الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مونتاج جديد لسوريا

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2012 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


منذ عقود تقف سوريا أمام سورٍ اسمنتي شاهق, تحولت فيها الدولة إلى مجرد سلطة احتكارية أممّت البلاد في أنساقِ مفاهيمها ورؤاها الضيقة والمُغلقة, وطرح هبوب الربيع العربي ضرورة تغيير الفضاءات الداخلية في المستويات كافة وإعادة الدولة المُغيّبة والمحجوبة, بما يعنيه من إنهاء الشمولية والتسلطية والأحادية الوخيمة التي صادرتْ سوريا طيلة عقود.

ما يجري الآن في سوريا هدفهُ بناءُ الدولة المُحطّمة مجدداً. إعادة تأسيسها. إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي. إعادة مونتاجٍ لبلادٍ أزهقت روحها, وإرجاعها بالتالي إلى خضم السيرورة التي اجتثت منها ذاتَ انقلابٍ من العسكر الذين حولوها إلى مجرّد ثكنة وقبو أمني, وإخضاعها بالتالي إلى ضروب العنف والظلم واضطهاد مكوناتها.

الدولة القادمة في سوريا هي الدولة المؤسسة على إرادة الجماعة, وليست دولة الحاكم الفرد المُؤلّه, ولكي يكون الكيان السياسي القادم دولة للمجموع السوري عليه تفكيك البنى القديمة, بنى الدولة الشمولية والاستعاضة عنها ببنى مستجدة تعبر عن الطموح الجماعي للسوريين, بما يليق بتضحياتهم الهائلة لأجل الحرية والديمقراطية طيلة أشهر مفتوحة على شتى الاحتمالات.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة إيلاء المواطن كل الأهمية واحترام حقوقه وكرامته, وهي دولة لا مكان فيها للأجهزة الأمنية المرعبة التي لا تحصى وتدخلاتها السافرة في حيوات المواطنين, وهي ستكون دولة حماية المواطن ورعاية مصالحه, لا دولة وصائية وعصا غليظة فوق رؤوس المواطنين, وهذا يقتضي تفكيك الدولة الأمنية الحالية وتقليم أظافرها وتجريدها من المخالب وإلباسها قفازاتٍ من حرير.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة التعبير الأمثل عن الفسيفسائية المُغتالة منذ تأسيس سوريا ومنذ استقلالها الوطني ومنذ انقلاب جنرالات البعث, حيث تم تحويل البلاد إلى خشبة مسرحٍ مونودرامي ليس عليها سوى ممثل واحد, فيما حُوِّلت القوميات والإثنيات الأخرى إلى كومبارسٍ مجرد من أي حركة أو فعل, ومن أجل ذلك يتوجب على المعارضة السورية التي سقط قناعها في اسطنبول يوم 27 مارس 2012 مغادرة سرير رفيقها البعثي.

الدولة القادمة في سوريا هي الدولة المحتفية بمؤسسات المجتمع المدني, كبديلٍ طبيعي ومُعادلٍ موضوعي لدولة مختزلة إلى سلطة لوياثان متغولة تديرها المخابرات, لم يُعثرْ فيها يوماً على حزبٍ سياسي حقيقي ولا جمعية خيرية حقيقية ولا مؤسسةٍ مدنية ولا نقابة حرة ولا إعلامٍ حر, وكان قصبُ السبقِ فيها دائماً لما يفرخهُ البعثُ, وما يجود به المطبخ الأمني من سقط متاعٍ تحت مسميات شتى, لقد نُحِرَتْ النقابات في أواسط ثمانينيات القرن المنصرم, وتم الحجرُ عليها ومصادرتها باسم الضرورة الأمنية والمقتضيات الأمنية, وحينَ أعاد ربيع دمشق قبل عقدٍ المُغيَّب المدني الجميل إلى الواجهةِ تعرض النشطاء ومؤسساتهم إلى التنكيل الأمني والبطش والردع والقمع.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة برلمانية, يكون فيها البرلمان منتخباً من خلال انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة وبمراقبة دولية, ولن يكون برلمانَ غنمٍ سعيد أو برلمانَ شخصياتٍ معينة لممارسة الشخير على مقاعده, ذلكم البرلمان سيمتلكُ صلاحياتٍ عديدة من بينها تشكيلُ وزارةٍ من الحزب الأكثر نيلاً للأصوات, وسيكون بيده الحلُّ والربطُ, وليس مجرد مؤسسة صورية أو مؤسسة إكسسوار لتجميل قباحات السلطة أو النظام الحاكم.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة خادمة, دولة تحقيق الرفاه لمواطنيها وتيسيرِ سُبل العيش لهم, دولة تُحاربُ الفسادَ وتكفلُ تأمين فرص العمل وبالتالي القضاء على البطالة المتفاقمة والمتفشية عبر عقود, ولن تكون الدولة القادمة ملكية حصرية لأقلية من رجال الأعمال يتحولون إلى بقراتٍ سمان على حساب غالبية عظمى من المواطنين ينحدرون إلى ما تحت خط الفقر.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة الإعلام الحر والمؤسسات الصحافية الحرة والمنابر الإعلامية الحرة, وأتمنى أن تكون خالية من مقص الرقيب وتدخلاته, وخالية أيضاً من وزارة لا مبرر لها اسمها ( وزارة الإعلام ) التي تحولت مخفورةً بقانون مطبوعاتٍ مهترىء إلى جهازٍ لمصادرة أية بذرة إعلامية تحاول أن تطل برأسها في البلاد.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة تمثيل الفسيفساء السوري, وتكفل الاعتراف الدستوي بالشعبين الكردي والآشوري وحقوقهم القومية في البلاد وفق العهود والمواثيق الدولية وعلى أساس اللامركزية السياسية, ولن تكون دولة القومية الواحدة أو اللون الواحد أو اللغة الواحدة, وفي حال عدم تحقق ذلك ستكون سوريا القادمة دولة فاقدة للشرعية وساقطة في نظر مواطنيها من جميع المكونات.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة الفصل بين الدين والدولة, لن يكون فيها الإسلام هو مصدر التشريع, ولن يرحب فيها بالتيارات السلفية والأفغان السوريين, وهذا يعني أن تحول سوريا إلى نموذج قندهاري أو ثيوقراطي غير مسموح به, فوضع سوريا لا يحتمل قيام دولة دينية أو دولة للإخوان المسلمين فيها.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة مستقلة ذات سيادة, لن تنخرط في اتفاقيات أمنية مع جوارها على حساب مكوناتها, ولن تقبل التحول إلى شرطي لمصالح جوارها الجغرافي على حساب حياتها الوطنية.

الدولة القادمة في سوريا ستكون دولة لا تعاني من مشاكل في الحواس الخمس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنشاء
عمران طلال الملوحي ( 2012 / 3 / 28 - 19:19 )
شكراً لكل هذا الانشاء الجميل، والرؤى الأفلاطونية.. والحليق في فضاءات الأحلام.. التي ستتحقق بفضل الغاز القطري، وأدية آل سعود، وصلوات شلومو قرضاوي، وأقداح ويسكي برهان غليون.. والنصر لك..


2 - الدولة قادمة وليست القادمة
قلم رصاص ( 2012 / 3 / 28 - 21:38 )
تبدو وكأنك تنتظر الدولة القادمة وكأنها قطار ستركبه ...لربما..لكن انتبه لانه على ما يبدو انك تقف على السكة الحديدية .وليس بالمحطة المناسبة.
عاشت سوريا شعبا واعيا ..وجيشا باسلا..وقيادةً حكيمة


3 - المنحبكجية
مصطفى اسماعيل ( 2012 / 3 / 29 - 00:01 )
القراء الأفاضل
كما تلاحظون فإن عاصفة المنحبكجية حطت رحالها هنا, وبدأت نذر هبوبها في ذيل مقالي, إذا كنتم تحتاجون إلى ( المنحبكجية ) فلدينا كميات إضافية منها قابلة للتصدير إلى العنوان الذي ترتأيه.
دمتم ويسقط المنحبكجية وسادتهم.


4 - شكراَ
Tarek ( 2012 / 3 / 29 - 10:11 )
شكراً للمقال المفيد. وماتهتم كتير بالمنحبكجية، وأوعى تحاول تحاورهم لأن هؤلاء يعملون على خط واحد، إرسال دون استقبال. ولو حاولت تحاورهم بيدخلوك بالمستنقع تبعهم.


5 - تعليق بريء
Jamal ( 2012 / 3 / 29 - 10:12 )
بالمناسبة ملوحي كتير عجبني اسمك. قال يعني


6 - الشبيحه والنبيحة
سوري فهمان ( 2012 / 3 / 29 - 13:53 )
أخي العزيز
تحياتي على هذا المقال الذي يجسد روية كل سوري حر لمستقبل بلاده.الشبيحه والنبيحة في هذا الموقع عدة أنواع ومن عدة دول قاسمهم طائفيتهم وغالبهم هاربون من جنات الزرافه أو ايات الله ويعتاشون في أوروبا من فتات الناتو عن طريق الضمان الاجتماعي لانهم بدون عمل أو هم جواسيس في أوكار سفارات النظام. لان المواقع التي يعيثون فيها فسادا لا يمكن لمواطن عادي في بلاد المخابرات الدخول إليها. لذلك لا تهتم لعوائهم فانهم يرددون دايما نفس الكلام .


7 - سلام
موجيكي المنذر ( 2012 / 3 / 29 - 15:02 )
كلام سليم وسيناريو عظيم

ولكن السؤال: من سيكون المُخرج لهذه القصة الملحمية الأسطورية؟

... عسى خيراً


8 - الاستاذ مصطفى اسماعيل المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 3 / 29 - 15:15 )
تحيه وتقدير
ما طرحته اعلاه حلم كل شريف في سوريا و في اي مكان وهو مانتمناه للشعب السوري
لكنك افسدته بانعالك الذي كشف ضعف كبير بالعلاقه بين ما تتمنى وما تفعل فبمجرد عدة سطور من معلقين تركت انضباطك وانفالت لتعود الى تصرفات المتسلطين...كيف اذن اذا واجهة تفتت مجتمع كامل
لم تتطرق الى السبل الكفيلة بتحقيق ما تتمناة هل بسيطرة المجرمين من ال سعود وغيرهم واتباع بلحاج والمتجمعين من باكستان والشيشان وليبيا الذين يقتلون الشعب السوري حالهم في ذلك حال النظام كما تقولون
موقفكم من العصابات المسلحه التي تفتك بالبلاد
السوري الشريف اليوم يرفض الوصاية القطريه السعوديه ووصاية النظام
انا اتكلم معك لانك مناضل في سبيل قضية نحترمها ونجلها لكن عليك ان تضع فاصل بينك وبين المطبلين الذين يصفقون لقتل السعب وهو يتخفون تحت عار الاسماء الوهميه
هل تقبل للنكرة المعلق رقم 6ان يهين الشعب السوري ويسمي نفسه ظلما سوري فهمان وكان الشعب السوري كله غير فهمانين
عليكم انتم المناضلين وبالذات الكرد ان تفصلوا بين التخريب والثوره وان لا تفرقوا بين القتله وان تطردوا شرد طرده كل دخيل عليكم او متخفي غبي جبان
تحياتي لكم وشكرا


9 - قريبا لن نسمع به ولا بأمثاله
سوري فهمان ( 2012 / 3 / 29 - 16:59 )
أولا لا أفهم لماذا يتدخل هذا الغريب بامر الشعب السوري و خاصة أنه يقتات على فتات الناتو في فرنسا مثله مثل كل الشبيحه . همه الوحيد هو أن تقع المنطقة بيد إيران حتى يشبع تعقيده الطائفي الصفوي . سيهوج ويثور ويخرج كل بذاته ضد الشعب السوري الثائر. ولكن القافله تسير وقريبا لن نسمع به ولا بأمثاله.


10 - الغبيان
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 3 / 29 - 17:31 )
ستسير قافلة الشعب السوري و لا يهمها نباحك ستترككم في المزابل تتقوتون على فضلات ال سعود والعرعور وغيرهم
انت مسيحي كما تدعي فلماذا تهتف لللمعتوهين من امثال القرضاوي فهل انت مسيحي سني
براء منك المسيح والمسيجيين المحبين للسلام
فانت بلحاجي ملتحي عرعوري
ساذيقك المر

اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة