الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبعة أشكال في حُبِّ وكُرْه الجَمال

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2012 / 3 / 29
الادب والفن


الأول أُعجب بمبادرة وزارة الزراعة، حيث علم بأنها تقوم بتوزيع أشتال حرجية على المواطنين وبالمجان، بهدف تشجيعهم على الزراعة وزيادة المساحات الخضراء في ربوع وطننا الجميل، فتوجه إلى هناك، وبالفعل استلم عشرة أشتال من أشجار السرو والصنوبر والزيتون، وقرر زراعتها بنفسه على رصيف الشارع الذي يقطنه، ليضاهي بجماله أرصفة الشوارع في المدن الجميلة، وما أن زرعها حتى بدأ أطفال المدارس في الجيئة والذهاب بالتعرض لها، وشدها ومحاولة خلعها يوما بعد يوم، حتى قضوا عليها تماما.

الثاني قرر أن يزرع سور حديقته بياسمينة عراقية لتجود بعطرها الفواح على العشاق في ساعات العصارى، والعائدين من أعمالهم في المساء بعد يوم مضني وشاق، وبدأ بسقايتها وتسميدها وهو يراها تكبر وتزهر، ولكن بعد أقل من سنة مرّ من أمام السور راعي مع غنماته العشرين، فكانت الياسمية المسكينة عشاء الأغنام في تلك الليلة الكئيبة.

الثالث زار حديقة عامة فأعجب هناك بمنظر تحفة فنية خشبية نُحتت من جذع شجرة على شكل إناء أثري، وقد زُرع فيه باقة من الزهور الجميلة بألوانها الجذابة فبدت وكأنها نبتت من التاريخ ولكن بشكل عصري، فقرر أن يصنع مثلها ويضمها إلى حديقته المتواضعة، فجاء بجذع زيتونة وبدأ بحفرها ونحتها على مدار ثلاثة أيام متواصلة، ثم طلاها بزيت شمعي ليحميها من الرطوبة والعفن، وفي اليوم الرابع وجد جاره قد أخذ المنحوتة وملأها بالتبن والعلف وقدمها لماعز كان يربيه ويعده أضحية للعيد.

الرابع كان يكره فكرة حبس عصفور في قفص ضيق لا يكفي لخفقةٍ من جناحيه، ومع عشقه لمنظر طيور الحب والكناري وتغريد الحساسين والبلابل، قرر أن يصنع لهم قفص كبير واسع، يتيح لعصافيره التحليق والطيران في بيئة طبيعية مليئة بالأشجار والمراجيح والأعشاش والتشكيلات الفنية المبدعة، وبعد أن انتهى منه، طلب منه جاره أن يضع في هذا القفص الجميل بعض الحمام الزاجل، فخجل أن يرده وأن يرفض طلبه، ولكن الجار استسهل الأمر فطلب منه أن يضيف إلى جانب الحمام بعض الأوز، وهكذا صار يضيف في كل يوم نوع آخر من الحيوانات والدواجن كالبط والحبش والدجاج وحتى الأرانب وأخيرا ختمها بماعز جبلي، حتى صار القفص عبارة عن مكرهة صحية مليئة بالذباب والبعوض وروائح المخلفات المنفرة.

الخامس كان يمضي جل وقته في العناية بحديقته، ولا يبخل عليها بأغلى أنواع نباتات الزينة، وفي كل سنة يملؤها بالأزهار الحولية والموسمية، وفي كل يوم كان يضيف لحديقته ما يزيدها جمالا ويضفي عليها رونقا بديعا، حتى أن الكل كان يحسده عليها ويظنها ملكه الخاص، بينما هو مجرد مستأجر، وذات صيف جاء أصحاب المنـزل وشاهدوا الحديقة فرأوا فيها فرصة استثمارية قد تدر عليهم بعض الربح، فقرروا بناء مخازن ومحلات تجارية فوقها، فأوصوا الجرافة أن تجرف بأسنانها الحديدية كل شيء .. أرجوحة الأطفال، الورود، السور الخشبي الملون، شجرة المشمش، الجورية الحمراء.

السادس كان مفتونا بشجرة زيتون رومية يمر أمامها كل يوم، وكثيرا ما كان يلتقط لها الصور ويقيس أبعادها ويحصي أغصانها، ويراسل بشأنها المحميات الطبيعية وجمعيات الحفاظ على التراث، وحتى أنه فكر بالكتابة لليونسكو لتضعها على قائمة التراث الإنساني، وصدف أن سافر للخارج لشأن ما وغاب بعض الوقت، وفي طريق عودته للوطن كان يمنّي الروح بلقاء محبوبته الرومية كما لو أنها فرد من العائلة، ولكن الفاجعة والمصيبة كانت أكبر من أن يحتملها، حينما رأى معاول أحد المقاولين وجرافاته قد اعتدت على شجرته، وحوّلتها إلى كومة حطب لتحترق في مدفأة أحد الأثرياء، وقد زَرَع مكانها عواميد من الأسمنت العاري ستحمل على أكتافها بناية سكنية وشقق للبيع بأسعار مغرية.

السابع سنقدمه على نحو مختلف، فقد يكون كل ما سبق وقد لا يكون، ولكن من المؤكد أنه إنسان يعاني من تشوهات فكرية وخُلقية كثيرة، ومن ضائقة في الذوق، وعسر في هضم الأفكار الجديدة، فهو مثلاً لا يؤمن أن الاختلاف بين البشر سر ديمومة الحياة، وأنّ تصارُع الأفكار سبب التطور، وأن النقد البنّاء يقي من الاعوجاج. ومقابل ذلك اختلق لنفسه ثنائيات غريبة، فما عاد يرى أن الجمال نقيضه القبح، وأن الحب نقيضه الكراهية، وصار يعادي كل ما هو جميل لاعتقاده أنه حرام، وفي حقيقة الأمر كشف هذا الجمال سوأته الداخلية واستفز مراكز التنبه فيها، وبالتالي صار يتحسس من العطور، ولا يحفل بالأزهار، ولا يطرب على صوت أم كلثوم، ويعتقد أن محمود درويش مجرد شيوعي ملحد، ونجيب محفوظ مرتد، وأنجيلنا جولي عاهرة، ولوحات بيكاسو لا تساوي فلسا لأنها تطرد الملائكة، والأطفال عبارة عن كائنات مزعجة، وأن المرأة جسدها وروحها ما هي إلا فتنة، والفن بأنواعه حرام، والتمثيل فسق ومجون، والرياضة ملهاة ومضيعة للوقت، والإنترنت مفسدة للشباب .. ذلك لأنه ببساطة يقيم علاقة غير سوية مع جسمه ومع ذاته، وعلاقته مع روحه مضطربة، فصار لا يرى إلا ذاته ومن خلال غرائزه البدائية، وعقله المتبلد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصديق العزيز عبد الغني سلامه
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 3 / 29 - 16:07 )
تحيه وشكر على هذه السفره القصيره في الواقع واليك اقول بالعاميه العراقيه اتوقع ان تعرفها

مع الاسف عن هواية بشر نختلف
ويه ارواحنه نزعل
وعله كلشي نختنكَ نتأفأف
اونتحسر
الناس تفرح تنشرح
تركص تغني او تدكَ
وتبحث عله ومضة فرح بالحزن
لو مرة بيها يمر
احنه
افراحنه نحولها حزن
ونلرتاح من انون
وعلحزن بفراحنه أنصر
بختله نفرح وبخجل
وبالسر نكتب قصايد شعر
متناقضة ويه السياق
او ويه روح العصر
تقبل تحياتي ايها الكريم


2 - دائما جميل
عبد الغني سلامه ( 2012 / 3 / 29 - 20:54 )
أخي العزيز عبد الرضا
ليس هناك ما هو أجمل من الشعر العراقي الشعبي
وما زلت أتذكر حفلات الكلية والشعراء والدارميات
وأتوقع أنك كنت في ذلك الزمان أحد نجوم الكلية في قول الشعر
تحياتي ومحبيتي لك لأنك كل مرة تذكرني بأحلى السنين
تقبل مودتي

اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده