الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدارس الإنغلاق الفكري

عادل دنو

2012 / 3 / 29
الادب والفن


عانت بعض مؤلفات كبار العلماء الذين كوّنهم الغرب الى تشويه ممن اعتبر نفسه من كبارات الثقافة في الشرق عندما لجأ بعض الفاهمين الى ترجمة بعض اكبر الكتب التي حوت افكار غيرت نظر الانسان وفكره وسمت به ليكون بعضهم اساطين الفلسفة في القرن العشرين، واذكر مثالين على ذلك، الاول هو نتاج كبير لعالم وفيلسوف يعد من اكبر المفكرين العظماء هو اريك فروم. الذي نتناوله كنموذج. والثاني هو نتاج اخر كبير لو تم وزنه بمثاقيل الدنيا ما قدرت ان تعطيه حقه الى جانب اعمال اخرى في نفس الاختصاص وهو الكتاب المعنون " الصوت المنفرد مقالات في القصة القصيرة" الذي وضعه فرانك اوكونور وترجمه د. محمود الربيعي. وقد وضعت الهيئة المصرية العامة للكتاب في اصدار عام 1993 ملاحظة في الصفحة التي تسبق المقدمة " هذه ترجمة كاملة لكتاب The Lonely Voice By Frank O’Connor " . وهي صيغة نادرا ما ترد في الترجمات مما يثير الشبهات حول الاصدار السابق من الترجمة. وبمتابعة مقدمة المترجم يتوضح كل شيء. فبعد شغف المترجم بمحتوى الكتاب واهتمامه لترجمة الكتاب لوضعه في ايدي القراء والمتابعين لفنون القصة وهو فضل كبير قام به. يعترف في المقدمة انه اكثر من سنتين مرتا بين دفعه الى " مجلس الفنون"، ورؤيته النور في " مشروع المكتبة العربية" سنة 1969 في مصر. ولكنه يضيف انه بقدر فرحته بظهور الكتاب احزنه".. أيضا على انتزاع فصل منه، وغيابه من الترجمة، حزنا كبيرا." ويشفي المترجم غليلنا في كشف تفاصيل اكثر عن الموضوع فيقول ان الفصل المنتزع كان الفصل الخاص باسحاق بابل وعنوانه :"رومانتيكية العنف". وحسب ادعاء المترجم:" أن السبب الذي اعطي لهذا التصرف كان واهيا."
من المؤسف ان الاعراف والتقاليد العلمية لا تتبع في مواطن تدعي الثقافة فعلى حامل شهادة علمية كالدكتوراه ان ينحني امام حامل شهادة عملقة في الفكر بغض النظر عن ديانته وانتمائه السياسي والعقائدي. والمشكلة ان الدكتور(؟) العلمي.!. لا يرى الاشياء الا من منظاره الاسود .. فكل الورود يجب ان تكون سوداء.. وكل الاوراق الخضراء ينبغي ان تكون سوداء والا فانها علة علل مشاكل بيئتة ومحيط هذا الدكتور..
واليك النموذج الاول الذي ذكرناه. صدر في اغسطس عام 1989 كتاب ضمن سلسلة عالم المعرفة التي يشرف عليها المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب – الكويت وبتسلسل 140 ويحمل عنوان الانسان بين الجوهر والمظهر. وورد تحت العنوان اسم المؤلف اريك فروم واسم المترجم وهو سعد زهران ثم اسم المراجع والمقدم وهو لطفي فطيم. ورغم ان المجلس حرص على ان يذكر في اسفل الصفحة بعد العنوان الداخلي ملاحظة تقول " المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس"، الا ان الحقيقة آلى هذا المجلس على نفسه ان يكون المرشح الذي منه يوجب القراء ان يستقوا، وجعل من نفسه المسؤول عن تحديد معارف الذي يقرأ العربية ولا يجيد لغة عالمية. ومعرفة لغة اجنبية تساعد كثيرا لكيما يكون القارئ سيد نفسه لا ان يتسيد اخر على معارفه في الزمن الحاضر.
ويبدو أن هؤلاء "المفكرون" الذين لا يريدون رأيا مخالفا لعبقرياتهم، يتبجحون ويفتخرون بعنجهية في مقدمة الكتاب ليعللوا أفعالهم اللاثقافية باسباب اوهى وكما يقال بعذر اقبح من الذنب. ففي صفحة 12 يقول المقدم الذي يضع حرف "الدال" امام اسمه :" ... ولذلك فانه ( يقصد المؤلف اريك فورم) في محاولته الطوباوية هذه يبحث عن جذورها في الديانات التي يعرفها وهي اليهودية والمسيحية ثم البوذية التي انصرف الى دراستها والتعرف عليها" على كبر". فنجده لكي" يؤصل" طريقة الحياة المبنية على احترام الوجود الانساني يلجأ الى امثلة من التوراة والانجيل ويقتبس من آباء المسيحية وفلاسفتها. وله العذر في ذلك فهذه هي الديانات التي يعرفها. وفي اعتقادي انه لو امتد به العمر ووجد من يهديه الى سبيل القران- كما حدث مع جارودي- لجعل من هدي الاسلام مرجعه الحقيقي..."
ويمضي في أفكاره الغريبة هذه وكأن هذا العالم الجليل بنى كل أفكاره من الخبرات الدينية وحدها. فالمقدم والمترجم والهيئة جميعا لا يستطيعون استيعاب معنى الحياة ومنهج العلوم وتطور الفلسفة وتجدد الفكر.. وينتهي المقدم سواء اكان رأيه أو رأي الجميع بمن فيهم اعضاء المجلس، الى تبرير تدخله في التغيير وبصراحة يقول:" وهكذا فقد تدخلنا غب مواضيع قليلة بالحذف من الاقتباسات والاشارات الدينية اليهودية والمسيحية التي اوردها فروم. وحجته في ذلك:" لأنها غير مألوفة لدى معظم القراء العرب، ولأن الافكار التي وردت بتلك الاستشهادات تكررت في اكثر من موضع بالفاظ وعبارات اخرى." والطامة الكبرى ان هذا الرجل القليل الثقافة الذي لا يستوعب عقله ان الرأي الاخر هو بناء واثراء، يقول:" لذلك فلم يؤد حذفها الى اي مساس بآراء المؤلف، بل نعتقد اننا زدنا افكاره ثراء بالاقتباسات التي اسلفناها من القران الكريم." ويختم بكشف اخر وهو قمة في التمدن : على اي حال لم يزد ما حذفناه من الكتاب كله على عشر صفحات متفرقة لم تؤثر ابدا في سياق افكاره" ويضيف او تضيف هيئة التحرير لهذه السلسلة ان تقوم بتكحيل الكتاب بأن تحذف ايضا الفصل الذي يتناول التملك والكينونة في العهد القديم وفي العهد الجديد وفي كتابات المعلم ايكهارت. ان الهدف الاصولي واضح وتيار الفكر الرجعي كان قائما قبل ان يعمل سلاح اميركا تفتيتا في الطائفية والعنصرية. يا لفروم المسكين. لو علم ان مقصا عنصريا سيعمل بآرائه لكان قد عاد ليدرس ويتعلم من جديد في مدارس التخلف. تلك المدارس التي يقودها فكر منغلق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الف مبروك للكاتب عادل دنو
نور ساطع ( 2012 / 3 / 29 - 08:26 )

مبروك للكاتب عادل دنو على اول مقالة له في الحوار المتمدن

اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة