الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكون .. أو لا نكون آذار 1982 آذار2012 بمناسبة يوم المسرح العالمي

طه رشيد

2012 / 3 / 28
الادب والفن


في السابع والعشرين من شهر آذار / مارس من كل عام، يحتفل المسرحيون في العالم بعيدهم (يوم المسرح العالمي)، من خلال اقامة المهرجانات والندوات واللقاءات التي تخص شؤون المسرح تحديدا، نصا ونقدا وتمثيلا واخراجا وفرجة، وكان المسرحيون العراقيون سباقون بالاحتفال في هذا اليوم منذ منتصف الستينات .
كانت الفرق الاهلية بارعة في تنظيم مهرجانها قبل انتباه الدولة لهذا اليوم ، وبالاخص فرقة المسرح الفني الحديث العريقة والغنية عن النعريف . وكان آخر عهدي باحتفالها هو في 27 آذار 1978 ، في ذلك اليوم قدمت الفرقة مشاهد مسرحية من مسرحيات مختلفة سبق وإن قدمتها مواسم سابقة . قاعة المسرح الكبيرة لم تكف لعدد الحضور بالرغم من جلب كراسي أضافية من الجيران، امتلات جوانب القاعة وممراتها بالجمهور، إشرأبت الاعناق لترى وتسمع . كلمة يوم المسرح العالمي تلاها في ذالك العام أستاذ الاجيال سامي عبد الحميد، وقد أشاد فيها بجيل الشباب الجديد الذي دخل الى الفرقة معتبرا اياه دماءا جديدةً ، وهي مهمة وضرورية لاستمرار عمل الفرقة،واذكر من الاسماء التي ذكرها بكلمته : اقبال محمد علي ، دريد إبراهيم، طه رشيد، حسن حنيص، حميدة حمد . . . .
إلّا إن معظم هذه الاسماء التي ذكرتها ، والاخرى التي ابعدتها الذاكرة في هذه اللحظة، قد اختفت قبل أن يكتمل عام78، إثر الهجمة الفاشية للنظام السابق على عموم الحركة الشيوعية والديمقراطية، فهاجر من هاجر واختفى من اختفى، وكانت حصة الفنانين دريد ابراهيم وحسن حنيص الاستشهاد جراء التعذيب في اقبية البعث المنحل .
تلاقفت المنافي الباردة الفنانين والادباء والصحفين العراقيين . كانت حصتي الجزائر التي وصلتها في نهاية صيف 78 ، لأعمل مدرسا في ثانوية احدى مدنها الصحراوية ( سعيدة ) .
ومنذ ذلك الحين بدأت امارس طقسا لم أحيد عنه وهو ان اكتب عن يوم المسرح العالمي ولو اسطر معدودة في كل عام .
عام 1982، اي قبل ثلاثين عاما، وكان عمري ايضا ثلاثين عاما، كتبت كلمة بالمناسبة، ونشرتها آنذاك، في جريدة الجمهورية، التي تصدر في مدينة وهران عاصمة الغرب الجزائري العدد 5244 في 29 مارس / آذار 1979 ،تحت عنوان نكون او لا نكون .
أعيد نشرها الآن لأن اغلبية اصدقائي وزملائي القدامى ، والجدد ، لم يطلعوا عليها لضعف وخطورة الاتصالات بيننا ! في تلك الايام ، ولانها تحمل مواقف ودلالات من السلطات ومن المثقف في آن واحد ، لذا اعتقد انها ما زالت تفي بالغرض وتذكرنا بما ينفع ، وبما لا ينفع ! وخاصة اننا لم نقطف ثمار ربيعنا العربي لحد الآن .
وهذا نص المقالة :
نكون او لا نكون
سوف لا نتحدث بهذه المناسبة، مناسبة يوم المسرح العالمي ، عن ( اهمية) المسرح في تاريخ الشعوب باعتباره أمرا مفروغا منه. لكننا نشير الى مسألة اخرى ترتبط وثيقا بالمسرح ، الا وهي الديمقراطية . . ولو تصفحنا التاريخ المسرحي لوجدنا هذه اللازمة ، الديمقراطية ، مكملة ودافعة المسرح خطوات كبيرة الى الامام ولا اعتقد ان هناك غبار على ديمقراطية الحياة الاغريقية ومسرحها العظيم وكذا يقال عن المسرح الروماني الغابر او المسرح الاشتراكي الحالي ان جاز التعبير .
اذا نحن كفنانين عرب نطالب في هذا اليوم من دول العرب . . من اقصى الشرق الى افصى الغرب ان ترفع يدها عن المسرح لا كمساعدات ودعم مالي بل كسلاسل وقيود تقيد معاصم المسرح وفنانيهوان تكف اجهزتهم البوليسية والثقافيةوهذا ما يحدث في اكثر الدول العربية ، اقول ان تكف عن ملاحقة الفنانين ومطاردتهم مما يسبب : اما ان يترك هذا الفنان او ذاك الى عمله المسرحي او الفني بشكل عام او يسبب احيانا ان يترك الفنان وطنه ليعيش مغتربا ولتضمر كفاءته وامكاناته يوما بعد يوم فنحن نعرف قائمة طويلة من الفنانين العرب الذين أضطهدوا او تركوا بلادهم اضطرارا . . ولا اخص المسرحيين فقط بل عموم الفنانين امثال : عبد اللطيف اللعبي، النحاس، سعدي يوسف .. قاسم حداد .. قاسم حول .. زينب ، عدلي فخري ، ومن منا لا يعرف الشيخ امام واحمد فؤاد نجم . . . وهؤلاء لهم بصماتهم الواضحة على الشعر والادب والمسرح والسينما والغناء في عالمنا وثقافتنا العربية
والقائمة ـ المشرقية ـ تتسع لمئات من الفنانين الذين تشردوا ونحن هنا في الجزائر نؤمن بحقيقة اخرى وهي : ان من جاء للسلطة بالقوة وبالبترول والمؤامرات لا مناص منه من ان يضطهد الشعب بشكل عام والفنانين بشكل خاص لذا فنحن نوجه اصواتنا الى الفنانين الذين رضوا ذلة الانظمة عن ان يتحركلهم نطفة في ضمائرهم الفنية – على اقل تقدير – ولا يتصورواان القيود الذهبية تختلف عن سلاسل الحديد يكفي قنوطا وتردي ومذلة فالتاريخ لا يرحم ويعطي لكل ذي حق حقه والشمس لا يحجبها الغربال وكفاهم تزييفا لا تكونوا وقودا لمعركة خاسرة بل كونوا نبراسا لشعوبكم شعراء او ادباء او مسرحيون شاركوا بتحريك شعوبكم كونوا نحركا لهم لتثقيفهم لتثوير وعيهم ولا اعتقد ان المقولة ــ اعطني خبزا ومسرحا اعطيك شعبا واعيا ــ أصبحت بالية وانها فقدت معناها بل اصبحت اكثر ضرورة ضمن الهجوم الذي نتعرظ له من الداخل والخارج !

لا اخفيكم سرا انني استطعت ان اصل ظهيرة يوم أمس 27 آذار الى بناية فرقة المسرح الفني الحديث / مسرح بغداد، خلف سينما النصر رغم منع التجول الغير معلن ، إذ ان نقاط السيطرة قد زادت، بسبب انعقاد مؤتمر القمة العربية، وتفتيش السيارات يستوجب وقتا طويلا عند عبور هذه النقاط، علما ان عدد مهم من الشوارع الرئيسية في وسط العاصمة مغلق في وجه السيارات .ربما (هم) محقون ، فالمحافظة على الامن في بغداد ليس بالامر الهين . سرت على قدمي مسافة طويلة ، تركت ملعب الشعب خلفي ولم اصل شارع السعدون الا بشق الانفس ، انتبهت بانني فعلا زدت ثلاثين عاما عن آخر مرة كنت فيها في هذا الشارع ، في تلك الايام كنا نسير انا وخليل الحركاني وعقيل مهدي ودريد ورياض النعماني وصاحب نعمه وكافي لازم من اكاديمية الفنون الجميلة في الوزيرية الى مسرح بغداد دون ان نتعب او نكل . اجل انه العمر . شارع السعدون هو الاخر أخذ العمر منه مأخذا. مقفر الا في وحه الطفولة، وفدحوله الاطفال الى ساحة لكرة القدم .
سينما النصر لم يبق منها الا جزءا مهشما من اسمها ، دلفت يسارا في شارع تشوه كوجه اصيب بالجدري، شممت رائحة الموت . تسمرت أمام مسرح بغداد، وددت ان اصرخ ، ان اشتم ، ولكن، اشتم من ؟ ، الزمن ام من تحكّم بالزمن ؟ نصحوني ان اكون حذرا في الشوارع الخلفية . انا من جيل مسكون بالخوف . بكيت في صمت .
قبلت الباب المتسخ ومسسته بيدي ووضعتها على رأسي، مسحة من تراب ، تذكرت ما فعلته شقيقتي حين استشهد اخي .
بغداد
28 آذار ـ مارس 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خشبة المسرح رصيف الوطن والناس والحياة
أحمد الناصري ( 2012 / 3 / 30 - 17:07 )
عزيزي طه رشيد
شكراً على الكلمة بمناسبة يوم المسرح العالمي.. علينا أن ندافع عن المسرح والثقافة والديمقراطية بما هو دفاع عن الإنسان والوطنية.. علينا أن نمسح الأبواب والذاكرة والرفوف.. علينا أن لا ننسى طوابير الشهداء ومنهم شهداء المسرح والثقافة وصديقنا الجميل دريد إبراهيم ورفاقه
خشبة المسرح رصيف الوطن والناس والحياة وصليب العذاب أحياناً

مودتي


2 - صراع مع قوى الظلام
طه رشيد ( 2012 / 3 / 30 - 20:16 )
العزيز جدا احمد
رفيق الوعي الاول والاحتجاج الاول

شخصيا اؤمن بان الشعوب لا تموت والمسرح في العصر الحديث سلاح مهم من اسلحة هذه الشعوب
نحن في صراع وقبلنا المعركة منذ عقود
واية شمعة توقد في دهاليز الحياة او المسرح هو انتصار ولو جزئي لقوى الخير والمحبة
وفي بغداد مازال هناك خيرون في الثقافة والمسرح يجتهدون من اجل ايقاد هذه الشمعة
مني لك كل الشكر على تعليقك
اقبلك بحرارة


3 - الفنان الجميل طه
هاشم مطر ( 2012 / 3 / 31 - 06:11 )
المبدع الفنان طه رشيد
تحية ومحبة
عجبي من كل هذه الشجاعة والجرأة والكفاح والمثابرة وانت تترك باريس وتقيم في العراق وتنهي مقالك الجميل بالتعليق (انا من جيل مسكون بالخوف)؟
اتذكر شجاعتك منذ السبيعينات عندما قصت لك شعرك الجميل المسبول شرطة الاخلاق، فبقيت به كما هو تتحدى اعظم عنف وهمجية انذاك! وفي الخارج كنت المناضل والشاعر والصحفي المتألق. فما زلت بطلا يا صديقي العزيز ولم تكن خائفا في يوم من الايام وخير دليل انك تسوح بلادك في اشد فتراتها قرافة وظلمة. انك من جيل الشجعان فحسب عصيون على الانكفاء والتردد وجديرون بالمغامرة كذلك بمحبتنا واحترامنا
كان بودي ان تستغرق اكثر بالكتابة عن بغداد في مقطعك الاخير اتمنى ان تعود له لتكتب اكثر بذات الصفاء. شكرا لذاكرتك وجمالك ودمت ابنا بارا للبلاد الحزينة وصديقا رائعا وكل عام وانت وجميع اصدقاؤك بخير. محبتي

اخر الافلام

.. فنانة شهيرة تتمنى خروج جنازتها من المسرح القومي


.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر




.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1


.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر




.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية