الخوري والقس والراهب والبابا... الخ؟!)، هذه تساؤلات تخرجنا من تسلسل حكايتي القديمة بالمذهب الاسماعيلي، لكنها تصنع أرضية ضرورية من التواضع المعرفي اللازم لمواصلة القراءة.
كنت أستشعر أن التعصب يكون نتيجة تزاوج الخوف والجهل لينجبا طفل التعصب، ولهذا فعندما يشتم شيوخي مذهباً من المذاهب كنت أبحث بشغف عن كتبه الأصلية، ولم أكن أجدها إلا في النادر، ولكن ما أجده وبعد قراءته يجعلني أتخلص من الجهل الذي كان يستغله شيوخي ـ وللإنصاف فشيوخي لم يستغلوا جهلي بل كانوا يكررون على مسامعنا ما كرره سابقيهم على مسامعهم وهكذا دواليك لنعيش مع الطوائف الأخرى من المسلمين واقع اللعن المنبري الذي سنَّه بنو أمية وأوقفه عمر بن عبدالعزيز وكتب إلى عماله بترك ذلك وأن يقرأ عوضاً عن السب قوله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) ـ راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير من أحداث سنة 99هـ "ذكر ترك سب أمير المؤمنين علي عليه السلام" ج4 ص98 ـ ولهذا وطنت نفسي على الحياد مع الحفاظ على هويتي المعرفية، فأجدادنا سنة شافعية، مع شئ من التصوف المتسامح البسيط، ويكثر في الجنوب التسمية بعلي وحسن ــ أوردت صفة الإكثار من تسمية "علي وحسن" في الجنوب لأن تتبع الأسماء في الجزيرة العربية يخرج لك معرفة انثربولوجية للحالة الدينية لبيئات الجزيرة العربية عموماً، قد لا يلتفت لها كثير من الباحثين في أركيولوجيا اللغة وسيمياءها ــ وطبعاً بعد قدوم الدولة السعودية نشأنا سلفيين حنابلة وخصوصاً مع روح الهيمنة التي حملها "المُدَيِّنة" ومعناها الحرفي (الذين يدخلون الناس في الدين) فكانوا يحرقون الكتب التي يجدوها في كثير من بيوت الجنوبيين، باعتبارها كتب سحر وشعوذة، والمفارق أن كثير من هؤلاء "المدينة" أميين لا يجيدون القراءة والكتابة.
تحولت الهيمنة الدينية مع الوقت إلى واقع سلطوي تعايش معه الجنوبيون، بل تناغم معه أبناء الجنوب كجزء من هويتهم الدينية، ليصل الأمر ببعضهم إلى وصف أجداده الشافعية، بأنهم جاهليون، لا يحلون حلالاً ولا يحرمون حراماً، وفي هذا تماهٍ مخجل مع السلطة الدينية إلى حد إلغاء الذات، والغريب أن البيوتات العلمية في الجنوب، منذ الدولة العثمانية، لم تستطع حتى الآن إيجاد مرجعيتها الشافعية المستقلة مثلاً، بل تمارس مزيداً من الذوبان، بخلاف ما هو موجود في الحجاز عند أهل مكة والمدينة، حيث توجد حتى هذه اللحظة مرجعياتهم الفقهية من مالكية وشافعية وحنفية.
بالصدفة وجدت كتاب (دعائم الإسلام) في الفقه الإسماعيلي، فاطلعت عليه إطلاعاً سريعاً، فلم أجد فيه سوى تخريجات فقهية، ذكرتني بما كنت أدرسه في كلية الشريعة، مع فارق الاتكاء على مرويات آل البيت رضي الله عنهم، أكثر من غيرها حسب تخريجاتهم الحديثية، وذهب من نفسي كثير من الجهل، وعند ذلك زال الخوف تلقائياً ممن نسميهم (الآخرين) المخالفين لنا مذهبياً، وما دام الخوف والجهل قد ذهبا من ذهني، فيقيناً أن التعصب لن يجد له موقعاً في نفسي، ولهذا لم أعد أتعصب ضد أحد من الإسماعيلية، بل تأكد لي أن الإطلاع على التراث الإسلامي بتنوعاته المذهبية قد يوجد رؤية جديدة أكدها الإمام محمد أبو زهرة عند حديثة عن الإمام ابن تيمية في كتابه الشهير (ابن تيمية/ حياته وعصره، آراؤه وفقهه) فيقول الإمام أبو زهرة وهو من علماء السنة في حديثه عن ابن تيمية: (ثم إن احتكاكه بالشيعة غاليهم ومعتدلهم جعله لا محال ينهل من مواردهم، وإنك ترى أن إفتاءه في الطلاق المقترن بالعدد لفظاً وإشارة، وجعله باطلاً أو جعله واحدة، هو من آرائهم، فلا بد أنه قرأ كتبهم، ولم يمنعه رأيه في غلاتهم من أن يقبل خير ما عندهم، ويدرسه دراسة الفاحص الباحث) راجع ابن تيمية لمؤلفة محمد أبو زهرة ص 97.
ولهذا فنصيحتي باختصار شديد، أن نبحث عن كتب أي دين أو أيديولوجيا، ونقرأها دون الحاجة إلى وصاية فكرية من شيخ فضائي، أو كاهن أرضي، وأن ننبذ الغلاة المتطرفين في كل مذهب فهم منبوذون عند كل ذي رشد، ووصيتي هنا عامة لكل أبناء المذاهب والملل والنحل، فيتسع بذلك أفقنا المعرفي وتسامحنا الإنساني.
أما أهل نجران فلم أعرف منهم وعنهم إلا النخوة العربية، فأبناء الأجاويد فوق كل تعصب مذهبي، وها هي نجران بتاريخها الذي احتضن المؤمنين من أهل الاخدود قبل الإسلام، تصرخ بالويل لمن يشهد إخدود الطائفية بعد الإسلام يُحفَر لبعض أبناء الوطن، ويقف صامتاً لأسباب مذهبية، يحضنها الجهل، ويغذيها الخوف، ليشب التعصب عن الطوق، وعذراً لإخوتنا من شيعة الشرقية، إذ لم نفرد لهم مقالاً، ولكن صوتهم لا مزيد عليه، (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، وما لا يدرك كله لا يترك جله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية طيبة
د حسن ( 2012 / 3 / 28 - 01:55 )
تحية طيبة لك عزيزي الكاتب وكلاماتك رائعة في زمن سيطر عليه التعصب الاعمى حتى بين المتعلمين وما احوج الامة الى مثل هدا الفكر المتسامح بين طوائف البلد الواحد وحتى اديان البلد الواحد وليس الى خطابات الكراهية والتعصب وسيادتك على علم بفتوى هدم الكنائس التي ظهرت مؤخرا
تقبل تحياتي الحارة


2 - موضوع في ذات الموضوع
عبدالله احمد الزكي ( 2012 / 3 / 28 - 21:00 )
أكتب في قوقل ( مناظرة سيدنا الشريف أحمد بن إدريس رضي الله عنه مع علماء الوهابية عام 1245هـ )ـ


3 - ما أجمل وأروع الاسلام عندما تعيش بداخله
ابراهيم دوحان ( 2012 / 3 / 29 - 01:32 )
أولا أشكر الكاتب على كلماته اللتي مدحت الاسلام ...فمدحه لاهل نجران اعتبره من رأيه الشخصي ...ولكن وصفه للاسلام والمسلمين اعتبره رأينا جميعا لاننا مسلمين ولانه (رسم قبة الاسلام بأجمل وأروع الاقلام).ة
ثانيا من شهد بان لا اله الا الله وان محمد رسول الله فهو مسلم ...ولكن بعض الاخوان اجتهد فألّف كتبا واجتهد فألّف جماعات واحزاب ..وهذا شيء طبيعي ولكن عندما يجتهد بعض الاخوان ويؤلف بعد ذلك كتبا وابحاثا ليسب ويشتب كل من خالف مذهبه .. فهذا هو الباطل وهذا هو ما سماه الكاتب الراقي باجتماع الخوف والجهل ...
اخواني واخواتي الاعزاء ..النقاش والجدال كانت من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...... لم تخلق من الان ..ولكن الفرق بيننا وبين عصر الرسول كان النقاش بينهم بالود والكلمه الطيبه ...ولكن اليوم بالسب والتكفير واللعن ..لا يسعني الا ان اقول كتب الله للمسلمين كل خير وجمع بيننا البين واكثر الله من علماءنا الطيبين والمنورين مثل الشيخ مجاهد عبدالمتعالي الذين ان ولّفوا وحابوا بين الناس والا فما فرّقوا ..فهم مومنين بان كتاب الله وسنّه نبيه تدعوا بان نكون معا ولا تحث على البغضاء .
هذا والله ولي التوفيق


4 - الجرعي
عبدالله محمد الجرعي ( 2012 / 4 / 15 - 20:49 )
علم الله اني ماعهدت منهم الا كل علوم الرجالة والاخوة وكم من اشاعات باطلة في مجال العمل فتجد ان هناك اشخاص يصورونهم بأبشع الصور التي تنزع عنهم الانسانية وتصورنا بأنا ملائكة وهم شياطين وحينما تطرح ذلك للنقاش يسموعوك موال التقية التي يستخدمها الإسماعيلة مع من يخالفهم.. مجاهد كلمة شكرا لاتكفي هنا لذلك اهديك تحية ملئها المحبة لك ولما نقشته اناملك..

اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا