الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة تاريخية لواقع معاصر

جورج حزبون

2012 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



شهدت سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي ، ظهور حركات سياسية قومية وأممية واسلامية عربية ، وكانت محكومة النشأة بالواقع العربي القائم بعد الحرب العالمية الاولى وتقسيم البلدان العربية ،وانطلقة جميعها من واقع الخصوصية ، رغم رفعها لشعر الوحدة القومية ، حتى الاحزاب الشيوعية لم تكن ولم تستطع ان تكون اطاراً موحداً تحت عنوان الخصوصية ، ولم تتمكن من بناء هيئة تنسيق قيادية موحدة ومنسجمة ،والمناكفات بينها معروفة ، بل لم يكن في برامجها موضوع الوحدة العربية ، على قاعدة ان الفكري الماركسي وبناء الشيوعية يقيم الوحدة الاممية وليس فقط العربية بالضرورة .
والاحزاب القومية وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي صاحب شعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ، لم يتمكن من تحقيق الوحدة بين اطر الحزب في البلدان العربية وظلت ما اطلق عليها القيادة القومية شكلا اكثر منها مضمون ، فقد خفضت لقاعدة الخلافات بين دمشق وبغداد وانقسمت على تلك القاعدة ، دون ان تبلغنا بوضوح ما هي رسالتها الخالدة ، فربما هي الاسلام ، فهو يعتبر نفسه صاحب رسالة وجوهره عروبي ، وحركة القوميون العرب ومن في عدادهم ، تأثيرا وتاثرا بضياع فلسطين والتي كانت هي حافزها النهضوي ، ثم تاهت مع التعديدات العربية ، فانكفئت الى جذورها واطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باعبارها طريق الوحدة ، وهي نفسها انقسمت فيما بعد ، كما تفسخ فرعها اليمني وقاتل بعضه البعض.
والحركات الاسلامية بعضها مثل الاخوان، كان حركة متأثرة بالدعوة الوهابية والدعم السعودي حتى منذ اقامها حسن البنا عام 1928 ، وان برز لاحقا خلافات بينهما ، فاطلقت الحركات السلفية ، وجميعها لم تطرح الوحدة للبلدان العربية ، فقد اعتبرت ان مفهوم الامة هو الدين الاسلامي كاطار موحد ، وانه حاضنة للامة العربية ، وان الوطنية خروج على الاسلام ، لكنه لم يتمكن من توحيد حركاته اكثر من حالة تنسيق،وقد عاش طويلا ومنذ ازمنة الخلافة الطويلة ، بلدان وامارات متفرقة ليس اقلها الانلدس التي جرى تنصيب خليفة فيها وكان قد اصبح للاسلام اميران للمؤمنين ، وكذلك الانقسامات في المرحلة العباسية وما تلاها ، وقيام امارات عربية ، كل ما لها هو الولاء الديني للخليفة بشكل بروتوكولي ، ثم توارث العثمانين الخلافة من موقع احتلالهم للوطن العربي وقيام امبراطوربية واسعة ، وحيث انهم اصبحوا مسلمين ، وان الاسلام رسالة ( فوق الوطنية ) ، ظلت البلدان العربية خاضعة غير موحدة ضمن امارات وولايات وسناجق ، بحيث لم تكن الوحدة العربية ( عقيدة ) ايامها ؟!
مع انهيار الامبراطورية العثمانية ، وظهور القومية العربية كحركة نضالية ترفض الاستعمار العثماني الذي هيمن باسم الاسلام واضطهد العرب وتوجه نحو ( التتريك ) ، جرت نهضة وطنية قومية عروبية ، فازدهرت الثقافة والفن والادب تمجيداً للعروبة ، حتى بعد ان تامرت دول الحلفاء وفرضت تقسيماً للمنطقة وخلق امارات ومحميات ، لم يكن سوى التحرك العروبي القومي حافزاً لرفض تلك الوصايات والتقسيمات ، وبالنتيجة ظهر في تلك المرحلة قيادات ثورية عربية تتحدى المستعمر وتدعم حركة التحرر العربي مثل مصر الناصرية ودمشق الثورية البعثية ، وهذا كان كافيا لتتحرك قوى الاستعمار والرجعية لاسقاط تلك الحركات والانظمة القومية قبل اتساعها ، فتم تحريك اسرائيل لاستنزاف هذه القوى والتيارات حتى وصلت الى هزيمة عام 1967 ، بعد ان انهكتها المواجهات والانفاق العسكري والتعبئة بما عطل كثيراً من عملية البناء الداخلي ومحاربة الفساد وانعاش الديمقراطية ،واحدث حتى لدى الانظمة الوطنية بذريعة المواجهة مع العدو ، روحا فاشية ، فقد كانت ملاحقة الثورين تتم تحت شعار كل الطاقات لمواجهة عملية تحرير فلسطين ، فاصبحت انظمة بوليسية وتهيئت الظروف للهزيمة ،وكان امام القوى المتربصة ، لا بد من بديل حتى لا تتكرر قضية حركة تحرر عربي ، خصوصا بعد ظهور المقاومة الفلسطينية كردة على الهزيمة ، والتحاق الشباب العربي بها ، فتم بالتعاون مع السعودين اولا طرح الحركات الاسلامية من حيث هي مضمونة النتيجة وسقفها محكوم بدولة خادم الحرمين ، فرفعت شعار ( الاسلام هو الحل )، كبديل عن قوى الثورة والديمقراطية ، وانها تملك الحل الذي لم تستطع القوى التقدمية الاتيان به .
تحالفت حركة الاخوان المسلمين مع الدول الراعية والداعمة لها بالمال والتاؤيل، خاصة مع الطفرة النفطية ، وتوسعت حتى اصبحت حليفاً استراتجياً مع اميركاً والناتو ، في الحرب الباردة و مواجهة الاتحاد السوفياتي ، وافغانستان اكبر مثال ، ثم لم تكتفي فقد توجهت لتحريك الشعوب الاسلامية في الاتحاد السوفياتي عبر دعمها المالي وتصدير الفكر الوهابي مما شكل فعلا ضغطاً هائلاً على السوفيت وعلى حركات التحرر العربي التي اصبحت في حالة دفاع عن النفس ، حتى اضعفت حضورها واثرها ، وكان الوقت المناسب لتحريك الاسلام السياسي في الوطن العربي في لحظة لا يواجه اية قوة قومية او ثورية ، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وفقدان البوصلة الثورية .
وكما هو ايضاً معروف في التاريخ ، فقد انتجت تلك الحركات الاسلامية المنغلقة ومعها المال السخي، فكراً اكثر تشدداً وصل الى انتاج ( القاعدة )، واصبح عبئ على القوة التي دعمته تماماً مثل ذلك ( القرد الذي تمرد على سيده ) ، ومع اشتداد الازمة الاقتصادية وتراجع مستويات المعيشة والبطالة العالية ، استخدمت الانظمة القمع والاستبداد لتظل ممسكة بالسلطة ، وتوقفت عجلة التطور ، وساد الظلم ، حتى كانت الانتفاضات العربية ، والتي في جوهرها شبابية من مجموعات غير مؤطرة متطلعة للديمقراطية والحرية ،واستطمدت بالسلطة ، وانتصرت ارادة التغير ، فالبعض قال عنها ثورة واخرين حراك وانتفاضة ، ذلك انها لم تكن تطرح برنامجاً سياسياً محدداً ، فهي حالة انفجار شعبي شبابي رفض هذا الواقع المزري والفاضح فانطلق هادرا يريد اسقاط النظام ، فسقط النظام بغض النظر عن اشكال السقوط التي تباينت من بلد الى اخر ، وهنا واجه الجميع امراً واقعاً فرض نفسه ، اين السبيل ، فلا برنامج ولا خطة عمل ولا قيادة محددة ، فكانت فرصة من يملك الخطة والقيادة وقد سقطت ثمرة النجاح في يديه، فاستغلها متجها نحو اقامة الدولة الاسلامية التي بشر بها طويلاً على طريق اقامة الخلاقة والعودة الى العصر السادس ، مما انعش الحركات السلفية فجاء ترتيبها الثاني في الانتخابات المصرية، والاخوان في المقدمة في مختلف البلدان العربية ، وساد مناخ مضطرب خاصة امام التصريحات والفتاوي التي وجد بعض منها ان التماثيل الفرعونية وثنية ؟! وحتى عالم الفن والتمثيل ناله التهديد واخذ منه الاضطراب .
لكن غاب عن اصحاب النجاح الموهوم، ان التاريخ لا يعود الى الخلف ، فهم محكمون بموروث انساني وثقافي راكمته البشرية عبر تاريخها وانماط حكم وانظمة متراكمة ،بحيث لم يعدممكنا العيش في عزله منها ، فالناس يدخلون في علاقات اجتماعية لانتاج الخبرات المادية ، ويحتاج الجميع الى العمل والتعامل ضمن منظومة انتاجية واحدة حتى اصبحت عالمية، وعكس ذلك لا يمكن ان يقلع اي نظام او شعار ظل مريحا طرحه خارج المسؤولية العامة والمشتركة للبشرية ، وقد بدأ يظهر تناقض في موقف الاسلام السياسي وغير موحد الاركان امام مسؤلية السلطة ، فهو يبدو ليبرالي في تونس ويعلن ، ان الاسلام ليس مصدر التشريع الوحيد ، ويطمن الحركات النسائية ويؤاكد الحفاظ على مكتسباتها ، وفي ليبيا يقسمها الى ثلاثة ، وفي مصر ترتبك الحياة ويظهر عدم انسجام بين الاخوان والسلفين، وفي سوريا لا يتعامل التيار الاسلامي مع المعارضة الليبرالية ،مما ادى الى ضعف مجمل حركات المعارضة التي اصبحت تنتصر بالخارج ، وبالتالي لم نعد نسمع شعارات الامة الاسلامية ، بقدر ما نسمع عن قيادات جديدة تعلن افكاراً قديمة خارج مفاهيم العصر والحياة ، وجميع هذا وسواه من مظاهر، تشير الى ان تيار الاسلام السياسي يحمل في داخله اسباب فنائه ، ولا مستقبل له حتى عبر تحالفاته مع اميركا ودعم الخليج المالي ، وقد اخذت مظاهر الامتعاض في قطاع غزة واضحة واخذت ترتفع احداث المطالبة بالتغير وتحميل حركة حماس مسؤولية الحال الرث الذي وصل اليه الحياة في القطاع الذي تصر حماس على جعله امارة اسلامية بكل السبل، ولو ادت تصرفاتها لقطع الكهرباء والماء والدواء عن المواطنين ، وهي صورة لواقع حال مستقبل الاسلام السياسي الذي لا يستطيع التراجع ولا يتمكن من التقدم ، وفي الحالتين سيكون خائناً لكل الشعارات التي رفعها ، ولا يبقى امامه الا الاندثار بحكم الشعب واستيعاب ان الدين لا يمكن ان يكون نظاماً قهرياً للشعوب الذي هو منفسها ،وايضا ستصل التغيرات الى النظام الوهابي السعودي ومن معه ولكن في انتظار ذلك يظل السؤال المعلق اين البديل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا