الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفاح تولوز و الدعم الوطني

عمر دخان

2012 / 3 / 30
الارهاب, الحرب والسلام


من جديد صُدِمَ العالم بحادث إرهابي آخر إستهدف المدنيين العزل. حادث كان من بين ضحاياه أطفال أبرياء لا علاقة لهم بأي صراع سياسي أو ديني في العالم، مجرد أطفال أبرياء كان ذنبهم الوحيد أنهم قصدوا مدرستهم بكل براءة في ذلك اليوم التعيس. أولئك الأطفال ذهبوا ضحية الكراهية و الإرهاب اللذان لا يفرقان بين صغير أو كبير، ناشط سياسي أو غير ناشط، عسكري أو مدني، متدين أو غير متدين.
هذا العمل الجبان لم يفاجئني كثيراً بقدر ما فاجأني الدعم الذي تلقاه القاتل محمد المراح، ليس من قبل الكثير من الجزائريين فقط، و لكن في جميع أنحاء العالم العربي و المسلم. العديد من مساندي هذا العمل الإرهابي من الجزائريين شعروا بأن مساندة محمد مراح تعتبر واجباً وطنيا، و ذلك لمجرد أنه ذو أصول جزائرية، على الرغم من أنه ولد و نشأ في فرنسا و لم يزر الجزائر في حياته قط.
موقف الصحافة الجزائرية مقارنة بمواقف الكثير من الجزائريين كان يحمل مفارقة غريبة. حيث أنه بينما كانت الصحافة الجزائرية تشن حملة شعواء ضد وسائل الإعلام الفرنسية لتركيزها على الأصول الجزائرية لمحمد مراح أكثر من أي شيء آخر – حسب إدعاء تلك الصحف- كان الكثير من الجزائريين ينشؤون صفحات على الفيسبوك لدعم القاتل و عمله الإجرامي، فقط لمجرد أنه ذو أصول جزائرية. الكثير منهم جعل من دعمه بمثابة أمر إلزامي على كل جزائري إنه هو أراد إثبات جزائريته، و البعض منهم ذهب بعيداً إلى حد مقارنته بأبطال ثورة التحرير الجزائرية و قاموا بنشر صور معدلة له مع العلم الجزائري.
هنالك بعض الأشخاص الذين يشعرون بأن إستخدام محمد مراح لأطفال غزة كمبرر لعمله الإجرامي يعتبر سبباً مشروعا و مفهوماً، و بعض أولئك الأشخاص هم للأسف من وسائل الإعلام التي كانت تتابع الحدث و تحلله. لا يمكنني أن أفهم كيف لإنسان يحمل ولو ذرة من الإنسانية أن يساند أو يحاول تبرير مثل هذا العمل الإجرامي ضد أطفال أبرياء، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم ( و هي أسباب لا تبرر الكراهية، فمابالك بالقتل).
في اليوم التالي للحادثة، و بينما كان القاتل محاصراً من قبل قوات الشرطة الفرنسية في منزله، كنت أجلس على كرسي الحلاق في صالون للحلاقة. كانت تلفزة المحل تبث تقريراً على قناة جزائرية يتحدث عن مستجدات القضية، و بينما كان المذيع يتحدث، نطق أحد عمال المحل قائلاً "إنه بطل! عمل رائع!" لم أصدق أذني و أنا أستمع لتلك العبارة و لم أتمالك نفسي من الإنفجار في وجهه قائلا "ماذا قلت للتو بحق الجحيم؟" لم تكن لدي أي معرفة بالشخص و أحاول دائما تجنب الدخول في حوارات مع العامة، و لكنني لم أتمكن من إلتزام الصمت هذه المرة. أردفت قائلا "إنهم أطفال!" رد علي قائلا و كأنه لم يصدق أن أحداً كان سيعارضه "إنهم يهود" رددت عليه بصوت حاد "إنهم أطفال بحق الجحيم! كيف يمكنك أن تقول مثل تلك العبارة لوصف شخص قام بعمل إرهابي جبان مثل ذلك في حق أطفال أبرياء؟" رد علي قائلا "ألم تر ماذا فعلوا بالأطفال في غزة؟" (و هي عبارة أسمعها دائما بمناسبة و بدون مناسبة، سواء كان الموضوع حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو حول كيفية صنع البقلاوة) سألته "أي عذر هذا؟ لمجرد أنك تعتقد أنهم إستهدفوا أطفالاً، تقوم أنت أيضا بإستهداف الأطفال؟ ألا يجعلك هذا بنفس مستوى السوء الذي تدعي أنهم عليه؟" قال لي "إنهم يهود! يستحقون ذلك!" رددت عليه بصوت أشد حدة و إرتفاعاً هذه المرة "إنهم أطفال بحق الجحيم! هل أنت مجنون؟ إنهم أطفال لا يمكنهم حتى ربط أحذيتهم بمفردهم بعد! كيف يمكنك أن تساند إستهدافهم بسبب معتقدهم أو عرقهم؟ و في فرنسا!" في هذه اللحظة كنت في نوبة غضب عارمة و أعتقد أن وجهي إحتقن بشدة. لم يرد هذه المرة لأنه إعتقد أنني على وشك إيذائه جسديا، و هو شيء لا أقوم به إطلاقاً.
عندما إستمر صمته، سألته "ماذا فعلت للشعب الفلسطيني الذي تتحدث عنه دائماً؟ أنت، كشخص، ماذا فعلت بحق الجحيم للفلسطينيين عدا جعل حياتهم أكثر صعوبه بخطاب الكراهية هذا الذي توزعه في كل مكان لمجرد أن الكلام مجاني؟ لو كانت الجزائر في مكان الأردن أو مصر لكانت أولى الدول الموقعة لمعاهدة سلام مع إسرائيل" أضفت العبارة الأخيرة لأن الكثيرين في الجزائر يرددون دائما أنه لو كان للجزائر حدود مع إسرائيل لكانت فلسطين حررت و إسرائيل تلاشت من على الوجود، جاعلين الأمر يبدو غاية في البساطة و السهولة ، و كأنه لهم رأياً فيما يمكن للحكومة الجزائرية القيام به و مالايمكنها القيام به.
من الإنصاف أن أذكر أنني رأيت نماذج مشابهة و لكن بشكل أقل في جماعات دينية و عرقية أخرى تجد المتعة في مقتل أطفال الآخرين لمجرد أنهم عرب أو أفارقة أو لمجرد أنهم من عرق آخر، لكن لأن هدفي يبقى دائما محاربة التطرف و الإرهاب المُرتكب من قبل أطراف يحملون نفس هويتي الوطنية و الخلفية الثقافية، لذلك تركيزي هنا هو على ردة فعل الجزائريين و العرب المسلمين للمجزرة التي إرتكبها محمد مراح. هؤلاء هم الأشخاص الذين أسعى إلى تغيير طريقة أفكارهم و تنظيف عقولهم من التطرف.
طيلة الوقت الذي أمضيته صارخاً في وجه ذلك الشخص، كانت صور الضحايا في ذهني، و خاصة الفتاة ميريام و التي أثرت صورتها و هي ترتدي الفستان الأبيض و نظرتها الملائكية في نفسي كثيراً (قمت بإنشاء صفحة لإحياء ذكراها على الفيسبوك). أولئك الأطفال ووالدهم لم يستحقوا الموت بتلك الطريقة البشعة. لقد كانوا أشخاصا مسالمين و أبرياء يعيشون حياة سعيدة دون إيذاء أي شخص، قبل أن يأتي كره الإرهابيين و الإسلامويين لكل شيء يهودي و يدمر تلك الحياة و تلك البراءة الطفولية. أولئك المتطرفون يستمرون بالقيام بذلك مستخدمين شماعة "العداء للصهيونية و ليس لليهودية" كغطاء لتلك الكراهية ضد اليهود ككل و على أسس دينية و عرقية بحتة، و هو أمر يمكن لأي مراقب محايد أن يراه بوضوح.
تحليل الصحافة الجزائرية لأخبار تلك المذبحة كان أسوأ من الأخبار ذاتها، فعوض التنديد بذلك العمل الإجرامي و إدانته بدون تردد، راحت تطرح أسئلة قديمة على غرار "لماذا ينقلب العالم رأساً على عقب كلما يموت يهودي، بينما لا يحدث شيء عندما يموت المسلمون؟" حسناً، سأقوم أنا بإجابة ذلك السؤال. أعتقد أن العالم ينقلب رأساً على عقب كلما مات يهودي أو قتل لأن اليهود يقدرون حياتهم و لا يريدون رؤية أي منهم يموت قبل الأوان و لأي سبب من الأسباب، بينما الكثير من العرب و المسلمين لا يتوقفون عن تكرار مدى رغبتهم في الموت، سعيهم في سبيل الموت، و تمنيهم الموت. الكثير من العرب و المسلمين لا يعطون للحياة البشرية أدنى إهتمام، سواء كانت حياة مسلمين آخرين أو غير مسلمين. لم أر إلى يومنا هذا شخصا يهودياً واحداً يقول أنه يتمنى أن يموت أو يُقتل، أو أنه لا يمانع مقتل أولاده في سبيل أهدافه و غاياته، بينما أسمع ذلك بشكل شبه يومي على الجانب العربي و المسلم. لم أرى إلى اليوم إنتحارياً يهوديا واحداً، بينما أعداد الإنتحاريين المرتقبين الذين تتباهى بهم حماس و القاعدة مثير للقلق. اليهود ليسوا هم من يقول أن أولادهم سيذهبون إلى الجنة و يصبحون طيوراً هناك، و بالتالي لا مشكلة في موتهم، العرب و المسلمون هم من يقول ذلك. هل يمكن لأي شخص أن ينكر هذا؟ أرجوا المحاولة لأنني أملك مكتبة وسائط متكاملة تساند كل ما ذكرته هنا.
مثال آخر حول مدى تقدير اليهود لحياتهم رأيناها في صفقة جلعاد شاليط، حيث من أجل إنقاذ حياة شخص واحد، قامت إسرائيل بإطلاق سراح أكثر من 1,000 سجين من أسوأ المساجين لديها. أحد أولئك المفرج عليهم كان إمرأة ساندت في تنفيذ عملية بيتزا سبارو الإنتحارية و التي كان من بين ضحاياها ثمانية أطفال. بعد الإفراج عنها، أجريت مقابلة معها حيث سألها المعد إن كانت على علم بعدد الضحايا الأطفال في عملية سبارو التي قامت بدور محوري فيها، و كان ردها أن إبتسمت و قالت أعتقد ثلاثة. حينها أخبرها المعد أن عدد الضحايا الأطفال كان ثمانية، و هو ما جعل إبتسامتها تزيد إتساعاً و هي تكرر الرقم و كأنها تفتخر بجهدها الذي تسبب في مقتل ثمانية أطفال أبرياء.
رد فعل بعض الجهات الإعلامية في فرنسا لم يكن في المستوى المطلوب، خاصة عند مقارنته بحجم الجريمة. في رأيي، ما جعل التغطية الفرنسية أسوأ هو تعليقات بعض المسؤولين الفرنسيين الذين منعهم خوفهم من أن ينعتوا بالعنصرية أو العداء للإسلام من أن يوجهوا الأصابع نحو المشكل الحقيقي. رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون ذهب إلى حد القول بأن "الإنتماء للمنظمة السلفية ليس في حد ذاته جريمة". هل هو فعلا جاهل لحقيقة أن الفكر السلفي يمثل أحد أهم أسباب التطرف في العالم العربي و المسلم، خاصة و أن الكثير من الجماعات الإرهابية تحمل خلفيات سلفية. تقنياً، الإنتماء لذلك الفكر قد لا يكون في حد ذاته جريمة، و لكن تجاهل تأثير الفكر السلفي على الجماعات الإرهابية المعاصرة كان تصرفا لا مسؤولاً. حتى السلفيون الذين لم يرتكبوا أي أعمال إرهابية – بعد – يحملون فكراً يجعل لديهم القابلية لممارسة الإرهاب و لا مشكلة لديهم في تبرير الإرهاب. أمثلة التطرف السلفي في العالم المسلم لا تكاد تنتهي، بداية من السعودية، مرورا بمصر، و إنتهاءاً بالجزائر.
تصريح رئيس الوزراء الفرنسي يشير إلى أنه هناك خللا ما في الطريقة التي تتعامل بها فرنسا مع الإرهاب، و هو تصريح جاء ليظهر أن فرنسا أصبحت خائفة من التعامل بحزم مع المتطرفين إلى الحد الذي جعلها تخاف من رد فعل المساندين للإرهاب أكثر من خوفها من ردة فعل عائلات ضحايا الإرهاب.
ختاماً، إنه من المحزن فعلا أن نرى أناساً تدعم قتلة جماعيين في أي مكان، سواء في فرنسا، أفغانستان أو النرويج. جرائم بهذه البشاعة تعطي عامة الناس سبباً آخر للوقوف صفاً واحداً في وجه الإرهاب و التطرف، و تعطي الناس الذين يسعون من أجل تحقيق السلام سببا للتوحد من أجل محاربة العدو المشترك: الجهل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا سيدي لموضوعيتك
عبدالله بن مطلق بن سيف القحطاني/جدة ( 2012 / 3 / 30 - 11:25 )
ما خطته أناملك حق وما قلته حق وهذا واقعنا المخزي لكن مكمن الخلل ليس بالسذج والبسطاء الذين يسمعون لكل ناعق متشدد أو نابح ملتحي أو أخمع معمم! هولاء وعاظ سلاطين تابعين للمتستر المنافق الحاكم باسم الشرع! مكمن مشكلتنا بنصوص ترسخ البغض والعداوة ضد الآخر مهما كان كنهه! هذه النصوص التي درسنا بالمعهد العلمي وبكلية الشريعة ونسمعها بعد كل صلاة من مكرفونات المساجد! ناهيك عن الفضائيات ومواقع النت إياه! وبالتأكيد النظام الحاكم لدينا يؤجج مثل هذا الإجرام طالما يشغل الشعب عن حقوقه وأمواله المنهوبة! ابن سعود يصدع رؤوسنا بالقول حنا أهل الشرع والإسلام والذل والجوع قتلنا من شرعه الذي أجاد استثمار نصوصه إياها.‏‎ ‎


2 - يا حسرتاه على الجزائر
حميد زناز ( 2012 / 3 / 30 - 13:22 )


لم يتحسر الجزائريون في اغلبيتهم على دفن الكاتب العظيم الذي ساهم كثيرا في
تقديم الجزائر ادبيا إلى العالم كله في فرنسا و ها هم اليوم يطالبون بدفن قاتل أطفال همجي في الجزائر . بلدي الجزائر لم تعد الجزائر بعدما عاث فيها الفكر الديني فسادا . يا أخي اذهب و اقرأ تعليقات القراء في الصحافة الجزائرية و حت ما يكتب
الصحفيون ستصاب بالذهول و تشعر بالخزي كجزائري ..


3 - السيد الكاتب
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 3 / 30 - 17:27 )
تحية وتقدير
ان ذكر فرانسوا فيون للسلفيه شيء جيد رغم ضغفه لانه لم يتطرق الى ذلك احد ولانهم فيوا واتباعه يخافون زعل قطر عليهم
لم يذكر حتى محللي معهد الدراسات السياسيه الفكر السلفي او السعوديه او قطر واعمالها لكنهم ذكروا سوريا
اعتقد بعد الانتخابات الرئاسية وبالذات في حالة خسارة ساركوزي وربعه ستسقط شخصيات سياسية ويكشف النقاب عن جرائم ورشاوى كبرى سواء في هذه الجريمة او جريمة تدمير ليبيا

اخر الافلام

.. تعرف على السباق ذاتي القيادة الأول في العالم في أبوظبي | #سك


.. لحظة قصف الاحتلال منزلا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة




.. نائب رئيس حركة حماس في غزة: تسلمنا رد إسرائيل الرسمي على موق


.. لحظة اغتيال البلوغر العراقية أم فهد وسط بغداد من قبل مسلح عل




.. لضمان عدم تكرارها مرة أخرى..محكمة توجه لائحة اتهامات ضد ناخب