الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (47): عقبات على طريق الثورة (1.الفهلوه والثورة)

عبير ياسين

2012 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


نقف جميعا الآن أمام ما يحدث فى مصر ونطرح المزيد والمزيد من التساؤلات، ولكن رغم اتفاقنا فى طرح التساؤلات نختلف فى التساؤلات التى نطرحها، وفى التفسيرات التى نقدمها. ورغم الاختلاف فى التفسيرات نتفق فى أننا نقف فى مفترق طرق فإما نتجه بمصر للمزيد من السلطوية والقمع القائم على أسس متعددة بعضها قديم وبعضها مستحدث على المشهد المصرى، وإما نتجه لإصلاحات حقيقية ونبدأ طريق التغيير الديمقراطى المنشود. وما بين كل تلك الأبعاد تبقى قضية أساسية وهى أننا لا نبدأ من نقطة بداية واحدة فالبعض يدعم الثورة ويرى أن الثورة المضادة هى المسئولة عما يحدث، والبعض على النقيض يرى أن الثورة نفسها هى المسئول الأساسى عما يحدث.

وبعيدا عن تلك الصور، وانطلاقا من وقائع حقيقية مرت بعد الثورة وجدت أن هناك مقولة أقف أمامها كثيرا خاصة كلما قراءت تلك التعليقات حول اليابان والمقارنة بين مصر بعد الثورة واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فهل القضية فى الفعل أم أن هناك الكثير ليقال وهناك الكثير من الأسس التى يجب النظر إليها عند المقارنة وعند محاسبة اللحظة وأدراك ما يمر بمصر وما مر بغيرها. فهل فعل الثورة كان وحده كافيا لبداية جديدة أم أننا نفتقد الكثير من العوامل الموضوعية والضرورية من أجل نجاح الثورة بطريقة سهلة وفى فترة قصيرة؟ وهل الثورة فعل مؤسسات وقوانين أم فعل بشر وسلوك؟ وهل كنا على موعد مع الثورة أم أن الثورة جاءتنا دون استعداد؟ وهل لدينا القدرة على إنجاح الثورة أم اننا فقط نضيع الوقت ونضيع الثورة عندما لا نقف أمامها كفرصة تاريخية ضرورية لتحرير مصر من عقود الفساد والإفساد؟

وعندما أتوقف الآن أمام تلك التساؤلات التى تتزايد فى كل لحظة أعود لنقطة البداية دوما فهل كنا بالفعل على موعد مع الثورة؟ وهل استعدينا كما ينبغى لهذا الموعد أم أننا تعاملنا معها بطريقتنا المعتادة بدون إعداد وبدون تخطيط حتى عندما أصبحت حقيقة واقعة أمامنا تركناها لمن يتلاعب بها وبنا واعتبرنا أن لا شئ يخصنا ما دامت أبوابنا مغلقة وما دمنا بآمان فى بيوتنا وكأننا نعيد مغامرة رأس المملوك جابر ونحمل بأنفسنا الأمر بوفاتنا حتى تأتى لحظة الحقيقة ويصل الخطر لداخل بيوت الجميع ونقتل بأيدينا!!

عندما أتوقف أمام الثورة، وأمام تجربة أخيرة لا أعرف بعد أن كان مقدر لها الظهور على الأواق أم لا، أدرك بأننا لم نعد للثورة حتى وأن دافعنا عن بعض المقولات ورفعنا صوتنا عاليا وكتبنا أفضل الكلمات..عندما انظر بعمق لتلك التجربة الأخيرة فى المعاملة فى مرحلة ما بعد الثورة أجد أننا نقف فى مواجهة مع سمة أطلقناها بشكل ساخر لسنوات وتعايشنا معها على أنها جزء من الحياة وهى ببساطة "الفهلوة"و"الشخصية الفهلوية" القادرة على التلاعب والبقاء، تلك الشخصية التى أتفق الجميع بصفة عامة على اعتبارها شخصية قادرة على تحقيق الانتصار والصعود أيا كانت الطرق فالغاية تبرر الوسيلة، والمجتمع تناسى منذ سنوات طويلة الفارق بين الهدف ووسائل تحقيقه، وتناسى ان فضيلة الهدف لا تبرر دناءة الوسيلة، وارتضى أن يساهم فى صعود شخصيات "فهلوية" والترحيب بها على الساحة كجزء من عقود الفساد والإفساد. أو كما قالت أستاذة جامعية يوما فى قاعة الدرس النفعية والمصلحية ليست عيبا ولكنها أصل الاشياء، مضيفة بأننا لا يجب ان نتعامل مع مقولة النفعية والمصلحية بوصفها أمور سلبية ولكنها على العكس-من وجهة نظرها- هى القاعدة التى يفترض أن تحكم سلوك الجميع... وللآسف تلك القاعدة هى التى حكمت وتحكم جزء كبير من واقع الفساد والإفساد حيث تتحول الفهلوة وسيلة صعود أساسية فى غياب القنوات الشرعية للصعود أو تزايد القيود أمام الوصول الشرعى.

تحولت الشخصية الفهلوية والسلوك الفهلوى لأشياء "ايجابية" فى الحياة وتعامل معها الآخرون بوصفها أشياء غير مضرة تماما كالمملوك جابر فى عدم اهتمامه وعدم رغبته فى معرفة ما كتب من قبل الملك على رأسه وكأنها شأن لا يهمه... فأصبح من يستطيع الصعود شخصية فهلوية قادرة على التواجد وصعود السلم بالوسائل الممكنة، ومن لا يستطيع لديه مشاكله الخاصة لأنه لا يملك وسائل الصعود اللازمة وكما يقول المثل "قصر ذيل"!! فأن تنتقد الناجح واللامع يعنى أن لديك مشاكل شخصية وأنك غير قادر على النجاح وتسيطر عليك الغيرة والحقد فلا أحد يقف فى مواجهة نداهة الشهرة والنفوذ مهما كانت الوسائل المحققة للشهرة والنفوذ.

أصبحنا نرى الكثير من النماذج الفهلوية واستمرت الفهلوة فى أوضح صورها بعد الثورة فكل من كان فهلوى قبلها وقادر على الصعود على سلم الفساد، استمر على نهج الفهلوة والصعود على سلم الثورة. وكما كان سلم ما قبل الثورة صعود على دماء الوطن النازف فى صمت، جاءت فهلوه ما بعد الثورة صعود على سلم الوطن ودماء الشهداء والآم الضحايا وبكاء المجاريح وفى كل الحالات تدفع مصر الثمن وتدفع الثورة الثمن عندما نقبل أن نمنع عنها الهواء الصحى ونطالبها بالعيش فى مناخ الفساد والفهلوة المستمر منذ عقود.

تحول فهلوى الفساد لفهلوى الثورة وأضيف أليهم بعض القادمين الجدد لتتسع مساحات الفهلوة وتتحول لجزء من جدل الثورة وساحة السوق الدائرة التى أدخلت البلد فى الكثير والكثير من الجدل وحولت الأنظار عن الصورة الأصلية وعن القضايا المصيرية.. وكما حدث بعد الثورة دخلت بعض الفهلوة على المشهد وبدلا من التركيز على مسار واضح للإصلاح شاركت تلك العناصر فى توسيع الجدل وتهميشه بما سمح ويسمح بغياب التوقيت اللازم للنقاش حول المراحل المهمة والمصيرية.

وهنا نعود للسؤال هل الثورة هى لحظة أم عملية مستمرة، وهل العملية تخص إلغاء قوانين ومؤسسات وهيئات واستبدال شعارات فقط أم أنها تخص البشر المعنيين بفعل الثورة والتغيير؟ هل يمكن أن نتجاهل دور الفرد فى فعل الهدم والبناء؟ وهل يمكن أن تنجح الثورة أو ينجح الإصلاح دون البدء من "الفهلوة" والتوقف عن الترحيب بكل شخصية فهلوية وفعل فهلوى؟

فى تجربتى الأخيرة التى أعادتنى لحديث الفهلوة وجدتنى فى مواجهة مع فكرة الفهلوة فى أوضح صورها حيث التلاعب بالقوانين والتهرب باسم التكنولوجيا وغياب الانترنت ووجود عطل فنى فى حساب البريد الإلكترونى وكان السؤال هل تلك الشخصيات التى ستصنع إصلاح؟ وهل هذا هو السياق الممكن فيه أن تنجح ثورة وإصلاحات؟ نعم ربما تكون شخصيات تتحدث عن إصلاح وثورة وكلام كبير وجميل الشكل ولكن القلب فاسد والفعل فهلوى ومصر تدفع الثمن.

تبدو الفهلوة جزء أساسى الآن من مشهد الثورة المصرية ولنكون أوضح فهى جزء مستمر من المشهد المصرى الممتد حيث وسائل الصعود ليست مجال للنقاش مادامت الغايات تتحقق تماما كفلول الثورة ومن يرغب فى الجلوس على مقاعد الحكم باليآت الفهلوة فالفهلوة عنصر مشترك وممتد ولن ينصلح حال مصر ما دمنا لم نبدأ بالوقوف أمام الفهلوة ولم نتأكد من أننا لن نستمر كالمملوك جابر نحمل بأنفسنا أسباب القضاء علينا وعلى الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها