الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دلالة الحركة وجماليتها في مسرح عوني كرومي

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2012 / 3 / 30
الادب والفن


ارتبطت تجربته الإخراجية بمسرح المخرج الألماني (بريخت) ، لاسيما وأنه كان قد تخصص في دراسة المسرح الألماني ، واستطاع تقديم عدد من التجارب المسرحية التي تحمل سمات العرض المسرحي البريختي، مستفيداً من تقنيات التغريب وبناء المشهد المغاير للبناء الأرسطي، وقد عمل المخرج (عوني كرومي) على " تحرير النص من ادبيته والتعامل معه على انه مجموعة صور فكرية ملموسة ومشخصة، فتعامل مع المفردة على أنها صورة"( ) وعلى الرغم من أنه لم يكن مؤلفاً مسرحياً كما هو الحال مع (بريخت) إلا انه كان يطبق المفهوم البريختي على النصوص التي يتصدى لإخراجها من خلال تطوير الرؤية الإخراجية التي قد تتعارض مع فكرة النص الأصلي، الأمر الذي يجعل المؤلف أو (الدراماتورج) الذي يعمل مع المخرج يعيد صياغة النص على وفق ملاحظاته الإخراجية( ) ، كما أنه لم يكن من الداعين إلى الحفاظ على أفكار المؤلف بقدر ما تتناسب تلك الأفكار مع الرؤية الإخراجية التي يؤكد على تطبيقها، فالنص المسرحي لا يستند على اللغة فقط بل انه غالباً ما يكون للحركة دور أكثر أهمية من اللغة لدرجة انه كان يستبدل اللغة بأفعال حركية ،إذ كان يعد "الحركة أكثر دلائل الحياة وضوحاً وهي وسيلة لسرد العرض المسرحي وإيصال الحدث إلى الجمهور"( ) وهو بذلك يحول الحركة إلى لغة تعبيرية تكون بديلاً عن الحوار، فضلا عن ذلك فإن النص المسرحي عنده يخضع للاختزال "وإعادة الترتيب لمتتالية الأحداث مع مراعاة الإبقاء على سمات مهمة كالملحمية، الكوميديا الجادة، والمتعة بالمفهوم (البريختي) والمشكلة ذات القصد الاجتماعي"( ) وغالباً ما يعمد (كرومي) إلى بناء هذه التقنيات داخل النص من اجل الوصول بالعرض إلى فرضية الإخراج الملحمي سواء كان العرض باللغة الفصحى أو المحلية (الشعبية)، ولا يكتفي (كرومي) بنقل الحدث على خشبة المسرح بل انه يشارك في صناعته، ويعد هذا الأسلوب واحداً من تقنيات مسرح (بريخت) الجدلي الذي لا يكتفي بعرض الحدث الذي غالباً ما كان يستمد من التاريخ أو من نصوص مسرحية سابقة يعيد (بريخت) كتابتها ضمن رؤيته الفلسفية الجدلية من اجل الكشف عن مشاكل المجتمع ذلك أن " تحديث كتابة المسرحية ونقلها من رصد الظاهرة ونقدها إلى بناء ظاهرة ومعالجتها بطريقة فنية حديثة، لا يكون المؤلف فيها مستقبِلاً للأحداث بل صانعاً لها ، وقد عمل (كرومي) مع مؤلفين كثيرين فكان يعيد صياغة فقرات وتراكيب مشاهد بناءً على تفهمه للكيفية التي تتم بها سياقات الفكرة"( ).
إن النص الذي يعمل على إخراجه يرتبط بإمكانية توليده للدلالة الحركية ، التي تحيل بدورها المتلقي إلى فضاءات في التفكير والتواصل مع العرض المسرحي ، إذ أن "الدلالة لا يمكن أن تكوّن معنى من دون ترابطها الحركي، حيث يتحول العرض بأكمله، وعمل الممثل بشكل خاص إلى تسلسل حركي مترابط مع الدلالة، لهذا يقوم المخرج في بناء العرض التكاملي للخطاب المسرحي على أساس معنى الحركة، لأن الإخراج هو تحليل معنى الحركة من خلال الربط بين الحركة والمعنى الجدلي وما ينطبق على الحركة ينطبق على الإيماءة والإشارة"( ) .
أن توظيف (عوني كرومي) للحركة بوصفها معادلا موضوعياً للغة النص ومحاولاته المتكررة في الإفادة من تحويل النصوص العالمية إلى اللغة المحلية من خلال (تعريقها)()، من اجل "خلخلة أو إزاحة النظام اللغوي لصالح نظام لغوي آخر من خلال العمل داخل نظامه العلائقي وفرض هويته الجديدة على عناصر البنية من داخل ذلك النظام وليس خارجه"( ) ، الأمر الذي يتيح للمخرج إيجاد بدائل إخراجية تتناسب مع النص الجديد والبيئة البديلة عن النص الأصلي من اجل اكتشاف رؤية جمالية وفكرية للنصوص المسرحية، كما " في مسرحية (لا تنظر من ثقب الباب)، التي غير فيها حوارات النص، ليؤكد بوضوح فكرة صراع العمال مع الطبقة البرجوازية، واستبدل بعض الحوارات من الفصحى إلى العامية، وتخلص من حركات الإعراب أثناء الإلقاء قدر المستطاع لتقريب الفكرة إلى الجمهور"( ) .

المصادر:
( ) سلام مهدي الاعرجي: الموروث الدرامي التقليدي والرؤية الإخراجية المعاصرة في المسرح العراقي، بغداد :(جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة)2001.
( ) مفيد إبراهيم عبد الحسين : التجسيد الواقعي في المسرحية العراقية ، بغداد: (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي – جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة)، 1989 .
( ) عوني كرومي: الحركة في المسرح ، تونس :(مجلة فضاءات مسرحية ) عدد خاص ، 1986 .
( ) عوني كرومي: المسرح والتغيير الاجتماعي ، مجلة فصول ،م 14 ،ج2 ، (ع1 )،عدد خاص عن المسرح التجريبي، القاهرة: (الهيئة المصرية العامة للكتاب )، 1995 .
() عملية تحويل النصوص العالمية إلى محلية ، عن طريق تغيير اللغة والبيئة بما يتناسب والبيئة المحلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا