الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العربي وفكرة موت الإنسان

حميد المصباحي

2012 / 3 / 30
الادب والفن


يعرف العالم العربي.الكثير من المخاضات السياسية,التي صارت تعرف بالربيع
العربي,وهي أحداث من الصعب تفسيرها اعتمادا على عامل واحد,أو ترجيح أحدها
على باقي العوامل الأخرى,لكن من المؤكد أنها بداية للإنخراط في
التاريخ,وتخلص للدات العربية من تراث الإنتظار والخوف من الإنخراط الفاعل
في الحركية الكونية للبشرية,التي اعتقد أنها أجهدت بالتحولات الكبرى التي
عرفتها أروبا,وكأنها الممثل الوحيد لصيرورة العالم,والمتحكمة الوحيدة في
رسم صورته الأحادية,بل إن مثقفيها بفكر ما بعد الحداثة,أعلنت موت الإنسان
ونهاية التاريخ,وانخرط الكثير من المثقفين العرب في تأبين الحركية
التاريخية,مهووسين بموضة التحليل الأروبي,تلك التي انطلقت من فلسفة
النهايات,والطريق المسدود,المدشنة ببدايات جديدة,الغاية منها,الحسم مع
أية محاولة لخلق نمودج آخر في التنمية والنهضة مختلف عن التاريخ الأروبي
وبداياته التي توجت بتحرير الإنسان والتنوير الثقافي والحداثة وحتى ما
بعدها,أي موت الفعالية البشرية,وضرورة التكيف من النظم المعاصرة,التي
لايمكن إلا تعديلها أو تلطيف عنفها الرمزي المؤسساتي العام,تجنبا
لانكسارت البنى التي ينبغي الحفاظ عليها صونا لكرامة الإنسان وحماية له
من التيه والضياع الحضاري,مع التحولات التي عرفتها بعض الدول العربية,ثبت
العكس,أي أن الإنسان لازال فاعلا,وأن دورة الحياة المجددة لم تنهكها
الأحداث والثورات النهضوية الأروبية,وأن هناك عالما آخر في طريقه
للتشكل,وبناء رؤية مغايرة لرهانات البشر الطامح للتحرر من عنف السلطة
القديمة بكل أبعادها,السياسية والثقافية وحتى الحضارية,وأزعم أن الغرب
نفسه لن ينجو من هدا التحول الدي يعرفه العالم العربي,فهو نفسه في حاجة
لتجديد فهمه للديمقراطية وحتى الحداثة نفسها,التي اعتبر نفسه تجاوزها,وهو
يبحث عن صيغة جديدة لها,محتكرا فهمه القديم لها القائم على العقلانية
والعلمانية والديمقراطية والعلمية والتقنية,وهو مطالب في مثل هده الحالة
بمراجعة قناعاته التي مفادها نهاية التاريخ,وانغلاق الأنساق المعرفية
التي كونها وأراد احتكار معول تهديمها لبناء حداثة جديدة هو وحده المؤهل
للبحث عنها وتسويقها للعالم,ثقافيا واقتصاديا وحتى سياسيا,وهنا ينطرح
السؤال المحرج للفكر العربي,وهو إدا كان الغرب بتحولاته التي فرض بها
صورة جديدة للعالم كما ينبغي ان يكون,قد دعم رؤيته هاته بمشروع ثقافي
وحضاري,فما هو المشروع العربي المستند إليه في التحولات التي يعرفها
عالمنا؟
من المؤكد أن المشاريع الثقافية تحتاج إلى وقت,وإلى جهد كبيرين,يلعب فيه
المثقفون دورا مهما,فالمثقف يستبق الواقع عندما ينسج مفاهيم التغيير
الحضاري العميق للوجود الإنساني,ويلتقط مؤشرات التحول,حالما بانطلاق
التحول من مجتمعه,وانسيابه في اتجاه المجتمعات الأخرى,كما حدث دائما في
التاريخ الإنساني,وقد ينفلت منه ومن نسقه التطور العام ليفرض وتيرة أكثر
سرعة مما تصوره,أو تنتهي التغيرات إلى نقيض ما خمن,وهي أحداث تقع,دون أن
تنال من عزيمة المثقف,فهو يلاحق الأحداث محاولا إعادة تفسيرها والتحكم
العقلي فيها,دون أدنى شعور بالخجل أوخوف من أن يخطئ التقدير,فتلك
مهمته,لايقبل التخلي عنها ولا ينساق مع عواطفه وكبريائه أو وهمه في تملك
الحقيقة التاريخية,التي يدرك أن لها القدرة على تجاوزه كما تجاوزته من
قبل وتجاوزت غيره حتى من الفلاسفة وكبار العالم فكرا,لأنه ليس كاهنا أو
عالم غيب أو صاحب رؤية أو نبوءة,إنه رجل فكر ومنتج مشروع,غايته رسم الآتي
أو الإنخراط فيه حضاريا وثقافيا بعيدا عن الهالات السياسية التبشيرية
التي تجرف المثقفين أحيانا عن مشاريعهم الحقيقية فيتحولون إلى منجمين
يلهون مع أحداث لايدركون أنها مجرد فقاعات سرعان ما تتحول إلى بالونات
اختبار حرارية,غايتها إخراج المضمر من النوايا والخقايا المخوف منها
والمراد الكشف عنها لتسهل السيطرة عليها والتحكم في مسارها,الدي لن يكون
إلا توجيه خيط دخان في اتجاه سحابة لتمطر أو تختفي عن الأنظار مؤقتا
,المثقف العربي,يشعر بالريبة حوله,والسبب هو خوفه من سوء الفهم,لايريد أن
يتهم بالتسرع,ويفضل أن يخطئ في التقدير ولا يغامر بمشروع يعرضه للسخرية
في زمنه المفتقد للكثير من الجدية الفكرية والصرامة الأخلاقية,ويبدو أن
الأحداث التي يعيشها العالم العربي فاجأته أكثر من غيره من مثقفي العالم
الحر,لأنه أو لنقل بدون تعميم أن أغلب المثقفين العرب,كانوا أكثر وثوثقا
في فكر النهايات وموت الإنسان من المثقفين الأروبيين الدين أبدعوا هده
المفاهيم,وعندما تهتز القناعة الأولى,فمن الصعب أن يغامر المثقف العربي
ببناء قناعة أخرى,يخاف عليها من التفنيد مرة أخرى,مما يعرضه للحرج,ويفرض
عليه الكثير من التريث والإنتظار.لكن من المؤكد أن انتظاره لن يطول ,لأنه
أدرك أن التاريخ صعب التملك كما الحقيقة,وأحكام العقول العظيمة تنتج
أخطاء عظيمة وجسيمة,دون أن تكون مبررا لعدم الثقة في العقل أو تبخيسه حقه
في الوجود والحكم مهما كانت فداحة العثرات التي يقع فيها,فالعقل له
تجاربه وهفواته التي لن يتوقف عن اقترافها,والمثقف ليست له إلا هده
السلطة التي يستند لها وحدها للقبول بحكمها وقضائها القابل للإستئناف في
حضرة الإنسانية,صحيح كما يقول هايدجر,أن الحقيقة ملازمة للتيه,المصاحبان
للوجود,ولا وجود خارج التيه حتى في البحث عن الحقيقة,وكأنه ينبه أن
الخائف من التيه سوف يظل بعيدا عن الحقيقة رغم قربها منه,وكان كانط قبله
نبه,إلى أن الخائف من التعثر لن يتعلم المشي,وسيظل زاحفا على بطنه أو
موجها من طرف غيره,ولن يتخلص من راحة التوجيه إلا إن أقر بضرورة التخلص
من الوصاية التي يفرضها غيره عليه
حميد المصباحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده